القرن 21
سيصبح عصر القرآن
حوار مع أ.د عبد العزيز بايندر
السؤال: ما هو الموضوع الذي يُشكِّل المحور العام لخطاباتكم في كلِّ هذه الأماكن التي تذهبون إليها؟ وأي نوع من ردود الأفعال يحدث في مقابل ذلك؟
بايندر: نعمل على توضيح القرآن الكريم في كل مكان نذهب إليه، وندعو الناس إلى فهمه حقَّ الفهم. كما تعلمون فإن هناك كتابين لله تعالى: أولهما كتابه المقروء (القرآن)، وأما الآخر فهو كتابه المرئي. وكتابه المرئي هو الكائنات، فكما نطلق كلمة “آية” على المقاطع الصغيرة من القرآن؛ فإن الله تعالى يطلق كلمة “آية” على كل جزء من الكائنات. يقول الله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} (فصلت، 53)، أي سوف يتبين لهم هذا الحق بشكل واضح. والمعنى: سأريهم أنَّ القرآن الكريم هو الحقُّ عن طريق الآيات التي في الكائنات؛ لأنَّه بقدر ما في الدنيا من علم فإن الآيات التي على وجه الأرض هي مصدره. فإن العلم الذي نتحدث عنه مصدره إما الإنسان وإما الطبيعة.. والله يطلق “آية” عليها جميعا. ومن ثم فالآيات تنقسم إلى قسمين: أولها الآيات المرئية، والآخر هو الآيات المقروءة. ونرى أن كلَّ الأنبياء قد فعلوا هذا. وقد وردت كلمة “ذكر” في القرآن. والذكر معناه المعرفة. والمعرفة معناها ما يستقر في الذهن، فأحيانا يقال عن المعلومة التي ترد إلى العقل ذكر، وأحيانا يكون الذكر ورود المعلومات على اللسان. وهذه المعلومات لها مصدران. أولها الكائنات، وأما الآخر فهو القرآن الكريم.
السؤال: هل نفهم من ذلك أن الذكر اسم مشترك لجميع ما أنزل الله من الكتاب، أم أنه خاص بالقرآن الكريم؟
بايندر: كل نبيّ قد أُرسِل إليه “ذكر” من أجل ذلك يُعطي الله تعالى اسم الذكر لكل كتبه التي أنزلها. {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل، 44). وقد وضح الراغب الأصفهاني كلمة “ذكر” في مفرداته بهذا الشكل: هيئة للنّفس بها يمكن للإنسان أن يحفظ ما يقتنيه من المعرفة، وتارة يقال لحضور الشيء القلب أو القول. والأصل فيما يجب أن يستقر في الذهن من المعلومات هو ما في كتاب الله؛ ولهذا السبب فإن “الذكر” هو الاسم المشترك للكتب الإلهية. {أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد 28). وهذه هي الكتب التي أنزلها الله. واحد منها هو الكتاب المخلوق أي الموجودات في هذا العالم. وكل واحدة من الأشياء المرصودة منها هي آية. والأنبياء قد دعوا الناس للتذكر. والتذكر هو تحريك المعلومات الموجودة في أذهان الناس أي التذكير بها. فوظيفة الأنبياء هي التذكير، أي بعث الذاكرة (الغاشية، 21). وقد قال إبراهيم عليه السلام لعباد الأصنام {أفلا تتذكرون} (الأنعام، 80) أي أنَّه قال: ألا ترون إذا قارنتم كلامي بما أخذتموه من المعلومات مما حولكم أن ما فعلتموه خطأ؟ وهذا دعوة لهم للمحاسبة الداخلية لأنفسهم. ولهذا السبب فإن الذِّكر معناه: المعلومة الصحيحة عالميا. وكتاب الله على هذا الوصف.
وإذا أردنا التلخيص فإن وظيفة كل الأنبياء هو تحريك المعلومات التي تلقتها الإنسانية من الكائنات. والمعلومات الصحيحة المتلقاة من عالم الموجودات هي ذكر. ويوجد تناسب تام بين القرآن وبينها. فلو رأى الشخص الجامعة والمدرسة أو لم يرهما فإنه تلميذ للمحيط من حوله. ومن هنا نصل إلى التوازن بين الدين والعلم. ونحن نعلم أن هذا التوازن قد اختلَّ بشكل جدّيّ في العالم الإسلامي. وأما في الأديان الأخرى فإن هذا الفساد قد حصل من قبل ذلك.
