الصدقة والضريبة
الصدقة هي المساعدة الماليَّة التي تُقدم للمحتاجين بدون مقابل. أما الربا فهو ما يدفعه المَدين المحتاج مقابل الدين، ومعلوم أن غير المحتاج لا يلجأ لأخذ الدَّين بالربا. الصَّدقةُ مُتنفَّسُ الفقراء والعمود الفقري للعمل الاجتماعي، بينما الربا يزيد الفقراء بؤسا كما يُخرِّب أرضيَّة العمل الاجتماعي.
عندما يُقال صدقة يتبادر إلى الذِّهن المساعدة المالية التي تُقدم للفقراء. وفي تراثنا تُستخدم كلمة الصدقة لذلك المقدار البسيط من المال الذي يُعطى للمتسوِّلين. والحقُّ أنَّ الفقراء هم صنفٌ من ثمانية أصناف تستحقُّ الصَّدقة. وفي هذه المقالة سيظهر أنَّ ما تأخذه الدولةُ من الضريبة هو بمعنى الصدقة. يقول الله تعالى لنبينا الذي هو رئيس دولة المسلمين الأولى:
{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} (التوبة، 9/103)
هذه الآية وما قبلها وما بعدها من الآيات تتحدث عن المؤمنين الصادقين وعن المنافقين الذين ما فتئوا يكيدون للنبي وعن الكافرين أيضا. والصَّدقة التي تُؤخذ من جميع هؤلاء لا تُظهر فقط صداقتَهم وانتماءهم للدولة بل تعملُ على تعزيز الشعور بالأمن والطمأنية عند المتصدِّق لأنَّه ساهم في تقوية وبناء مجتمعه، ولا شكَّ أنَّ ذلك يُسهم في تعزيزه وازدياد فرص نجاحه.
الصدقةُ التي تُؤخذ من المسلم تسمى الزكاة؛ لأنها تُظهر العلاقة الصادقة بينه وبين ربه فتكون سببا لتزكيته وطهره. في النتيجة يمكننا القول إنَّ الصدقة هي الضريبة التي تأخذها الدولة من مواطنيها، سواء كانوا مسلمين أو غير مسلمين. الجزية التي بمعنى الضريبة التي تُؤخذ عن كل رأس من الرجال غير المسلمين ظهرت نتيجة للتأويل الخاطئ لكلمة الجزية الواردة في الآية التالية:
{قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} (التوبة، 9/29)
وكلمة الجزية الواردة في الآية لا يُفهم معناها إلا من خلال الآية التالية:
{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَانْتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ وَالَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَلَنْ يُضِلَّ أَعْمَالَهُمْ} (محمد،47/4)
الجزية المذكورة في الآية لا بدَّ أن تكون وقوع الأسير في الأسر وفقدانه حريَّته، وهو الذي يلزمه دفع الفدية إذا لم يُطلق سراحه بدونها. ولا يوجد عقوبة للأسير سواهما، أي وقوعه في الأسر ودفعه الفدية إذا لم يكن محظوظا بإطلاق سراحه دون مقابل.
ولا بدَّ أن ننوِّه أنَّه لم يكن غير هذا في زمن نبينا، أما غير ذلك مما ذكروه من القتل والاسترقاق وأخذ الجزية عن الرأس كل سنة فذلك مما أُحدث بعد وفاته صلى الله عليه وسلم بسنوات طوال.
وفي الآية 60 من سورة التَّوبة إشارة إلى أنَّ الصدقة هي الضريبة التي تأخذها الدولة.
للمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (الصَّدقة والرِّبا في القرآن الكريم) على الرابط التَّالي http://www.hablullah.com/?p=3053
أضف تعليقا