أ.د عبد العزيز بايندر
قال الله تعالى {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} (آل عمران، 3/ 7)
هذه الآية واحدة من الآيات ذات المنحى الأصولي التي تقرَّر فيها وجوبُ ردّ الآيات المتشابهة إلى الآيات المحكمة ليتضح المراد منها، وقد اعتبرت من يأخذون الأحكام من آية واحدة دون البحث عن متشابهاتها من الآيات الأخرى _من الذين في قلوبهم زيغ. وحتى يتسنى لنا الوقوف على تفسير الآية وما تهدف إليه لا بد لنا من تناولها بالتفصيل كما يلي:
{مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ}
المحكم هو الذي يحتوي الأحكام الصحيحة. الأحكام الشرعية من قبيل: صوموا ، آتوا الزكاة، أقيموا الصلاة، قد فُصِّلت في الآيات المتشابهة. ويمكننا أن نعطي المحكم معنى “الأحكام الملخَّصة”. وفي الاصطلاح فإن الآية المحكمة هي الآية الأساسية التي تفيد حكما في موضوع ما. وكلُّ آية لها وجهة كذلك، ثم إنّ هذا الحكم يُوضَّح بآيات أخرى. نرى الفرق بين الآيات المتشابهة وبين الآيات المحكمة من خلال الآية التّالية: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ. أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} (هود، 1-2)
فرَّق الله تعالى بين الآيات المحكمة والآيات المتشابهة في الآيتين السابقتين، والقول {أُحكمت آياته} يُفهم منه أن آيات الكتاب كلُّها محكمة. وحرف العطف “ثم” الوارد في الآية السابقة يمكن أن يُفهم منه معنى: دُمجت المفصلات بالمحكمات. حرف العطف “ثم” يأتي في عدة مواضع في القرآن الكريم بمعنى الإدماج. ويمكننا إعطاء المثال التالي على ذلك: { وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ. فَكُّ رَقَبَةٍ. أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ. يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ. أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ. ثُمَّ كَانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ وَتَوَاصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ} (البلد 90/ 12-17) بعد قوله تعالى {يتيما ذا مقربة} جاء قوله تعالى {ثم كان من الذين آمنوا} ، ولا يمكن أن تكون “ثم” بمعنى “بعد ذلك” أي العطف على الترتيب والتراخي؛ لأنّ الإيمان شرط لقبول العمل الصالح، فلا بدّ أن يكون مترافقا معه لا أن يأتي بعده. إعطاء “ثم” معنى “بعد” في كثير من الآيات يكون سببا للمفاهيم الخاطئة. وفي العربية المعنى الأصلي لـ “ثم” المعيّة، لكنها تستخدم أيضا بمعنى “بعد”.
أصل معنى الكتاب: إضافة شيء إلى شيء (المقاييس). أحيانا يقال للتَّكلم بإضافة الأقوال كتاب، وأحيانا يقال عن إضافة الكلمات على الورق _أي الكتابة_ كتابٌ أيضا (المفردات) .
جاء في الآية التالية قوله تعالى: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} (الزمر، 39/23). وكل واحد من “كِتَابًا ومُتَشَابِهًا ومَثَانِيَ” حال لـ”أَحْسَنَ الْحَدِيثِ”
أصل معنى الكتاب: إضافة شيء إلى شيء (المقاييس). أحيانا يقال للتَّكلم بإضافة الأقوال كتاب، وأحيانا يقال عن إضافة الكلمات على الورق أي الكتابة كتابٌ أيضا (المفردات)
المثاني تعني المجموعات الثُّنائية. كما نعلم فإن القرآن لم ينزل على هيئة الكتاب دفعة واحدة. كلُّ مجموعة من الآيات النَّازلة تشكِّل كتابا بنفسها أو بغيرها من الآيات المنزلة قبله أو بعده لقوله تعالى: {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه، 114) فكلُّ كتاب أو قرآن (أي مجموعة من الآيات) يحتوي على الآية المحكمة والآية المتشابهة التي تتشكَّل من آيتين اثنتين أو مضاعفات الاثنتين، ويشير هذا المنهج إلى إمكانية الوصول إلى الحكم الصحيح؛ أي الحكمة. والآية الأخيرة تقول بأن الحكم من قبل أن يتم وحي المجموعة غير جائز.