السؤال: إذا افترق الروح عن الجسد يموت الانسان، وكذلك إذا افترق العلم عن الدين يحصل الخلل الكبير الذي قد يودي بالبشرية. بحسب معلوماتي فقد كان هذا مدار حديثكم في أكثر من منبر علمي هل يمكن تعليقكم على هذا الموضوع؟
بايندر: في الاتفاقية التي وقعناها مع جامعة توبنغن الألمانية أعطينا مكانا لهذه الأمور: يجب علينا أن نعمم لغة الخطاب هذه إلى جميع البشر: ينبغي أن لا تتعارض المعلومة الدينية مع المعلومة العلمية، بل ينبغي تكاملهما كالتكاملية بين الروح والجسد، فلو فارقت الروح الجسد فإما أن يموت وإما أن يخلد إلى النوم. وفي العالم الإسلامي والغربي قد افترقت الروح عن الجسد. وبما أن الجسد لم يمت فإنه قد انغمس في سبات عميق جعله ينغمس في رؤى بعيدة عن العلم، يرى الخيال، وفي ذلك الحين لا يكون له علاقة بواقع الحياة. الجسد بلا روح هو مثل الحيوان، فلا يعرف التفكير في شيء سوى المنفعة. ونرى اليوم أن العلم قد ابتعد عن القيم الإنسانية وأن الدين قد غرق في الخيالات. وبين حين وآخر يكون له وهدة. ونحن نقول أن هذا لا ينبغي أن يكون بهذا الشكل، أيها السادة تعالوا كي نبني هذا التوازن من جديد. وقد قدمنا هذا في المؤتمرات التي عقدتها في قصر الكريملين والخطابات التي ألقيتها في الولايات المتحدة الأمريكية، وفي الاتفاق مع جامعتي الفاتيكان وتوبنغن والمقترحات المقدمة إليهما.
وقد أُعجبوا في جامعة توبنغن بعرضنا الذي قدمناه. وقد قمنا بنشر اتفاقية مشتركة في عام (2008) في شهر مايو. وكان كل ما تحتويه من توضيحات له أساس قرآني. وشبيها بذلك ما كررناه مع أصحاب الشأن الكاثوليك في روما. وبعد ذلك عقدنا جلسات الأكاديميين الكاثوليك والبروتستانت القادمين إلى وقفنا (مركز بحوث الدين والفطرة في اسطنبول).
السؤال: هل لمستم تفاعلا مع الطرح الذي قدمتموه بخصوص وجوب ربط الدين بالعلم؟
بايندر: كان هؤلاء الأكاديميون يرغبون بمعرفة كيف نظر القرآن إلى الأزمات في المدة الأخيرة خصيصًا. ومما يرتبط بهذا أنهم كانوا يوجهون أسئلة بشكل مكثف. ومن أمثلة ذلك مواضيع مثل: تطور الجنين في رحم أمه والخلية الجذعية والاستنساخ. وقد أعطيتهم الإجابات عنها واحدة واحدة من الترجمة الألمانية للقرآن. حتى أن أحد المشاركين قال هكذا: لطالما كنت أفكر من قبل أن الكتاب الذي أنزله الله تعالى لا يمكن أن يأتي بما يعارض الفطرة، ولكن بعد التوضيحات القرآنية لم يبق لديّ أي شبهة؛ فلا يوجد أي تعارض بين كتاب الله المنزل وكتابه الكونيّ… وعند ذلك قلت: تعالوا لنُظهر للناس كافة أن علم الدين متقدم بضع خطوات. قالوا بصورة كبيرة من فقدان الأمل: يمكن أن يكون شيء مثل هذا. وقالوا إن قسما كبيرا من رجال العلم عندنا هم ملحدون. فقلت: ألم يعط القرآن جوابا مطَمْئِنا لأسئلتكم التي كانت علمية بامتياز؟. كانت إجابات الحضور ذات معنى؛ قالوا: القرآن هكذا لكن الكتاب المقدس ليس كذلك. فوضحت للضيوف أن القرآن صدّق وحافظ على الحقائق التي لم يردّها من مضامين التوراة والإنجيل.
