بذلُ قسمٍ من المال النَّامي
الإنسانُ بطبعه محبٌ للمال، لذا أمر القرآن بالانفاق ونهى عن الكنز[1]. والانفاق في اللغة من النفق وهو تمرير الشيء من الشيء، ومن ذلك ما يحفره الناس في الجبال من أجل المرور. لا بد من انتشار المال والثروة إلى جميع فئات المجتمع عن طرق الإنفاق المتعددة كما ينتشرُ الدَّم إلى جميع أنحاء الجسم عبر الأوردة والشرايين. لما سُئل نبيُّنا عمَّا يجبُ إنفاقه نزل عليه قولُه تعالى:
{وَيَسْـَٔلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلْآياَٰتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ} (البقرة، 2/219)
ولكملة العفو الواردة في الآية معنيان؛ الأول: المال الزائد عن الحاجة الأساسيَّة[2]، والثاني: المال النامي[3]، أي الذي فيه خاصيَّة النُّمو.
بيتُ الشَّخصِ وأثاثُه ومركبه ومكان عمله وأدوات العمل ومأكله ومشربه كلُّها من الحاجات الأساسية، حيث لا يُؤخذُ منها صدقة.
بحسب الآية أدناه فإن كلمة العفو تعني المال النامي المتزايد الذي يُعبِّرُ عن غنى صاحبه:
{ثُمَّ بَدَّلْنَا مَكَانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتَّى عَفَواْ وَّقَالُواْ قَدْ مَسَّ آبَاءنَا الضَّرَّاء وَالسَّرَّاء فَأَخَذْنَاهُم بَغْتَةً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ} (الأعراف، 7/95)
بحسب الآية فإنه لا تؤخذ الضريبة من الأشخاص الذين لا يملكون مالا زائدا عن حاجاتهم الأساسيَّة. فالمعاش والأجور والبيت والمركبة والدُّكان وآلات المصنع وما شابه يكون معفيا من الضريبة.
الله تعالى لا يريد من الإنسان أن يتصدق بكل زائد من ماله، لكنه وضع نظاما صار بموجبه التَّصدُّق بقسم من المال كأنه تصدُّقٌ بالمال كلِّه.
بحسب الآية التالية فإنَّ الحسنة تُقابَل بعشر أمثالها على الأقل:
{مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَى إِلَّا مِثْلَهَا[4] وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} (الأنعام، 6/160)
ونظرا لاعتبار من تصدق بمئة ليرة من ألفٍ يملكها كأنَّه تصدَّق بها جميعا فليس من الممكن أن يُطلب منه أكثر من ذلك. واليوم قسمٌ كبير من الضرائب التي تجتاح عالم الأعمال غير موجودة في هذا النَّظام.
للمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (الصَّدقة والرِّبا في القرآن الكريم) على الرابط التَّالي http://www.hablullah.com/?p=3053
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الآيات التي أمرت بالإنفاق هي البقرة 195 و254 و267، الحديد 7، المنافقون 10، التغابن 16، الطلاق 6
[2] إسماعيل بن حماد الجوهري، الصحاح، مادة عفو
[3] أحمد بن فارس، معجم مقاييس اللغة، مادة عفو
[4] انظر الفرقان 25/69 ، القصص 28/84 ، الأحزاب، 33/68 ، المؤمنون 4/40
أضف تعليقا