السؤال: اختلط عليَّ حكم الغناء الملحّن بالموسيقى؛ فهناك علماء يقولون بالتحريم ويسوقون الكثير من الأحاديث التي تحرِّمه وتنفّر منه. لكنّني اسمع من البعض القول بحلِّه. أرجو توضيح هذا الأمر؟
الجواب:
قرَّر القرآن الكريم أنّ الأصل في الأشياء الإباحة. قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا} (سورة البقرة/29)، ولا تحريم إلا بنصٍّ صريح من كتاب الله تعالى، وما وافقه من سنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، فلا يملك الحقَّ بالتّشريع إلا هو سبحانه. فإن لم يرد نصٌّ من القرآن والسنة بتحريم شئ من الأشياء، لم يؤثر ذلك في حلِّه، ويبقى في دائرة العفو الواسعة، قال تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} (سورة الأنعام/ 119).
وقد روي عن النبي الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (ما أحلّ الله في كتابه فهو حلال، وما حرَّم فهو حرام، وما سكت عنه فهو عافية، فاقبلوا من الله العافية، فإن الله لم يكن نسيا. ثم تلا هذه الآية ( وما كان ربك نسيا) )[1].
وعنه عليه الصلاة والسلام: ( إن الله حدَّ حدودا فلا تعتدوها وفرض لكم فرائض فلا تضيِّعوها وحرَّم أشياء فلا تنتهكوها، وترك أشياء من غير نسيان من ربكم، ولكن رحمة منه لكم، فاقبلوها ولا تبحثوا فيها)[2].
ولم نجد في كتاب الله تعالى ما يشير إلى تحريم الغناء أو الموسيقى، كما لم نجد حديثا صحيحا يحرِّم ذلك، بل ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم ما يؤكد إباحته.
فقد روى البخاري عن عائشة قالت: ( دخل عليّ النبي صلى الله عليه وسلم وعندي جاريتان تغنِّيان بغناء بعاث فاضطجع على الفراش وحوَّل وجهه وفي رواية لمسلم تسجَّى بثوبه ودخل أبو بكر فانتهرني وقال مزمارة الشيطان عند النبي صلى الله عليه وسلم فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: دعهما. فلما غفل غمزتهما فخرجتا وكان يوم عيد)[3].
ووجه الإستدلال أنَّ هناك غناءً استمعه النبي، وقد أنكر عليه الصلاة والسلام إنكار أبي بكر رضي الله تعالى عنه. وفي ذلك دليل أيضاً على جواز سماع الرجل صوت المرأة؛ لأنه عليه الصلاة والسلام سمع، ولم ينكر على أبي بكر سماعه، بل أنكر إنكاره، وقد استمرتا تغنّيان إلى أن أشارت إليهما عائشة بالخروج. وإنكار أبي بكر على ابنته رضي الله تعالى عنهما كان لظنه أنّ غناء الجاريتين لم يكن بعلمه عليه الصلاة والسلام لكونه كان مغطى بثوبه فظنه نائماً، أو أنه اعتبر غناءهما إزعاجا للنبي وهو نائم .
إن ما ورد من روايات تحرِّم وتجرِّم الغناء هي رواياتٌ ضعيفة بالجملة، لا تقوم بها حجة وإن اجتمعت. وقد وثّق بعض المتساهلين بعضها، ولا عبرة بتوثيقهم، لأنّها تعارض الأحاديث الصحيحة في هذا الباب. ولا يوجد في القرآن ما يؤيدها.
ولا يُفهم من هذا أن كل غناء حلال؛ فالغناء كلامٌ ولحن، والكلام ليس كله حلالا، والمسلم يستطيع أن يفرِّق بين الغناء الحلال الذي يُنمِّي المشاعر الطيبة في النفس وبين الغناء الحرام الذي يبعث على المعصية.
وللمزيد حول الموضوع يُنصح بالاطلاع على مقالة (حكم الغناء في الاسلام) على موقعنا في الرابط التالي http://www.hablullah.com/?p=1263
أضف تعليقا