اشتملت أعمالنا في الحوار المشترك بداية من حياة الإنسان الشخصية، وموضوعات تحت عناوين العلاقات بين المسلمين والمسيحيين على مدار التاريخ، والقانون الشرقي. وأثرت الانتباه إلى الأزمة الاقتصادية العالمية التي نعيشها اليوم.
قالوا إنه لا يوجد كلام عن الاقتصاد والربا في النصرانية. وعندما عرضنا عليهم أعمالنا في موضوع الاقتصاد الإسلامي أصيبوا بالذهول وأبدوا الاهتمام. وعلى إثر ذلك أضفنا موضوع الاقتصاد إلى أعمالنا اليومية المشتركة. وقد أجبنا دعوة روما التي لم نكن راغبين بها من قبل بناءً على إصرار هيئة توبنغن. وقد تمت لقاءات مكثفة قبل الاجتماع وبعده، كما قدمنا تبليغنا عن موضوع التوازن بين الدين والعلم إلى المشاركين هناك. ووضحنا إنه جاء عصر توازن جديد. وقد شاركنا الرأي مجموعة كبيرة من رجال الدين الكاثوليك في موضوع التوازن بين الدين والعلم الذي يدخل في أساس النظرة إلى العلاقة بين الوحي والعقل. وبهذا الشكل حصلنا على متن مشترك. وقد أمضينا هذه الاتفافية مع الأستاذ الدكتور ريتشارد بوزا من جامعة توبنغن. والتقينا هناك مع جين بيريه توران الذي عمل 19 عاما وزيرا لخارجية الفاتيكان وهو من الإداريين من المستوى الرفيع وقد عمل رئيسا لهيئة حوار الأديان في الفاتيكان. وبعد ذهابنا قاموا بمراجعة خطاباتنا بشكل مطوَّل.
السؤال: تقولون دائما أنه ليس هناك شيء اسمه “إلحاد” . إن كان الأمر كذلك فكيف تفسرون ظاهرة الإلحاد والهروب من التدين؟
بايندر: أكبر مشكلة في أيامنا _في رأيي_ هي عدم قيام العلاقة الصحية بين الدين والعقل. بالطبع لا أؤمن أن هناك شيئا اسمه إلحاد على وجه الأرض. فالقائل أنا أكبر الجاحدين يلجأ إلى الله عندما يضيق به الخناق. ولكن الكل ينشؤون علاقاتهم مع الله بحسب ما يريدون. أي بشكلٍ ما؛ سلبي أو إيجابي -حتى ولو كان بردة الفعل- وهذا في الأصل هو نوع من التدين. ولذا إذا فهمنا هذا المعنى فكل من على وجه الأرض متديّنون.
والله تعالى يعرّف بهذا الوضع في الآية 30 من سورة الأعراف: {فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ}. وقد قلت هذا في روما. ومن هناك من الطلاب الكاثوليك سألوا السؤال التالي: إذن كيف ستنجحون في إنشاء هذا التوازن؟ فأفدت هؤلاء أن الدين يشبه نهر الطونا. لو كل البشر سعوا في تجفيفه فسينبع من جديد، ولكن الناس بين الحين والآخر يقومون بتلويثه. والدين كذلك لا يمكن إلغاؤه لكن تعلق به الخرافات وتجري فيه التحريفات، ووظيفة الأنبياء عبر التاريخ تنقيته وإرجاع الناس إلى أصوله. نظّفوا نفس النهر الذي كان يتسخ بنفس الأوساخ (نفس الشرك). فالآن لو نقدم لمن يدعي أنه أكبر اللا دينيين الماء العذب البرّاق الخارج من النبع الأول لهذا النهر ألن يقول أوه ما أجمل هذا؟ لأن احتياج الإنسان إلى الدين الحق أكثر من احتياجه إلى الماء العذب. ومن أجل هذا فإن الله قد خلق الناس من أجل عبادته فقط. ولهذا فإن الجسد يطلب العبادة بشكل فطري. فإذا لم تكن لله فإنه يوجه العبادة لشيء آخر.
