السؤال: في ظل ما حدث في تونس بخصوص نسب توزيع الميراث هل من الممكن أن نفهم من كلمة “يوصيكم” الواردة في قوله تعالى “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ” أنها ليست فرضا وإنما مجرد وصيَّة؟
الجواب: لو تتبعنا الآيات التي ذُكر فيها لفظ الوصيَّة مضافا إلى الله تعالى نجد أنَّها تأتي بعد أوامر أو نواه غاية في الأهمية، حتى إننا نستطيع القول إنَّ لفظ الوصيَّة من أعظم الألفاظ دلالة على كون المأمور به واجبا أو المنهيّ عنه محرما، حيث لا احتمال لكون المأمور به مندوبا أو مباحا، ولا كون المنهي عنه مكروها. ولنأخذ الأمثلة التالية لتوضيح المسألة:
1_ الوصية بإقامة الدين:
{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} (الشورى، 13). فوصيَّة الله تعالى للأنبياء بإقامة الدِّين لا يمكن أن تكون إلا على وجه الإلزام والإيجاب.
2_ الوصية بتقوى الله:
{وَلِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ وَإِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ غَنِيًّا حَمِيدًا} (النساء، 131)
3_ الوصيَّة بإقام الصلاة وإيتاء الزكاة:
{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا} (مريم، 31)
4_الوصيَّة بالإحسان إلى الوالدين:
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} (لقمان، 14)
5_ الوصيَّة باجتناب كبائر الذنوب المنصوص عليها في الآيات التالية:
{قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلَا تَقْتُلُوا أَوْلَادَكُمْ مِنْ إِمْلَاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلَا تَقْرَبُوا الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلَا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. وَلَا تَقْرَبُوا مَالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَبِعَهْدِ اللَّهِ أَوْفُوا ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ. وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام، 151_153)
أوصى الله تعالى في الآيات السابقة بالوصايا العشر التالية:
1_ عدم الشرك بالله 2_ الإحسان للوالدين 3_ عدم قتل الأبناء خشية الفقر4_ عدم الاقتراب من الفواحش الظاهر منها والخفي 5_ عدم قتل النفس إلا بالحق 6_ عدم أكل مال اليتيم 7_ القسط في الكيل والميزان 8_ العدل في القول حتى لو كان على قريب 9_ الوفاء بالعهد 10_ اتباع الصراط المستقيم وهو القرآن .
نلاحظ مما سبق أن الله وصى بأساسيات الدَّين الكبرى، واستخدام القرآن للفظ الوصيَّة في هذا السياق يسلط الضوء على أهمية هذا المصطلح وأنه يستخدم للتنويه على القضايا المهمة التي لا ينبغي للمسلم أن يتجاوزها. ومن هنا نفهم أن استخدام القرآن لذات التعبير (الوصيَّة) في توزيع الميراث يُفهم منه ضرورة التزام هذه الوصيَّة وعدم الحياد عنها لأي سبب كان، ولا يمكن أن يفهم منها الإرشاد دون الإلزام.
أضف تعليقا