السُّؤال: ماذا عن فِكرة الاندماج في مُجتمعٍ ذي أكثريةٍ غيرِ مسلمة لو تفضَّلتُم؟ نعيشُ مع أولادنا في تلك المجتمعات التي تحتضنُنا لكنَّنا نخافُ من فكرةِ الاندماج فيها. ما رأيُكم في هذا الموضوع ؟
الجواب: إنَّ أرضَ الله واسعةٌ وواحدةٌ فلا فرقَ بين أرضٍ وأُخرى بهذا المعنى، لكنَّ الذي يختلفُ هو سلوكُ البشر الذين يعيشون في رقعةٍ جغرافيَّةٍ ما، والمُسلمُ مُطالَبٌ بالحفاظ على المبادئِ الإسلاميَّة أيَّاً كان المُجتمعُ الذي يعيشُ فيه.
يقولُ اللهُ تعالى : {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَٰئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا} (النِّساء، 97)
فالدِّينُ هو أغلى ما يملكُه المُسلمُ، وهو بطبيعة الحال يبحثُ عن المكان الذي يستطيعُ فيه ممارسةَ دينه بيُسرٍ وحُريَّة، فلا مُشكلةَ في أن يعيشَ في مجتمعٍ ما إذا كان يُوفَّرُ له ذلك، ولو كان أكثرُ النَّاس في ذلك المُجتمع من غير المُسلمين.
فالتَّعارفُ واختلافُ ألوان وأفكار البشر هو إحدى سنن الله تعالى القائل :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} (الحُجُرات، 13)
الاندماجُ بمفهومه العامِّ يعني المواطنة الصَّالحةَ والمُشاركة الفعليَّةَ في بناء وتطوير المُجتمع الذي يحيى به المُسلمُ، واندماجُ المسلمين مع مجتمعاتهم بهذا المعنى أمرٌ ضروريٌّ من أجل الحفاظ على وحدة وقوَّة وأمن المجتمع الذي يعيشون فيه.
إنَّ الاقترابَ من هموم النَّاس ومحاولةَ إيجاد الحلول لمُشكلاتهم وتعريفَ النَّاس بالاسلام وتبليغَ أحكامه عمليَّاً لهم هو إحدى وظائف المُسلم التي ينبغي عليه القيامُ بها، ولا يحدثُ ذلك إلَّا بمُخالطة النَّاس مهما كانت مُعتقداتُهم.
لذا لا يُناسبُ أن تتقوقعَ الجالياتُ المُسلمةُ على نفسها لتبدوَ غريبةً منزويةً، فهذا الأمرُ يُعزِّزُ ظاهرةَ الرَّهاب من الإسلام والخوف من المسلمين (إسلام فوبيا).
لكنَّ ما ينبغي علينا تأكيدُه هنا هو أنَّ الاندماجَ لا يعني تركَ الإسلام أو التَّفريط بالأوامر الإلهيَّة أو اعتناقَ الأفكار والأديان المُخالفة لفطرة المُسلم، فهذا ليسَ اندماجاً بل ذوباناً في شخصيَّات وأفكار غير المُسلمين، ولا يقبلُ اللهُ تعالى ذلك.
إنَّ التَّوفيق بين الالتزام بتعاليم الإسلام وبين أن تكونَ عنصراً فعَّالاً في المجتمع المضيف هو ما يطلبُه دينُ الله منك، وفي غالبيَّة بلدان العالم نجدُ أنَّ هناك قدراً معقولاً من حريَّة التَّديُّن بحيث يستطيعُ المسلمُ أن يمارسَ حياتَه الدِّينيَّة دون أن يتشكَّلَ خطرٌ على حياته بسبب ذلك.
ولا يمنعُ الاندماجُ كما بيَّناه ضرورةَ أن يكون للمسلمين أطرٌ ومؤسَّساتٌ قانونيَّةٌ مُرخصةٌ تجمعهم وتوجِّهُهم وتُعلِّمُ أبناءهم الإسلام وتُسهِّلُ عليهم التَّواصل مع المجتمع المضيف، هكذا فَعَلَ أصحابُ النَّبيِّ عندما هاجروا إلى الحبشة وبعدها إلى المدينة، حيثُ خالطوا النَّاسَ في حياتهم وبلَّغوا الدِّينَ من خلال الممارسة العمليَّة وليس الكلاميَّة فقط. وهكذا يجبُ على المسلمين في المجتمعات غير المسلمة أن يكونوا خيرَ سفراء لدينهم يعطون عنه الفكرة الطِّيبةَ بنجاحهم في أعمالهم وتميُّزِهم في أخلاقهم وعلاقاتهم مع النَّاس كلِّهم.
قال اللهُ تعالى :{وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران، 104).
إنَّ حياةَ المُسلم في مثل تلك المُجتمعات فرصةٌ مناسبةٌ يجبُ استغلالُها لتعريف النَّاس بدين الله كما أشارت إلى ذلك الآيةُ السَّابقة.
أضف تعليقا