ولهذا السبب فإن الله تعالى بيَّن أن الذين يعبدون غيره ينقسمون إلى قسمين بقوله: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا} (التوبة، 31). فالمجموعة الأولى يجعلون الأحبار ربًّا؛ وهم من يستخدمون الحبر من رجال العلم، والمجموعة الثانية اتخذوا الرهبان أربابا؛ أي الذين يدّعون القرب من الله من بين سائر الناس… فيقابلون احتياجاتهم الدينية بشكل ما. ولكن الله يريد أن نكون عبادا له وحده وأن نصرف العبادة له فقط. لأنه عندما تكون عبودية الإنسان لله فقط يمكنه حينئذ أن يصل إلى نقطة الذروة في حريته. وفي الوقت الذي وضحنا فيه هذا النظام التفكيري وبهذا الأسلوب فإنه لم يحصل اعتراض علينا لا في توبنغن ولا الكريملن ولا الفاتيكان. ولم يدّع أحد ويجادل بأن القرآن الكريم ليس كتاب الله تعالى. انظروا ماذا يقول المتن المشترك الذي وقعناه: “سوف يتم العمل على التقعيد على أساس الفطرة في الحوار، ستوضع المعتقدات الخاطئة في زاوية وسيتم اعتبار كتاب الله كأساس للتوجه إليه”.
السؤال: عندما ذهبتم إلى قصر الكريملن أيضا تحدثتم في نفس المحور. وهناك قد جعلتم القرآن حديث الساعة، حتى قيل يومها أن روسيا تعمل على فهم القرآن. ما تعليقكم على هذا؟
بايندر: لم نقابَل باعتراض في أي مكان. ومخاطَبونا يندهشون بمبادئ القرآن. وعند مجيء الوقت المناسب فإنني أوضح أن (يوريه ميهايلوف) أحد مستشاري الرئيس الروسي (فلاديمير بوتين) كتب بقلمه كتابا بعنوان: “وقت فهم القرآن”. وهذا الكتاب قد جاء بأمر بوتين وجميع تكاليفه يغطيها بنفسه. وهو مقدم إلى إداريي الدولة الروسية والسياسيين والمثقفين الروس.
كتاب ميهايلوف المعنون بـِ “وقت فهم القرآن”
يقدم (يوريه ميهايلوف) في كتابه هذه الإفادات: “وفوق ذلك فإن الإسلام يختلف عن المسيحية بأنه يأمر بأن يكون فعالا في حياة الناس الاجتماعية. ولا يوجد في دين الإسلام شيء متناقض. فيتحتم القبول بأن القرآن الكريم مرسل إلى الناس من قبل الله تعالى وأن محمدا هو آخر الأنبياء”. وفي الكتاب عرض مثالي للحضارة الإسلامية والتاريخ الإسلامي والعادات الإسلامية، ويهدف الكتاب إلى فهم الإسلام من قبل الناس بشكل صحيح. ويقوم (ميهايلوف) باستقصاء الإسلام من اتجاهات مختلفة. ويأخذ بشكل عميق بالتحليل لمواضيع من مثل قدر العلاقة الإنسانية بنظرة المسلمين، وعلاقة الإسلام بالعلم، والإسلام والديمقراطية، والإسلام ومجتمع العلم، والإسلام وحقوق الإنسان، والإسلام والإرهاب.
السؤال: إذا كان الاهتمام بالقرآن يزداد إلى هذا الحد؛ فعندئذ هل يمكننا القول بأن القرن الحادي والعشرين هو “عصر القرآن”.
بايندر: نعم، ولكن هذا شيء مرتبط بتقديمنا القرآن بالطرق التي يريدها القرآن. قبل النسيان أود القول وليكن مثالا: الكاردينال (جين بيريه توران) قال في لقائنا الأخير: “لو استجاب المسلمون للقرآن لأصبح الحوار غير ممكن؛ لأن القرآن صاحب مقولة جهادية يقول اقتلوا الكفار حيث ثقفتموهم”. فقلت في جوابه: هناك فهمان للقرآن عند قراءته: أولها الفهم المعتاد، وأما ثانيها فهو فهم القرآن عن طريق منهج القرآن الداخلي.
