السؤال: لقد حدثتني صديقة مسيحية أنها قرات الكتاب الذي كتبته الصحفية الكندية التي تم خطفها واعتقالها في الصومال من قبل مجموعة شباب وقررت خلالها أن تعتنق الإسلام حتى لا تتعرض للاغتصاب من قبلهم، ولكن رغم ذلك اعتدوا عليها وتتعللوا بآية من القرآن سورة المؤمنون : {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ} [المؤمنون:5-6]. وسألتني عن مدى صحة ذلك. فهل يمكن أن توضحوا هذه المسألة ؟ و جزاكم الله كل خير.
الجواب: الصحفي الذي يدخل بلاد المسلمين له حكم المستأمن الذي لا يجوز الاعتداء عليه بأي شكل من الأشكال، بل على العكس تماما ينبغي توفير الحماية اللازمة له حتى يعود إلى بلده، هذا هو المفهوم من قوله تعالى {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَعْلَمُونَ} (التوبة، 6) والهدف الأسمى لإجارة المشرك هو أن يتمكَّن من سماع كلام الله تعالى، ويتحقق ذلك بأن يرى أخلاق المسلمين التي تعكس جوهر القرآن فيدفعه ذلك إلى البحث عن الحقيقية. أما عن الحالة التي ذكرتها في سؤلك فإن الصحفيَّة قد رأت أخلاقا على عكس ما يدعو إليه القرآن الكريم، حيث تمَّ التعامل معها كأسيرة حرب وهي ليست كذلك، ثم قاموا بالاعتداء عليها، علما أنَّه لا يجوز الاعتداء عليها حتى لو افترضنا أنها أسيرة حرب. والأدهى أنهم لم يقبلوا إسلامها زاعمين علمهم بما في قلبها.
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ، فَصَبَّحْنَا الْحُرَقَاتِ مِنْ جُهَيْنَةَ، فَأَدْرَكْتُ رَجُلًا فَقَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، فَطَعَنْتُهُ فَوَقَعَ فِي نَفْسِي مِنْ ذَلِكَ، فَذَكَرْتُهُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَقَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَقَتَلْتَهُ؟» قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، إِنَّمَا قَالَهَا خَوْفًا مِنَ السِّلَاحِ، قَالَ: «أَفَلَا شَقَقْتَ عَنْ قَلْبِهِ حَتَّى تَعْلَمَ أَقَالَهَا أَمْ لَا؟» فَمَا زَالَ يُكَرِّرُهَا عَلَيَّ حَتَّى تَمَنَّيْتُ أَنِّي أَسْلَمْتُ يَوْمَئِذٍ”[1]
وقد بيَّن الله تعالى مصير الأسير عند انتهاء الحرب بقوله {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أوزارها} (محمد، 4) فقد حصرت الآية مصيره في خيارين لا ثالث لهما؛ وهما المن أو الفداء، والمن أن يطلق سراح الأسير دون مقابل، أما الفداء فأن يطلق سراحه مقابل مال أو خدمة. هذا هو دين الله في كتابه، لكن ما عليه المسلمون شيء آخر، حيث أُضيف إلى الخيارين الحصريَّين اللذين نقطت بهما الآية 4 من سورة محمد خياران آخران، وهما القتل والاسترقاق مستدلين على ذلك بروايات مكذوبة على نبينا عليه الصلاة والسلام. ثم أنشؤوا منظومة كاملة من القوانين المتعلقة بالاسترقاق لا يقبلها الله ورسوله، من ضمن ذلك اتخاذ المحظيات من الرقيق ومعاشرتهن جنسيا بدون عقد النكاح، ومن جملة ما استدلوا به على جواز ذلك الآيتان 5و6 من سورة المؤمنون، ولا شكَّ أنَّهم تنالوا هاتين الآيتين عوجا حتى يستقيم لهم ما يريدون، وقد ردَّ الشيخ عبد العزيز بايندر على احتجاجهم بهذه الآيات وبيَّن عوجَهم بالتفصيل التالي:
الآيتان 5و6 من سورة المؤمنون قد وردتا في سياق الآيات 1_ 11 من السورة كما يلي:
قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (1) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ (2) وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ (3) وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ (4) وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (5) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (6) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (7) وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (8) وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (9) أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (10) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (11) المؤمنون، 1_11
كما ترى فإن الخطاب في الآيات جميعها موجه إلى الرِّجال والنِّساء من المؤمنين على حدٍّ سواء، والمذاهب الفقهيَّةُ بالرغم من قبولها بذلك إلا أنَّها استثنت الآية 6 واعتبرت أنَّ الخطاب فيها موجَّهٌ للرِّجال فقط، حيث اعتبروا أنَّ الرَّجل يستطيع أن يستحلَّ فرج من تقع تحت سلطته من الإماء بدون عقد النِّكاح، واعتبروا هذه الآية دليلا على ما ذهبوا إليه بالرُّغم من كون الخطاب أصلا موجها لكلٍ من الرِّجال والنِّساء، وبالتالي لا يمكن اعتبارها دليلا على ما ذهبوا إليه.
