نعم للصدقة ولا للقرض الربوي
إمكانية مواجهة الاحتياجات العاجلة التي يوفِّرها القرض الربوي تُشكِّل مصدر الجذب الرئيسي له. لكنَّه حينما يحين وقت السداد فكثيرا ما لا يستطيع المقترض السداد في وقته فيجد نفسه محتاجا لقرضٍ جديد. ونتيجةً لتراكم ديونه وازديادها في كل دورة اقتراض فإنه سيخسر حتى ما في يده وسيجد نفسه خارج النَّشاط الاقتصادي تماما.
كانت النقود قديما تُنتج من الذهب والفضة، وكانت ثمنيَّتُها تُحدَّدُ بناءً على وزنها وعيارها، وبما أنَّ هذه النُّقود محدودةً كان الإقراض محدودا كذلك. بعد عصور تحوَّل النَّقد إلى الورَق الذي تتحدَّد قيمتُه بما يُكتب عليه من الأرقام وأصبحت تلك الأوراق هي المعتمدة في التَّداول. ورقتان بنفس الحجم والنوع؛ الأولى مكتوب عليها 1 دولار وعلى الثانية 100 دولار، ذلك الرقم المكتوب جعل الثانية تفوق قيمة الأولى بـ 100 ضعف. ولم تقف الأمور عند هذا الحد، بل بدأت الأرصدة البنكية تُنقل من حساب إلى آخر بالقروض الربوية دون أن يكون لها رصيد حقيقيى حتى من الورَق، وهكذا أصبح هناك نوع من النقد الخيالي الوهمي الذي _مع الأسف_ أصبح السمة البارزة في التَّعاملات الاقتصادية المتقدِّمة. فبمجرد إضافة أصفار إضافية على شاشة الحاسوب تتشكل مقادير هائلة من النقود الخيالية التي تُعطى كقروض ربوية تندفع إلى الأسواق المحليَّة والعالميَّة. وبهذا الطريق تتعثَّر الشَّركات الصَّغيرة أولاً، ثم تتبعُها الشَّركات المتوسطة، وبعد ذلك تجد الشركات الكبرى وحتى الدول ذاتها تحت سيطرة أصحاب رؤوس الأموال.
أصحاب رؤوس الأموال يصبحون متحكمين بجميع مصادر الثروة دون الدخول في المخاطرة. وهم إذ يستمتعون باستهلاك هذه المصادر يعملون جاهدين على القضاء على أصحابها الحقيقيين دون أن يرف لهم جفن.
بحسب الإحصائيات فإن جميع الدول بما فيها تركيا وأمريكا والصين وروسيا وبريطانيا كلها ترزح تحت وطأة الديون، وقريبا ستدخل جميع العائلات تحت وطأتها كذلك. الدائنون أصبحوا بوضعية تمكنهم من إغراق الدولة التي يقصدونها وتغيير الأنظمة التي لا تعجبهم.
لا بد من نزع آليات السيطرة من أيدي هؤلاء، ولا يتمُّ ذلك إلا بترك التعامل بالربا. لقد كان تحريم الربا من بين المخطورات التي نبَّه إليها الأنبياءُ جميعُهم. والآية التاليةُ متعلقةٌ باليهود:
{فَبِظُلْمٍ مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَن سَبِيلِ اللّهِ كَثِيرًا. وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُواْ عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ مِنْهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا} (النساء، 4/160-161)
والآية التالية تبينُ قبحَ الربا بينما تنوِّهُ إلى التأثير الإيجابي للزكاة في الاقتصاد:
{وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِندَ اللَّهِ وَمَا آتَيْتُم مِّن زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ} (الروم، 30/39)
وقوله تعالى {وَمَا آتَيْتُم مِّن رِّبًا لِّيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ} يشير إلى أن الدين الربوي لا يُعطى إلا لصاحب المال؛ لأن المرابي لا يعطي الدَّين لمن لا يقدم له الضَّمان.
الشخص الذي أثقلته الديون سيلجأ للمؤسسات الخيرية لتنقذه من المرابين عن طريق الصَّدقة. وكما سيظهر لاحقا فإن الصدقة أمرٌ ضروريٌّ للاقتصاد، حيث لا يقفُ دورُها على سدِّ حاجة المحتاج، بل إنها تعيد إلى السُّوق أُناسا ألجأتهم الظروفُ لتركه بسبب الخسارة أو الدَّين أو الكارثة أو غير ذلك. وهي بهذا الوصف فإنها باعث على الطمأنينة والاستقرار في الوسط الاقتصادي مما يفتح الطريق للنُّمو والتَّوسع. لهذا السبب فإن جميع الآيات التي ورد فيها تحريم الربا نوهت إلى أهمية الزكاة والصَّدقات. ولننظر إلى الآيات التالية بتمعُّن:
{الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرًّا وَعَلَانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ. يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ. إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ. يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ. وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (البقرة، 2/274-280)
ورد في الآيات الكثيرُ من التعبيرات ذات الوقع الشديد، ولم يكن ذلك من فراغ، لأن إعطاء القرض بالربا ليس من الفعاليات الاقتصادية. المُقترض بالربا سيبدأ نشاطه الاقتصادي مُثقلا بالدَّين والربا. وكما أنه لا يمكن ضمان انتهاء العمل خلال فترة القرض فإنه لا يمكن ضمان تحقيق الربح كذلك. الفائدة التي سيجنيها المُقرض هي من الدين وهو كسب ظالم يُسهم في تخريب النِّظام.
للمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (الصَّدقة والرِّبا في القرآن الكريم) على الرابط التَّالي http://www.hablullah.com/?p=3053
أضف تعليقا