السؤال: هل يجوز للانسان أن يوصي بأكثر من ثلث ماله إذا كان غنيا؟ وهل يجوز للورثة التملص من وصية أبيهم إذا رأوها مجحفة بحقهم؟
الجواب:
الأصل أنَّه إذا أرادَ الإنسانُ الصّدقة بمالٍ فعليه أن يفعلَ وهو على قيد الحياة، ولا يصحُّ أن يتبرَّع بماله بشرط التَّنفيذ بعد موته سواء كان دون الثُّلث أو أكثر.
الوصيَّةُ في الفقه التَّقليدي تعني التَّبرع بالمال إلى شخصٍ أو إلى جهةٍ خيريَّةٍ بشرط تسليمه بعد الموت. ويستدلِّون على جوازه بما رواه البخاريُّ عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ، عَنْ أَبِيهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعُودُنِي عَامَ حَجَّةِ الوَدَاعِ مِنْ وَجَعٍ اشْتَدَّ بِي، فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ بَلَغَ بِي مِنَ الوَجَعِ وَأَنَا ذُو مَالٍ، وَلاَ يَرِثُنِي إِلَّا ابْنَةٌ، أَفَأَتَصَدَّقُ بِثُلُثَيْ مَالِي؟ قَالَ: «لاَ» فَقُلْتُ: بِالشَّطْرِ؟ فَقَالَ: «لاَ» ثُمَّ قَالَ: «الثُّلُثُ وَالثُّلُثُ كَبِيرٌ – أَوْ كَثِيرٌ – إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ، خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ، وَإِنَّكَ لَنْ تُنْفِقَ نَفَقَةً تَبْتَغِي بِهَا وَجْهَ اللَّهِ إِلَّا أُجِرْتَ بِهَا، حَتَّى مَا تَجْعَلُ فِي فِي امْرَأَتِكَ»[1].
وهذا الحديث لا علاقة له بالوصيَّة؛ بل هو في الصَّدقة خاصَّة، حيث يُبيِّن الوجهَ الصَّحيح لأدائها، وهو أن لا يترتَّبُ على إخراجها انتقاصٌ لحقِّ مَن تجبُ نفقتُهم عليه. وهو ما بيَّنه النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلّم في مناسبة أُخرى بقوله: «خَيْرُ الصَّدَقَةِ مَا كَانَ عَنْ ظَهْرِ غِنًى، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ»[2]
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قَالَ رَجُلٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «أَنْ تَصَدَّقَ وَأَنْتَ صَحِيحٌ حَرِيصٌ، تَأْمُلُ الغِنَى، وَتَخْشَى الفَقْرَ، وَلاَ تُمْهِلْ حَتَّى إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، قُلْتَ لِفُلاَنٍ كَذَا، وَلِفُلاَنٍ كَذَا، وَقَدْ كَانَ لِفُلاَنٍ» [3]
والأحاديث السابقة وردت على ضوء قوله تعالى:
«وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُنْ مِنَ الصَّالِحِينَ» (المنافقون، 10).
والآية تحثُّ على الصَّدقة ببعض المال وليس بكلِّه بدلالة قوله تعالى {مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ} أي بجزء منه، وهو العفو المذكور بقوله تعالى {وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ} (البقرة، 219) وقد بيَّنت الآيةُ الوقتَ المناسبَ لإخراجِها؛ وهو في حال حياة الإنسان وليس بعد موته أو عند اقتراب أجله: {مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ}.
الوصيةُ بمالٍ لشخصٍ أو لجهةٍ خيريةٍ معلقاً بالموت هو تهريبٌ للمال من الوارث وحرمانه من الميراث. لذلك نرى عدم وجوب تنفيذ هذه الوصيَّة، إلا إذا أجازها الورثة جميعا؛ لأنّ المال قد خرجَ من مِلك المتوفَّى بموته وأصبح مِلكا خالصا لورثته. فلهم كاملُ الحقِّ في إمضاءِ الوصيِّة أو إبطالها، وأجرُ الصّدقة يكونُ حيئنذٍ لهم وليس لأبيهم المتوفَّى، وإن أبطلوها فليس عليهم أو على أبيهم وزر، لأنَّها ليست لازمة.
*ولمزيد من المعلومات حول الموضوع يُنصح بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (الوقف والوصية) على الرابط التالي http://www.hablullah.com/?p=1480
أضف تعليقا