أ.د عبد العزيز بايندر
السعي، هو ذهاب من قام بأداء فريضة الحج وإيابه بين الصفا والمروة سبع مرات بنية العبادة بعد طوافه بالكعبة. وقد كان في العهد الجاهلي على هذين الجبلين صنمان؛ أحدهما اسمه إساف والآخر نائلة. لذا ترك المسلمون السعي.[1] وفي السنة السادسة من الهجرة أثناء صلح الحديبية نزلت هذه الآية: «وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ…» (سورة البقرة، 2 / 296).[2]
وقد دلّت هذه الآية أن في الحج والعمرة نقصانا يجب إتمامه، ولكن الآية لم تبين هذا النقصان. فكان الانتظار لازما حتى ينزل الله تعالى آية يبين فيها هذا النقصان. كما أمر الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقوله: «وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا» (سورة الإسراء، 17 / 106).
«فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا» (سورة طه، 20 / 114).
«لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ» (سورة القيامة، 75 / 16-19).
وقد أنزل الله تعالى فيما بعد مبينا النقصان الذي يجب إتمامه بقوله: « إنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا» (سورة البقرة، 2 / 158).
نفهم من هذه الآية أن الصفا والمروة من شعائر الله تعالى في عبادة الحج. والسعي بينهما لله وحده وليس للأصنام. وقد قال رسول الله صلى الله مبينا هذا المعنى: ما أتم الله تعالى لامرئ حجة ولا عمرة لا يطوف لها بين الصفا والمروة.[3]
والكلمات الواردة في هذا الحديث مثل لفظ الجلالة الله، وبين الصفا والمروة، والسعي، والحج والعمرة والإتمام، هي الكلمات المشتركة بين الآيتين؛ (وأتموا الحج والعمرة لله) و (إن الصفا والمروة من شعائر الله..). وبالجمع بينهما يُفهم قول النبي صلى الله عليه وسلم. وطريقة الجمع هذه تشبه كتابة الرقم 12 وذلك بزيادة إثنين بعد واحد. وهما رقمان منفصلان قبل التركيب لا يفيد كل واحد منهما إلا رقما منفردا ولكن إذا أضفنا الواحد إلى الآخر أفادت عددا معنيا جديدا وهو 12.
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: اسْعَوْا، فَإِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ؛ هو خلاصة لقوله السابق.[4]
إن السعي هو أحد الركنين المشتركين في الحج والعمرة. وقوله تعالى في الآية «فَمَنْ حَجَّ البَيْتَ أَو اعْتَمَرَ فَلاَ جُناح عَلَيْهِ أنْ يَطَّوَّفَ بِهِما» يدل على أنه ليس هنالك نقص في الطواف بالبيت؛ وعليه فالنقص هو السعي بين الصفا والمروة؛ لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسعي.
ولم يكن الانتظار خاصا بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل الصحابة أيضا كانوا في انتظار نزول آية تبين الموضوع، وحين نزلت الآية سهل الفهم. وقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: ” لعمري ما أتم الله حج من لم يسع بين الصفا والمروة ولا عمرته” يدل على أن الصحابة قد فهموا الموضوع.
وفي العصور اللاحقة لم يتم فهم هاتين الآيتين على شكل صحيح؛ لأنه لم يتم اتباع أسلوب فهم القرآن الكريم باستقراء الآيات المتعلقة بموضوع واحد على شكل مجموعات. ومن أجل ذلك اختلف الفقهاء في السعي. منهم من أخذ الآية 158 من سورة البقرة فقط وترك الحديث، ومنهم من أخذ الحديث فقط وترك الآية، ومنهم من لم يأخذ بالآية ولا بالحديث بل تركهما معا.
والذي أخذ الآية 158 من سورة البقرة قال: إن السعي بين الصفا والمروة مباح وليس بفرض. لأن رفع الجناح لا يدل على الفرضية.[5]
والذي أخذ بالحديث وترك الآية قال: إن السعي بين الصفا والمروة ركن للحج. يقول ابن المنذر: إن ثبت حديث بنت أبى تجراه الذي قدمناه انها سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: اسعوا فان الله كتب عليكم السعي؛ فهو ركن. قال الشافعي وإلا فهو تطوع. ورفع الجناح في الطواف بهما يدل على أنه مباح لا واجب .[6] والصحيح أن السعي بين الصفا والمروة فرض؛ ولا يقبل الحج من دونه، ولا شيء يحل محله، والسعي بين الصفا والمروة سبع كامل. فلو صدر ولم يكمله سبعا فإن كان إنما ترك من السابع ذراعا كان كهيئته لو لم يطف ورجع حتى يبتدئ طوافا.[7]
أما الحنفية فقد تركوا الكتاب والسنة في مسألة السعي. يقول السرخسي: وعند الشافعي رحمه الله تعالى السعي ركن لا يتم لأحد حج ولا عمرة إلا به. واحتج في ذلك بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سعى بين الصفا والمروة وقال لأصحابه رضي الله عنهم إن الله تعالى كتب عليكم السعي فاسعوا. والمكتوب ركن وقال صلى الله عليه وسلم ما أتم الله تعالى لامرىء حجة ولا عمرة لا يطوف لها بين الصفا والمروة.
وحجتنا في ذلك قوله تعالى: «فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما» (سورة البقرة، 2 / 158)، ومثل هذا اللفظ للإباحة لا للإيجاب، فيقتضي ظاهر الآية أن لا يكون واجبا ولكنا تركنا هذا الظاهر في حكم الإيجاب بدليل الإجماع فبقي ما وراءه على ظاهره.[8]
وقول السرخسي “حكم الإيجاب بدليل الإجماع”، لا أصل له، لأن غير الحنفية لا يقولون بالوجوب بالمعنى الذي عندهم حتى يكون إدعاء الإجماع في المسألة صحيحا.
كما رأينا واضحا فإنّ الحنفية حكموا في مسألة توقيفية بدون دليل. أما الآخرون فلم يستطيعوا التوفيق بين الحديث والآيات المتعلقة بالمسألة.
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
[1] أحمد بن حجر العسقلاني، فتح الباري في شرح البخاري، 3 / 500، وجوب السعي بين الصفا والمروة.
[2] الشافعي، الأم، 2 / 173.
[3] صحيح البخاري، كتاب الحج، رقم الحيدث: 1277 / 259؛ وابن ماجة، المناسك، 43.
[4] مسند أحمد بن حنبل، 45 / 252، 363، 367؛ مسند الشافعي، 1 / 372، 2 / 264.
[5] أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، المجموع شرح المهذب، 8 / 77.
[6] المجموع شرح المهذب، 8/ 77.
[7] الأم، الإمام الشافعي، 2 / 210.
[8] المبسوط، الإمام السرخسي، 4 / 50.
أضف تعليقا