أ.د عبد العزيز بايندر
مقدمة
نبيُّنا محمدٌ عليه الصلاة والسلام هو الرَّسولُ الذي بلَّغنا القرآن وعلَّمنا إياه[1]، وجبريلُ هو الرَّسول[2] الذي بلَّغ نبيَّنا وعلَّمه. تعلمَّ نبيُّنا من جبريل إيجاد الحلول المناسبة لكلِّ مشكلة (أي إنَّه تعلَّم الحكمة)[3] ، والصحابةُ _بدورهم_ تعلَّموها من النَّبي. لذا يمكننا القول بأنَّ الحكمة جزءٌ لا يتجزأ عن القرآن.
كلُ نبيٍّ هو رسولٌ من الله تعالى، وكلُّ واحد منهم قد أُوتي كتابا مصدِّقا لما بين يديه كما أوتي كلُّ واحد منهم الحكمة[4] ، وفيما يتعلَّق بإلايمان بالرَّسول الذي سُيبعث لاحقا فقد تمَّ أخذ العهد من قوم كل نبي على الإيمان به واتباع الكتاب الذي معه. وفي هذا يقول الله تعالى:
وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ . فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ[5]. أَفَغَيْرَ دِينِ اللّهِ يَبْغُونَ وَلَهُ أَسْلَمَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَإِلَيْهِ يُرْجَعُونَ . قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ . وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (آل عمران 3/81-84)
الذي لا يؤمنُ بجميع الأنبياء أو بواحدٍ منهم أو الذي لا يؤمن بجميع كتبِهم أو بواحدٍ منها فلا يمكن أن يعدَّ مسلما، والآية التَّالية تزيد الأمر وضوحا:
وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (آل عمران 3/85)
واجب الإيمان بالنبي القادم وبكتابه يُقال له الإصر، ولأن محمدا عليه السلام هو خاتم النَّبيِّين فقد اقترن الإصر به إلى قيام الساعة، ولن يتحلل أحد من هذا الإصر إلا بالايمان به واتباعه. فليس ثمة نبيٌّ أو كتابٌ بعده. وبناء عليه فإن الإدعاء بعودة المسيح ومجيء المهدي ما هو إلا استغلال سيء لمسألة الإصر. يقول الله تعالى:
الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون (الأعراف، 7/15)
إن الوظيفة الوحيدة التي تقع على عاتقنا هي تعلُّم الكتاب والحكمة اللذين جاء بهما محمد عليه الصلاة والسلام لارتفاع حمل “الإصر” بنبوته.
بحسب القرآن تُطبَّق ذاتُ الشَّريعة منذ نوح عليه السلام. يقول الله تعالى:
شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ (الشورى، 42/13)
أما ما حدث من بعد نوحٍ من انقسامٍ وتشظِّي وافتراء توضِّح الآيةُ التالية كيف حصل:
وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى لَّقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِن بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مُرِيبٍ (الشورى، 42/14)
وما حلَّ بالأقوام السابقة حلّ بنا أيضا، لأنَّ الذين أُمروا باتباع القرآن عملوا جاهدين على جعل القرآن تابعا لهم، فلم يتوقف فسادهم على حياة المسلمين فقط بل أفسدوا الإنسانية أيضا بإبعادها تماما عن دين الله الحقّ.
إفساد الإيمان بالكتاب
روي عن نبينا صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قد بعث 124 ألف نبيّ[6]، ومن الواضح أنَّ كلَّ نبيٍّ منهم قد أُوتي الكتاب والحكمة، وبالرغم من ذلك فإنَّ التَّصوَّر الفقهيَّ العام ينصُّ على أنَّ الكتب المنزَّلة أربعة: وهي التَّوراة والإنجيل والزَّبور والقرآن، وباستنادهم على رواية ضعيفة جدا تمَّ الإدعاء بأنَّ آدم قد أوتي 10 صحف وشيث 50 صحيفة وإدريس 30 صحيفة وإبراهيم 10 صحف، التي مجموعها 100 صحيفة[7].