الفهم بمنهج القرآن الداخلي يضع فيه الله تعالى في الآية 8 و9 من سورة الممتحنة ثلاثة خطوط حمراء للعلاقة مع غير المسلمين؛
إذا حاولوا قتلكم
إذا أخرجوكم من دياركم
إذا قاموا بالمساعدة في هذه الإبادة والنفي فإن الله لا يقبل صداقتكم لهم أصلا. ولكن إذا لم يكونوا كذلك فلكم أن تنشئوا الصداقة معهم وأن توسّعوا علاقات الإحسان إليهم. وتجاوروهم أيضا. وهذه الآيات هي الآيات المحكمة/ الأصل لجميع الآيات التي تخص أهل الكتاب في القرآن. وآيات الجهاد التي بحثتموها يجب أن تفهم في ضوء هذه الآيات. وهنا لا يكون أية مشكلة.
ووفق هذا المنهج فإن المسلم الذي يقرأ القرآن لا يكون له أي عداوة مع غير المسلمين الذين لم يخلوا بهذه الخطوط الحمراء الثلاث. أما المتوارث فيقعّد عمله على أساس سياسة حربية، فيمكن في أي زمان لمن يفتي في محيط رغبة قصر السلاطين وآراء السياسيين أن يفتي على خلاف الايات تلبية لرغبة في التوسع والهيمنة. فمع الأسف فإن الفقه التقليدي أمسك بمقطع معين من الآية الخامسة من سورة التوبة أي: {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} فجعلوها الآية المركزية وادعوا أنه لا يمكن نسخها بآية أخرى. ولم يكتفوا بهذا بل فصلوا هذا الجزء من الآية عن سياقه وزعموا أنها نسخت قرابة 250 آية، دون الاستناد إلى أي دليل.
وقد نزلت الآية في شأن الأشخاص الذين نقضوا اتفاق الحديبية. فهي خاصة بحال معين تطبق في الأحوال المشابهة، فلو وجد اليوم من يعمل نفس هذا العمل فسوف يطبق عليهم حكم الآية نفسها. لكنها لا تكون أساسا في التعامل مع غير المسلمين، وإلا يتحتم قتل كل مشرك وبدون أدنى سبب، وهذا محال ومخالف لمقتضى الدعوة والرحمة.
نعم لو ننظر من الناحية المعتادة فإن كلمة (جين بيريه توران) ليست خاطئة. لكن حين ننظر من ناحية القرآن فإن هذا الحكم خاطئ قطعا. ومن جديد في لقاء آخر من لقاءاتنا قال عميد في الفاتيكان: كاردينال خبير في الحقوق الطبيعية في الفاتيكان يقول بأنه لا يوجد في الإسلام حقوق أصلية. فقلت: صديقكم الكاردينال معه حق وفي نفس الوقت ليس معه حق. فلو تنظرون إلى الفقه الإسلامي السائد فستجدونه محق في جوانب كثيرة. لكن لو تنظرون إلى القرآن وإلى تطبيقه العملي السنة فسترون أن الحقوق الطبيعية موجودة في القرآن نفسه وفي السنة. وفي خطابه في افتتاحية الاجتماع العام وضح السيد العميد إجاباتي نفسها وقال يبدو أننا نتصور الإسلام بشكل مغلوط.