{وأخر متشابهات}
في أصول الفقه قد نوقش مصطلح المتشابه، أما في الفقة فقد مرَّ المصطلح كلفظ فقط، حيث قالوا إن الألفاظ المتشابهة تأتي واضحة أحيانا وغامضة أحيانا أخرى. ادعى بعض العلماء أن اللفظ المتشابه لا يمكن لأحد أن يفهم حقيقته، لذلك لا ينبغي بذل الجهود لفهمه لأنه فوق مستوى الفهم البشري. بينما زعم آخرون أن كبار العلماء فقط يمكنهم الوقوف على حقيقته. وهكذا قد أُفرغ مصلح الآيات المتشابهة من محتواه الذي هو المفاتيح لفهم القرآن الكريم أصلا.
المتشابه يقال لأحد الشيئين اللذَين يشبه بعضهما بعضا. على سبيل المثال إذا نظرت إلى أحد شخصين متشابهين فإنه يذكِّرك بالآخر. في الوقت الذي تكون فيه آية معينة الأصل في موضوع ما، فإنها تكون متشابهة في موضوع آخر. كلمة المتشابه التي تستخدم في المشابهة المتقابلة قد مرت بثماني آيات. قال تعالى: {وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} (البقرة، 2/25) وقد استخدم في الآية كلمة “متشابها” للإشارة إلى أن النِّعم التي مُنحت للمؤمنين في الجنة قد أعطوا مثلها في الدنيا من قبل. وفي الآية 70 من سورة البقرة استخدمت كلمة “تشابه” عند تعريف البقرة التي طُلب من بني إسرائيل ذبحها: {قَالُوا ادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُبَيِّنْ لَنَا مَا هِيَ إِنَّ الْبَقَرَ تَشَابَهَ عَلَيْنَا وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ لَمُهْتَدُونَ} (البقرة، 2/70). وفي آيتين من سورة الأنعام استُخدمت كلمة “متشابه” كذلك للحديث عن النعم التي يشبه بعضها بعضا: {وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُشْتَبِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ انْظُرُوا إِلَى ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَيَنْعِهِ إِنَّ فِي ذَلِكُمْ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأنعام، 6/99) {وَالنَّخْلَ وَالزَّرْعَ مُخْتَلِفًا أُكُلُهُ وَالزَّيْتُونَ وَالرُّمَّانَ مُتَشَابِهًا وَغَيْرَ مُتَشَابِهٍ كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذَا أَثْمَرَ وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} (الأنعام، 6/141) وفي آية أخرى استُخدمت كلمة “فتشابه” فيما يعده المشركون مشابها لله تعالى من المخلوقات: {أَمْ جَعَلُوا لِلَّهِ شُرَكَاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ فَتَشَابَهَ الْخَلْقُ عَلَيْهِمْ قُلِ اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ} (الرعد، 13/16)
والآية المتشابهة مع الآية 7 من سورة آل عمران هي: {اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} (الزمر، 39/23)
{فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه ..تأويله}
بعض الناس لا يريدون اتباع أوامر الله تعالى، لكنهم في الوقت ذاته يرغبون في اتباع الناس إياهم تحت مسمى اتباع أوامر الله تعالى. وعند النظر إليهم من الخارج يُرَون كمن يتّبع دينَ الله تعالى، لكنهم في الحقيقة يقدّمون للناس ما يجعلهم يتبعون رغباتهم وأهوائهم، وفي هؤلاء المنافقين يقول الله تعالى: {الَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا عَلَى الْآخِرَةِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَيَبْغُونَهَا عِوَجًا أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ بَعِيدٍ} (إبراهيم، 14/3) وكلمة عوج في الآية تأتي بمعنى التحريف الذي لا يُعرف إلا بالنّظر والتّحقيق (المفردات) لأن من يرجِّحون الحياة الدنيا على الآخرة لا يهملون إظهار أنفسهم على أنهم متديِّنون صالحون. هذا العوج (في الدين) لا يمكن كشفه بسهولة. هؤلاء الأشخاص ينقسمون إلى قسمين: الأول الذين يعلمون الدِّين؛ حيث يتساوى عندهم كون الآية محكمة أو متشابهة، لأنّهم يبحثون عن الآية التي فيها تشابهٌ مع بغيتهم وتوافقٌ مع رغباتهم، فبمجرد وجود بعض التشابه مع ما في أذهانهم فإنهم يُكيِّفونه كما يريدون ويتَّبعونه. ويمكننا أن نعطي مثالا عن الفتاوى التي حلَّلت الرّبا تحت مسمّيات مختلفة. والقسم الثاني: الذين لا يعرفون الدين، وهؤلاء يتجوَّلون بين العلماء بحثا عن الفتوى التي توافق هواهم، وكلا القسمين في قلوبهم زيغ، حيث إنهم لا يريدون اتباع الدّين بل يريدون أن يجعلوا من الدّين تابعا لهم.