شيث الذي أُدعي أنَّه قد أوتي 50 صحيفة لم يرد في القرآن ولا في الأحاديث الصحيحة ذكر لاسمه. ورد في القرآن أنَّ موسى عليه السلام قد أُوتي الكتاب[8] لكنَّه لا يوجد ما يدلُّ أنَّ ذلك الكتاب هو التّوراة، لأنَ التّوراة لم تُؤتَ لنبيٍّ واحدٍ فقط، بل إنها كانت لعدد كبير من النَّبيِّين. يقول الله تعالى:
إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ … (المائدة، 5/44)
وكان عيسى عليه السلام من الأنبياء الذين عُلِّموا التوراة وطبَّقوها. يقول الله تعالى:
إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلاً وَإِذْ عَلَّمْتُكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ[9] …
اسم الكتاب الذي أُنزل على داوود عليه السلام ليس الزَّبور. لأنّ كلمة الزَّبور تأتي بمعنى الكتاب[10] ، وقد وردت الكلمة في آيتين؛ الأولى منهما قوله تعالى:
إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإْسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا (النساء 4/163)
كلمة الزبور الواردة في الآية أعلاه ليست اسما خاصَّا لشيء، لذا لا يمكن أن تكون الكلمة اسما للكتاب الذي نزل على داود عليه السلام. وفي الآية التَّالية وردت كلمة زبر كجمع لكلمة زبور:
وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ (الشورى 26/196)
وفي الآية التالية استُخدمت كلمة الزَّبور كاسم خاصٍّ لجميع الكتب الإلهية المنزلة:
وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ[11] (الأنبياء 21/105)
اليهود والنصارى هم مسؤولون بمقتضى التَّوراة والإنجيل، وبما أنّ كلاً من الكتابين يأمران أتباعهما باتباع القرآن فيكون أصل المسؤلية تجاه القرآن. يقول الله تعالى:
وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُواْ وَاتَّقَوْاْ لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ . وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم[12] مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم مِّنْهُمْ أُمَّةٌ مُّقْتَصِدَةٌ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ سَاء مَا يَعْمَلُونَ .يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ . قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ. (المائدة 5/65-68)
المؤمنون بالكتب السابقة مطالبون بالإيمان بالقرآن الكريم، وحتى يمكنهم ذلك لا بدَّ أن يكون القرآنُ مصدقا لما جاء في كتبهم، وهذا ما نصَّ عليه القرآن صراحة. لكنَّ علماء المذاهب لم يُعطوا الأهميَّة لموضوع الإصر، ولم يَرَوا تصديقَ القرآنِ للكتب السّابقة، وقد زعموا أنّ مقصود القرآن هو تصديق الكتب حال نزولها من عند الله تعالى وليس بحالتها الراهنة، وبهذا الزَّعم تمَّ قطع العلاقة بين الكتب السابقة وبين القرآن. ولم يبق أيُّ معنى للآية التالية:
وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُوْلَـئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ. (المائدة 5/43)
ولا بد أن يكون علماء الدين عند اليهود والنصاري ممتنِّين جدا للقطع بين كتبهم وبين القرآن الكريم، وبذلك يجدون المبرر لعدم إيمانهم بالقرآن، ولولا ذلك القطع لما استطاعوا _بمعيَّة المذاهب الإسلامية_ انتظار المسيح، ولما استطاعوا نسج التَّصورات المتعلِّقة بذلك.
كما يظهر فإن علماء المذاهب حرَّفوا الحقائق حول الكتب السَّابقة بالقدر الذي يمنع أتباعها من الإيمان بالقرآن والعمل بمقتضاه.
