السؤال: قرأت مقالة للشيخ عبد العزيز بايندر يذكر فيها أن تفسير القرآن بالقرآن يُشبَّه ببسط الله تعالى الرزق لعباده. أرجو بيان وجه الشّبه ؟ ولماذا لم يمنح الله تعالى لأحد حقَّ تفصيل كتابه؟
الجواب: وجه الشبه يكمن في أنّ الاستفادة من القرآن الكريم مثلُ الاستفادة ممّا بسط اللهُ تعالى من أسباب الرزق لعباده، والمشتركُ بينهما هو عدمُ الحصول على أيِّ منهما دون بذل الجهد وتحرّي الخير منهما، فكما أنّه لن يعيش الشخصُ حياةً كريمةً إلّا بالكدِّ والعمل، فكذلك لا يمكن فهمُ آياتِ القرآن على الوجه الصحيح دون بذل الجهد والتمعّن والتدبّر والتفقّه في أحكامه ومعانيه، فانظر مثلاً؛كم نبذلُ من الجهد لتأتيَ قطعةُ الخبز إلى المائدة؟ فكم من الجهود بُذلت ابتداءً بالزراعة والحصاد وانتهاءً بتقديمها على موائدنا وما بينهما من الأعمال اللازمة!.
وكما أن بعض الأعمال لا تحتاج إلى جهد كبير فإنّ من الآيات ما لا يحتاج إلى جهد في تفسيرها، غير أنّنا نحتاج إلى بذل جهدٍ وافرٍ للوصول إلى معاني بعض الآيات، وقد تكفّل اللهُ تعالى ببيان القرآن حيث وضّح لنا طريقة الوصول إلى كيفيّة تفسير الآيات. قال اللهُ تعالى مخاطباً نبيَّه: «لَا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ» (القيامة، 75/16-19)
وحين نستقرئ القرآن الكريم فإننا نجد أنّ أصول فهم القرآن واستنباط الحكمة منه قد فُصِّلت فيه على شكل واسع. تقسيم الآيات القرآنية إلى المحكم والمتشابه، وجمع الآيات في مجموعات وفقا لمبدأ المثاني لتمكين الوصول إلى التفاصيل في موضوعات شتى؛ هو جزء من تلك الأصول.كما أنّ القرآن الكريم يلفت النظر إلى اللغة العربية، والفطرة، والقدوة الحسنة من النبي صلى الله عليه وسلم، والعمل الجماعي لمن أراد الوصول إلى تلك الأصول.
والآية التالية من سورة هود تبين أحد أهم الأصول، وتجيب على الشق الثاني من سؤالك، يقول الله تعالى: «الۤرٰ كِتَابٌ اُحْكِمَتْ اٰيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكيمٍ خَبيرٍ اَلَّا تَعْبُدُوۤا اِلَّا اللّٰهَ اِنَّني لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ» (هود، 11 / 1-2).
فقوله تعالى «الۤرٰ كِتَابٌ اُحْكِمَتْ اٰيَاتُهُ» يدلّ على أنّ آيات الكتاب كلها محكمة. و« ثُمَّ فُصِّلَتْ» يدل على أنّ الآيات كلّها مفصّلة. وعلى هذا فإن آيات الكتاب كلَّها محكمةٌ وكلها مفصلة. لأنّ “ثم” في الآية ليست للتراخي في نزول الآيات بل لإفادة الترتيب بين المُفَصَّل والمُفَصِّل. وقوله تعالى « مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبيرٍ» يدلّ على أنّ إحكام الآيات وتفصيلها قد تمّ من الله تعالى. وقوله تعالى «اَلَّا تَعْبُدُوۤا اِلَّا اللّٰهَ» يدلُّ على أنَّ من أحكم الآيات وفصلها هو الله تعالى وليس غيره. كما يدلّ على عدم جواز أن يتولى أحدٌ تفصيلها غير الله تعالى؛ لإحتمال اعتبار المعنى المفصَّل كآية منزلة من الله؛ وهذا يؤدي إلى قبول غير الله شارعا.
للمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (الأصول في تفسير القرآن بالقرآن) على الرابط التالي http://www.hablullah.com/?p=1228
أضف تعليقا