الإسلام هو الدين الأول في أوروبا
في النتيجة _أي في الآخرة_ فإن الله سيحاسبنا على أساس القرآن وليس على أساس هذه الكتب المتراكمة…. فالأقوال المنقولة إلينا على أنها للإمام أبي حنيفة أو مالك أو الشافعي أو أحمد بن حنبل يمكن أن لا تكون لهم في الحقيقة. يمكن أن تكون من الكتب التي أُلِّفت فيما بعد. وهذا ليس غريبا إذا عرفنا أنها كانت تكتب باليد وتتكاثر. وحتى اليوم نعرف كم الأخطاء التي تكون في المطابع. وأريد أن أعطي مثالا: العثمانيون بواسطة الأوقاف روّجوا الأموال الربوية بشكل واسع. وقالوا عن تسميته: “المعاملة الشرعية” بدلا من الربا. وقد كان في إسطنبول _وحدها_ خمسة آلاف وقف مالي تعطي الديون الربوية. ومصدر ذلك فتاوى قاضيخان. وكان هناك اثنان من علمائنا الكبار معاصرين له، أولهما الإمام السرخسي وأما الآخر فهو الإمام الكاساني. وفي قاضيخان وُضحت المعاملة الشرعية بشكل واسع، لكن السرخسي والكاساني لم يتطرقا إلى هذا الموضوع أصلا. وهؤلاء الأشخاص كانوا علماء في نفس المنطقة وفي نفس المدة. فلو كان عند قاضيخان مثل هذا الشيء حقيقة لكان على الأقل سيتناقشه مع الإثنين الآخَرَين. ولهذا السبب أقول بأن الاحتمال الأكبر أن قاضيخان وأمثاله لم يكونوا قد كتبوا عن المعاملة الشرعية، لكنها نُسبت إلى قاضيخان بعد ذلك أثناء تكاثر مؤلفاته بين الأيدي. لأن قاضيخان هو عالم موقر في العالم الإسلامي، ونستبعد تماما وقوعه في مثل تلك المحظورات الخطيرة. فهل وصلتنا أحكام معارضة للقرآن باستخدام أسماء هؤلاء؟ نعم وصلت… وإن يشأ هؤلاء أن يقولوا هذا الشيء بأنفسهم فإن الجميع سيقدّمون حسابهم إلى الله كلٌ عن نفسه، وأما نحن فإننا سنؤخذ للحساب على أساس القرآن فقط. ولو أننا كمسلمين نقرر هذا المنطق في أذهاننا؛ فإننا انطلاقا من تعبيرات القرآن فإن دين الإسلام الذي هو الدين الحق سيكون حاكما على جميع الأديان الأخرى. والآن لا يوجد غير الإسلام من يملك شيئا ليقوله. فقد قال كاردينال التقينا معه في الفاتيكان بشكل واضح جدا: عدد المؤمنين بالكاثوليكية في الدنيا يتناقصون بمرور الوقت والرهبان يشيخون وكنائسنا تباع. ونحن نحاول أن نبقي الفاتيكان قائما على رجليه ليكون بابا يلجأ الناس إليه إذا رجع الأمر إلى عكسه غدا. ولكن الحمد لله أنه ليس لدينا مشكلة بهذا الشكل. الجوامع تُفتح بشكل مستمر. والآن الدين الأكبر في أوروبا هو الإسلام. لماذا إذن؟ لأن المسيحية ليست جسدا دينيا واحدا فالكاثوليكية والبروتستانتية والأنغليكانية والأرثوذوكسية يجب أن نعرفها كأديان مختلفة لأن شرائعها ومراكزها مختلفة ولا يقبل أي منها الأخريات على أنها من المسيحية.
السؤال: كيف ينبغي أن يوضَح الإسلام إذن؟ هل آليات تبليغ الاسلام اليوم خاطئة؟ وماذا على الغيورين على الدين أن يقوموا به؟
بايندر: لا حاجة في موضوع تبليغ الإسلام إلى تعليقات وطرق شخصية؛ لأن في القرآن بروابطه وأساليبه الداخلية وفي تطبيقه العملي السنة مناهجَ بينة واضحة للعيان…
السؤال: واحد من الانتقادات الموجهة إليكم أنكم لا تأخذون الأحاديث كدليل عندكم. ماذا تقولون في هذا الخصوص؟
بايندر: توجد الأحاديث بشكل مكثف في كتاباتنا وخطاباتنا. ولكن من يُعتبرون محدثين اليوم لا يستطيعون فهم الأحاديث بسبب أنهم يقطعون الأحاديث عن حاكمية القرآن. وأنا أشبّه القول الحسن في القرآن أيضا بشجرة جسمها القرآن وأغصانها السنة والأحاديث. ومن يُعدون محدثين يقطعون الأغصان عن الجذع ويمسكونها على الأرض فتأخذ الأغصان المكان على الأرض وتُخرج المشكلة. وأما الآخَرون فيأخذون القرآن ويتركون الأحاديث. أي أنهم يقضمون قشر الجذع بدلا من الثمار التي سيجمعونها من الأغصان. وكلا الفريقين نراه مخطئا. من يتهموننا بهذا النوع من الاتهامات عليهم أن يُظهروا ذلك بالأدلة ومن كتبنا وكتاباتنا. فنحن منفتحون للنقد. حتى بالأخص نريد الانتقاد حتى نطور أنفسنا أكثر. وحتى الآن لم يأت أحد نبت سنه في العلم بأدلته مقدِّما النقد. فالطفل الواصل إلى البلوغ يصبح مكلفا في دين الله. وهذا يعني أنه بداية من ذلك المستوى فإن الجميع يبدؤون فهم الدين. وفي هذا الحال فمن أقل مستوى وصولا إلى أعلى مستوى فإن الانتقاد المصحوب بالدليل ذو قيمة ويجب أخذه بالاعتبار. ونحن نأخذ الانتقادات الموجهة إلينا بشكل جدي حتى أننا ننشر أكثرها في موقعنا على الإنترنت باللغة العربية وغيرها من اللغات العالمية. والعياذ بالله لو كنا أردنا أن نستغل هذا العمل للمنفعة فلا أظن أن أحدا كان سيصبح له إمكان أكبر منا ولكن كما ترون نحن راضون بظروف متواضعة.