يقول الطبري في تفسير الآية: “والذين هم لفروج أنفسهم وعنى بالفروج في هذا الموضع: فروج الرجال، وذلك أقبالهم. (حافظون) يحفظونها من أعمالها في شيء من الفروج. (إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ) يقول: إلا من أزواجهم اللاتي أحلهنّ الله للرِّجال بالنِّكاح. (أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) يعني بذلك: إماءهم. و “ما” التي في قوله: (أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) محل خفض، عطفا على الأزواج. (فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ) يقول: فإن من لم يحفظ فرجه عن زوجه، وملك يمينه، وحفظه عن غيره من الخلق، فإنه غير مُوَبَّخٍ على ذلك، ولا مذمومٍ، ولا هو بفعله ذلك راكب ذنبا يلام عليه”[2].
وبالرغم من وضوح السياق في اشتماله الذَّكر والأنثى في الخطاب الموجَّه إلَّا أنَّ المفسِّرين قد جعلوا (وما ملكت أيمانهم) من الآية السادسة خاصة في الرجال فقط بغير دليل أو قرينة.
أ_ الخطأ اللغوي
ارتكب المفسرون في الآيتين 5 و6 من سورة المؤمنون خطأين بارزين؛ واحدا في الاستثناء والآخر في العطف
1_ الخطأ في الاستثناء
نصُّ الآيتين كالتالي:
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} (المؤمنون، 5_6)
يقول أبو بكر الجصاص معلقا على هذه الآية:
فأما قوله: {إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} استثناء من الجملة المذكورة لحفظ الفروج وإخبار عن إباحة وطء الزوجة وملك اليمين[3].
ويقول الطبطبائي المنسوب للمذهب الجعفري شارحا الآية:
وقوله: “إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين” استثناء من حفظ الفروج، والأزواج الحلائل من النساء، وما ملكت أيمانهم الجواري المملوكة فإنهم غير ملومين في مس الأزواج الحلائل والجواري المملوكة[4].
وبحسب ما ذهب إليه الفريقان فإنه يمكننا تلخيص ما توصلوا إليه من تفسير كما يلي:
والذين (الرجال والنساء) هم لفروجهم حافظون. إلا (الإستثناء هنا خاص بالرجال فقط) على أزواجهم و ما ملكت أيمانهم (أقام حرف العطف “و” بدلا من “أو” ) فإنهم غير ملومين في إظهار فروجهم لهنّ.
ولا يمكن أن يفيد الاستثناء في الآية المعنى الذي ذهبوا إليه. ولو كان الخطاب في الآية موجها للرجال خاصة وكان سياق الآيات موجها للرجال كذلك لاحتمل ما ذهبوا إليه من معنى. وفي ذلك الحال يصحُّ للرَّجل أن يكشف عورته على زوجته أو جاريته لكن لا يصحُّ للزَّوجة أن تكشف فرجها لزوجها، كما لا يصحُّ للأمة أن تكشف فرجها على سيدها. لذلك كان لا بد من تجيير آخر متعلق بحرف العطف (أو) حتى يستقيم لهم ما يريدون
2_ العطف: الأخطاء التَّفسيرية المتعلِّقة بحرف العطف
حرف العطف “أو” الوارد في الآية أُعطي له معنى حرف العطف “و” . ومعلوم أن حرف العطف “أو” يفيد التخير بين اثنين، أما حرف العطف “و” فإنه يفيد الجمع بين المعطوف والمعطوف عليه، لذا لا يجوز استخدام أحدهما بديلا عن الآخر بوجه من الوجوه، وهو ما عمد إليه المفسرون مخالفين بذلك قواعد اللغة.
