أثر كُلِّ من الرِّبا والزَّكاة في النَّشاط الاقتصادي
قال الله تعالى {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (الروم، 39)
الآية تقارن بين نظامين؛ الأول نظام الرَّبا والثَّاني نظام الزَّكاة، حيث تُبيَّن أنَّ النِّظام القائم على الرِّبا لا يُنتظر منه تطور في الاقتصاد أو تحقيق للعدالة؛ ذلك أن المرابي عندما يبذل ماله للغير لا يقصد تشغيل هذا المال ولا يهمُّه ماذا سيفعل به المقترض، فكل همّه أن يعود عليه هذا المال بالزيادة المشروطة في العقد (الربا). ومعلوم أنه لا يلجأ إلى القرض الربوي إلا صاحب الحاجة، حيث سيبذل جهده في السداد في الموعد مع الزيادة. وفي حال عدم قدرته على السَّداد يترتَّب عليه مضاعفة الرِّبا كلَّما زاده المرابي في الأجل وهكذا. ففي نظام الربا معادلة لها طرفان؛ الأول يكسب دون تعب أو مخاطرة، والثاني يعمل تحت ضغط الدّين الرّبوي.
أما الزكاة فهي نظام إلهي يهدف إلى سدِّ حاجة الفقراء وتنشيط الاقتصاد، فهي تجب في المال الذي بلغ النِّصاب وحال عليه الحول سواء أكان هذا المال مستثمرا أم مكنوزا، وكنزه مطلقا سيؤدي لتناقصه بسبب وجوب إخراج الزكاة في كلِّ حول وبسبب نقصان قيمة العملة (التَّضخُّم)، وهذا دافع لأصحاب الأموال لتشغيل أموالهم إما بأنفسهم أو بالاشتراك مع من يقوم بتشغيلها بما يُعرف بشركة المضاربة أو غيرها من وسائل تشغيل الأموال، وفي كلّ الأحوال سيبذل صاحب المال كامل جهده لمتابعة سير عمله ونجاحه، على العكس من المرابي الذي لا يهمه العمل ولا النَّجاح، بل كلُّ ما يهمُّه استرجاع الدَّين بالزِّيادة. ولك أن تتخيَّل الفرق بين النِّظامين فيما يتعلق بالانتاج.
والفقير الذي يحصل على أموال الزكاة سينفقها في حاجاته وحاجات من يعولهم، ولا شكّ أنّ هذه الأموال ستدخل دورة الانتاج أيضا، وهكذا يدور المال في شريان الحياة من جديد لتنفتح آفاق رحبة يستفيد منها أرباب المهن والتجار ممّا ينعكس إيجابا على حاجتهم لليد العاملة، كما أن زيادة الأرباح يتبعها زيادة في مقدار الزكاة المستحقّ للفقراء. وكل ذلك يؤدي إلى زيادة ومضاعفة الأنشطة الاقتصادية المختلفة، وهي المضاعفة المادية المحسوسة المذكورة في الآية السابقة.
ولا ننسى أن من يلتزم أمر الله تعالى فإنه سيهديه ويشرح قلبه لما فيه الخير، فتنفتح الآفاق وتتوسع الأرزاق، وهذا عاجل بشرى المزكِّين في الدُّنيا وما عند الله خير وأبقى.
قال الله تعالى {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (البقرة، 261)
أضف تعليقا