الميراث القديم يتحتَّم أن يمرَّ بمصفاة الكتاب والسنة
السؤال: حين تجعلون القرآن والسنة مركزيّيْن في فهم الدين فهل تقتلعون التراث الإسلامي من أصله أم من ناظرته؟
بايندر: إذا جاء الخطأ من أي جهة أو من أي شخص فإننا نرده. ولكن الصواب والمعروف إذا جاء من أي شخص أو من أي جهة فإننا نستفيد منه ونجعله مصدرا. فلا نرفض التراث الإسلامي مطلقا. لكن علينا أن نقرأ ما يأتي عن العلماء من جديد ضمن مدار القرآن والسنة، ولا ينبغي لنا أن نقرأ هذه الكتب على اعتبار أنها الحكم على الكتاب والسنة وإنما نجعل من الكتاب والسنة حكما عليها. وإلا فسنختنق ونبقى في المشاكل القديمة ولا يبقى أي شيء نقوله لهذا العصر.
فهدفنا أن نجعل القرن الحادي والعشرين هو عصر القرآن. وأستبشر من البدايات. فقد قلت لريتشارد بوزا عميد الكلية الكاثوليكية في جامعة توبنغن: نحن نبحث عن تناسب كتاب الله الذي أنزله مع كتابه الطبيعي الذي خلقه، وأنتم الغربيون قرأتم كتاب الله الطبيعي ودققتم فيه ورأيتم كثيرا من فوائده ولكنكم تباعدتم عن ما أنزله؛ وعندما ابتعدتم عنه أضعتم إنسانيتكم. قال: صحيح جدا وأنت محق. ولكن قلت: المسلمون لم يقرؤوا كتاب الله المنزل ولا هم كذلك قد قرؤوا كتابه الطبيعي. ولهذا السبب فالمسلمون في موقع مضطرب أكثر منكم. فإن يصبح مجتمع من غير المسلمين مسلما ويطالع القرآن والسنة مطالعة صحيحة فسيكونوا _بإذن الله_ نموذجا للمسلمين.
البيان الصحفي المشترك المقدم مع جامعة توبنغن
رجال الدين من جامعتي توبنغن وإسطنبول في بيان حوار الأديان بين المسلمين والمسيحيين أضافوا بروتوكول العمل المشترك المسيحي الإسلامي. فبعد ذلك يوجد ثلاث مؤتمرات ومشاريع إضافية خطط لها بشكل ملموس.
وفي تاريخ 12-13 كانون أول 2008 في لقاءات العمل الإسلامي المسيحي المشترك المقامة في توبنغن انتهي إلى توقيع الأطراف بروتوكولا مشتركا فيما بينها. وشدد هذا البروتوكول على قبول وتطبيق بيان توبنغن للعمل المشترك المعد مسبقا. ومن هنا فقد جُعل بيان توبنغن صفحة الافتتاحية للبروتوكول.
وفي البيان المذكور أُقِر اعتماد الفطرة أساسا للعمل المشترك. وفي تقدير تحقيق عمل بهذا الشكل فسيُرى التكامل بين كتاب الله المخلوق أي الفطرة وبين كتابه المنزل، وستكون تطورات وراء الخيالات في الأعمال العلمية.
وتستند فطرة الإنسان إلى الحقوق الطبيعية، وكل الحقوق يمكن توجيهها إليها. وهذا يخدم أيضا إنشاء أساس للعلاقات العقلانية بين الناس في الدولة وبين الدول. فتقنين الحقوق الطبيعية والعمل بها يرتبط بالناس جميعا.