والمعنى الذي ينسجم مع قواعد اللغة في الاستثناء والعطف في الآية 6 من سورة المؤمنون ما يلي:
والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ملكت أيمانهم (من أزواجهم) .
ولو تم قبول التفسير الخاطئ للاستثناء في الآية بدون تغيير معنى حرف العطف “أو” لأدى ذلك إلى قبول أن يكشف الرجل عورته لزوجته ولجاريته دون العكس، وليس هذا ما يريده القوم. فالخطأ الأول لا بد من تدعيمه بخطأ ثانٍ كي يستقيم لهم ما يطلبون، فكان أن أعطوا حرف العطف “أو” معنى حرف العطف “و”.
وفي الآيات المتعلقة في الموضوع يظهر بوضوح أن الزوج رجلا كان أو امرأة حرا كان أو مملوكا يستطيع كل منهما أن يظهر فرجه لزوجه فقط.
ب_ إلقاء الضوء على الآيات المتعلقة بالموضوع
لا تستطيع المرأة أن تنكح أكثر من زوج، أما الرجل فيستطيع أن ينكح أكثر من واحدة، ويمكن أن يكون زوجه حرة أو أسيرة. يقول الله تعالى:
{وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ} (البقرة، 221)
إذا أرادت الحرَّة أن تتزوج من أسير مملوك فليس ثمة قيود على هذا الزواج، بخلاف الرجل فإنه إن أراد التَّزوُّج من الأسيرة فإن ذلك مشروط بعدم قدرته على نكاح الحرَّة. كما قال الله تعالى:
{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (النساء، 25)
بحسب الآية فإن زوجة الرَّجل إما أن تكون حرَّة أو أمة ولا يصحُّ له الجمع بينهما البتة.
وقد أمرنا الله تعالى بالحرص على تزويج المملوكين كحرصنا على تزويج الأحرار. كما جاء في قوله تعالى:
{وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (النور، 32)
بحسب الآيات السابقة فإنه يستطيع أن يتزوج الأحرار من الأحرار، والأسرى من الأسرى، والأحرار من الأسرى، ويمكننا تصنيف ذلك كالتالي:
الرجل الحر_ المرأة الحرة (النساء، 32)
الرجل الحر_ المرأة الأسيرة (النساء، 25)
المرأة الحرة_ الرجل الأسير (البقرة، 221)
الرجل الأسير_ المرأة الأسيرة (النور، 32)
هؤلاء جميعا سواء كان الواحد منهم حرا أم أسيرا لا يجوز للمؤمن منهم أن يكشف عورته إلا لزوجه سواء كان حرا أو أسيرا، والتشابه جد كبير بين الآيتين 5و6 من سورة المؤمنون والآيات الأخرى ذات الصلة من السور الأخرى.
كما نلاحظ فإن الآيات توازن الفوارق بين الزَّوجة الحرَّة وبين الزَّوجة الأسيرة، وفي الآيتين 5 و6 من سورة النُّور تأكيد على تلك الموازنة فحرف العطف “أو” جاء للتَّأكيد على عدم جمع الحرة مع الأمة كزوجتين لرجل واحد. ونورد الآية مرة أخرى للتذكير:
{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ . إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} (المؤمنون، 5_6)
وللمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (استرقاق أسرى الحرب واتخاذ الجواري) على الرابط التالي http://www.hablullah.com/?p=2742
[1] أخرجه مسلم (96) (158) ، وأبو داود (2643)، والنسائي في “الكبرى” (8594)
[2] أبو جعفر الطبري، جامع البيان في تأويل القرآن، مؤسسة الرسالة، ط1، 1420 هـ – 2000 م، تفسير الآية 6 من سورة المؤمنون 19/10
[3] أبو بكر الجصاص (المتوفى: 370هـ) ، أحكام القرآن، المحقِّق: محمد صادق القمحاوي، دار إحياء التُّراث العربي – بيروت، 1405 هـ. 5/92
[4] تفسير الطبطبائي على الآية
أضف تعليقا