من قام بتفسير الآيات بغير ما فسّرها الله تعالى فإنّه يضع نفسه مقام الله تعالى، لأنّ الله تعالى قد أخبر أنّه يبيِّن آياته بنفسه، ورسولُ الله أيضا لا يفسر القرآن، بل يبلِّغنا تفسيرَ الله تعالى عبر أخذه بالآية المحكمة والمتشابهة وإيجاده الروابط والعلاقات بينها. ونحن كذلك نتعلم كيفيِّة الوصول إلى تلك التَّفسيرات ونذهب في ذات الطريق.
تفسير الآية كالتالي: (فيتبعون ما تشابه منه بزيغهم) والمثال التالي يوضح المقصود:
جاء وفد من نصارى نجران إلى نبينا، فقالوا يا محمد: ألست تزعم أنه (أي المسيح) كلمةُ الله ورُوحٌ منه؟ قال: بلى! قالوا: فحسبُنا! فأنزل الله عز وجل:”فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة”[1]
وفد النصارى اعتمد على الآية التي فيها تشابه مع زيغهم: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ} (النساء، 171) وفي الحقيقة أنهم لم يريدوا رؤية التعبير الوارد في بداية الآية ” إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ ” كما لم يريدوا سماع قوله تعالى: {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} (آل عمران، 3/59) وهكذا حال كل من يريدون أن يكون كتاب الله تابعا لرغباتهم، فبدلا من اتباعه والاهتداء بهديه إلا أنهم يسلكون نفس طريق الوفد من نصارى نجران.
الذين في قلوبهم زيغ/ مرض تحدثت عنهم آيةٌ أخرى كما يلي: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} (البقرة، 2/10) المرض الذي في قلوبهم يتولد من تصرفاتهم الخاطئة، وكلُّ شخص يختار تصرفات معيَّنة فإنها تقوده إلى طبيعة خاصّة، ولأنّ الله تعالى لا يتدخَّل في تصرِّف الشخص دون بذل جهده فإن هذه الأمراض تدوم وتزداد، حيث يبقون قابعين في تصرفاتهم الخاطئة. يقول الله تعالى {وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ. وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ} (التوبة، 9/124-125) {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} (المائدة، 5/52)
{إِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ غَرَّ هَؤُلَاءِ دِينُهُمْ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال، 8/49)
{وَإِنْ يَكُنْ لَهُمُ الْحَقُّ يَأْتُوا إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ. أَفِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَمِ ارْتَابُوا أَمْ يَخَافُونَ أَنْ يَحِيفَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ بَلْ أُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} (النور، 24/49-50)
{وما يعلم تأويله إلا الله}
التأويل هو تأسيس الارتباط الصحيح، وهو الكلمة التي نعطيها معنى السياق أيضا، كما أنه يفيد الروابط التي بين الآيات، وواضع هذه الروابط هو الله تعالى. وقد علَّم الله تعالى الأصول الصحيحة من أجل الوصول إلى تلك الروابط الصحيحة. لا يمكن الوصول إلى الروابط بين المحكم والمتشابة إلا بإيجاد فريق من الذين يعلمون اللغة العربية والموضوع المتعلق بالآيات. يقول الله تعالى {كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (فصلت، 41/3) كلمة قرآن هنا جاءت بمعنى مجموعة من الآيات، ككلمة كتاب الواردة في الآية 7 من سورة آل عمران. وكلُّ موضوع يُفهم بمجموع الآيات المتعلِّقة به بعد الوصول إلى الرَّوابط التي وضعها الله تعالى بينها.
{والراسخون في العلم يقولون … الألباب}
هذا العلم هو تفسير الآيات بالآيات، يقول الله تعالى {وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف، 7/52)
الذِّكر تارة يقال ويراد به هيئة للنفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وهو كالحفظ إلا أن الحفظ يقال اعتبارا بإحرازه، والذكر يقال اعتبارا باستحضاره، وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول[2]. الطبيعة تتكون من الآيات المخلوقة وأما القرآن فيتكون من الآيات المنزلة. والعلم الصحيح المأخوذ من كليهما هو الذِّكر. ولا يجعل الإنسان مطمئنا سوى هذا العلم (انظر الرعد، 13/28) ويُعرِّفُ الله تعالى أولي الألباب بقوله: {الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ} (الزمر، 39/18)
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدِّين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
سلام عليكم
أريد سبب النزول هذه الآية(آية ٧ من سورة آل عمران) على لفظ عبدالله إبن مسعود رضي الله عنه