وقد شارك في الجلسات من إسطنبول أ.د عبد العزيز بايندر ، وخالد مولا أوغلو، ومصطفى إفلي مع الأساتذة ألبرت بيسينغر، وجوهانسبراتشتندوف، وفرانس جوزيف بورمان، وديتمار ميث، وريتشارد بوزا من كلية الدين الكاثوليكي في توبنغن ومونيكا هيرغليو من معهد الحقوق الكنسية بالإضافة إلى أ. سليفان سكرانر من معهد الكلية البروتستانتينية.
وقد ارتبط البروتوكول بالقرار في الجلسة الثانية، وكتب بواسطة طرف إسطنبول ومعهم ريتشارد بوزا ومساعدته مونيكا هيرغليو.
محتويات البروتوكول:
كخطوة ملموسة لإحياء بيان توبنغن اقتُرح عمل ثلاثة مؤتمرات معرفية والعمل على تحقيق مشروع علمي:
1.المؤتمر العلمي “منطلق الحياة الشخصية للإنسان”.روتنبورغ-ستوتغارت مع القسم التعليمي في الكنيسة. المنظمون: فرانس جوزيف بورمان، وديتمار ميث مع عبد العزيز بايندر ممثلا عن القسم التعليمي وممثل وقف السليمانية.
2. “الحقوق الطبيعية كأساس للعلاقات بين الناس والأديان” وخُطط لأن يعقد هذا المؤتمر في إسطنبول. المنظمون: عبد العزيز بايندر ممثل وقف السليمانية، وريتشارد بوزا، فرانس جوزيف بورمانومونيكا هيرغليو.
3. “العلاقة بين المسلمين والمسيحيين عبر التاريخ” والرؤية الأولية أن يعقد هذا المؤتمر في توبنغن أو أرفورت. المنظمون: عبد العزيز بايندر ممثل وقف السليمانية، وديتمار ميث.
4.مشروع في موضوع “الاقتصاد والتجارة والربا” قدمه الطرف التركي ليؤخذ بالبحث موجها إلى الأزمة الاقتصادية الحديثة.
والتفكير في هذا المؤتمر أن يوضع أساس فلسفي للإصلاحات الاقتصادية الحديثة المعروضة في العالم. ويشير عبد العزيز بايندر في هذا الخصوص إلى: الناس محتاجون إلى المال والخدمات وليس إلى النقود. فالنقود هي مثل الدم في الجسم، فكما ينقل الدم الغذاء الداخل إلى الخلايا فكذلك النقود بواسطة الشراء والبيع تنقل المال والخدمات إلى الأماكن الخاصة بها. فيمكن للناس أن ينتجوا المال والخدمات ولكنهم لا يمكنهم أن ينتجوا النقود. فماذا سيكون دور الربا في هذا النظام؟
-الرؤية الأولية أن يجهَّز لواحد على الأقل من هذه المشاريع في الأعلى بشكل يدخل في نطاق التشجيع العلمي.
17/12/2008 م
أ. د عبد العزيز بايندر، من جامعة إسطنبول
أ. د ريتشارد بوزا، من جامعة توبنغن
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخي جمال اريد توضيحا للآية الآتية :
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} (النحل، 44).
في الآية ما هو الذي نزل اليهم ؟
وما هو الذكر الذي نزل لتبيين الذي نزل اليهم ؟
وجزاكم الله خيرا
الذِّكر الذي نزل على نبيِّنا هو القرآن الكريم، يأمر الله تعالى نبيه بأن يقول للمنكرين {هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي} (الأنبياء، 24) لأنّه الكتاب المصدق والخاتم. وقد أنزل الله هذا الذكر على نبينا: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلًا} (الإنسان، 23)
وبهذا القرآن (الذكر) سيبين للنَّاس (أهل الكتاب) ما أنزل إليهم من قبل، حيث إنهم نسوا حظا مما ذكروا به:
{وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ} (المائدة، 14)
كما إنهم كانوا يخفون كثيرا منه:
{يَاأَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ} (المائدة، 15)
لذلك كان من وظيفة الرسول أن يبين لهم الذي أخفوه أو نسوه أو تجاهلوه.