تحميلُ معنى جديد لكلمة رسول
في التراث الإسلامي تأتي كلمة الرَّسول بمعنى الشَّخص المُرسل، والحقيقية أنَّ هذا هو المعنى الثَّاني للكلمة، أما المعنى الأول فهو الرِّسالة التي يأتي بها الرَّسول[13]، فمحمدٌ عليه الصلاة والسلام بصفته رسولا أتى بكلام الله الموجود في القرآن فيكون الأمر باتباع الرَّسول هو اتباع للقرآن ذاته. يقول الله تعالى:
من يطع الرسول[14] فقد أطاع الله (النساء 4/80)
وقد بين الله تعالى الوظيفة المناطة بالرَّسول بقوله:
فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِين (الحل 16/35)
يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ (المائدة 5/67)
يقع على عاتق الرُّسل الذين يبلِّغون كتابَ الله إظهارُ الأحكام وإيجاد الحلول من خلال المنهج الذي بيَّنه الله في الكتاب. يقول الله تعالى:
لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (آل عمران، 3/164)
تشير الآيات أنَّ النَّبي بصفته رسولاً يبلِّغ الكتاب ويعلِّمُ الحكمة. وهذا عين ما قام به نبيُّنا، وبتمام ذلك أنهى مهمته. وقد تحدَّثت الآية التَّالية عن ذلك بوضوح:
وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ (آل عمران 3/144)
الرَّسول الباقي إلى قيام الساعة الذي يجب طاعته هو القرآن الكريم. حيث يقع على كواهلنا مسؤولية تبليغه إلى كلِّ الأمم بلغاتها المختلفة، وإلا لا يمكن وصول الرَّسول إليهم. يقول الله تعالى:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللّهُ مَن يَشَاء وَيَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (إبراهيم، 14/4)
والرَّسول المذكور في الآية الذي يُرسَل لكلِّ أمَّة بلسانها لا يمكن أن يكون غير القرآن الكريم، فإذا لم نبلِّغ القرآن إلى كلِّ أمِّة بلسانها فلا يمكن أن تكون هذه الأمم مكلَّفة بالإيمان به والعمل بمقتضاه. لنكرِّرْ قسما من آية ذكرناها سابقا متعلَّقة بما نحن بصدده:
وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ … (آل عمران 3/81)
بالجمع بين ما ذُكر سابقا من ضرورة تبليغ كلِّ قوم بلسانهم مع الآية أعلاه يُفهم أنَّ المقصود من كلمة “الرَّسول” هو القرآن الكريم. ويعني ذلك أنَّ القوم الذين لا يأتيهم القرآن بلسانهم يكونوا في عداد الذين لم يأتهم رسولٌ أصلا.
الرَّسول هو المكلَّف بتبليغ كلام المُرسَل من دون زيادة أو نقصان، وبهذا المعنى فإنَّ كلَّ من بلَّغ كلامَ الله إلى الناس فهو رسول. وكلُّ من بلَّغ كلام غيره من الناس رسولٌ أيضا، فمثلا؛ بعث ملكُ مصرَ رسولا إلى يوسف عليه السلام، كما أورده قوله تعالى:
فَلَمَّا جَاءهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللاَّتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ … (يوسف، 12/50)
قام علماء التراث بتعريف كلمتي النَّبيِّ والرَّسول على خلاف ما عرَّفتها الآيات فقالوا: “الرَّسول هو الشَّخص الذي بعثه الله تعالى بكتابٍ وشريعةٍ جديدين، بينما النَّبي هو الشَّخص الذي بعثه الله تعالى بكتاب وشريعة نبيٍّ قبله”[15]
بحسب هذا التعريف فإنَّ الرسول الذي بعثه ملكُ مصر إلى يوسف عليه السلام لا بدَّ أنَّه بُعث بكتابٍ وشريعةٍ جديدين!. إذا كان النَّبي هو المكلَّف بتبليغ رسالةِ رسولٍ قبله فهذا يعني أنَّه لم يعد أحدٌ مكلَّف بتبليغ القرآن بعد انقضاء نبوة محمد لأنَّه لا نبيَّ بعده.. وهكذا أضحت الأخطاء الجسيمة التي ظهرت بسبب إبعاد المسلمين عن القرآن بعيدة عن الأنظار.
تحويل الحكمة إلى السنة
وردت كلمة السنة في القرآن بإضافتها إلى الله تعالى (سنة الله)، وعند النظر في الآيات التي ورد فيها هذا المصطلح يُفهم بوضوح أنَّ المقصود هو القانون المطبَّق على المجتمعات التي أرسل الله تعالى إليها رسلا[16]. لكنَّه بدأ في العصر الأموي إطلاق لفظ السنَّة بدلا من الحكمة، واستقرَّ الأمر في العصر العباسي على اعتبار السنة هي الحكمة، وقد أُفرغت كلمةُ السنة من محتواها أيضا حتى أصبحت تُطلق على أقوال نبيِّنا وأفعاله بالرُّغم من أنَّ أقوال النَّبي _فيما عدا الوحي_ قابلةٌ للخطأ. من الجدير ذكره أنه لا يوجد آيةٌ واحدة تدعو إلى الطَّاعة المطلقة للنَّبي، بل إنَّ هناك آية تظهر أن أقوال النبي _فيما عدا الوحي_ وأفعاله محلَّ تقييم من جملة المؤمنين. يقول الله تعالى:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (الممتحنة، 60/12)
الشرط “ولا يعصينك في معروف” يشير إلى ضرورة مراقبة أقوال النبي وأفعاله بوصفه بشرا يجوز عليه الخطأ والنِّسيان والغفلة.
إعطاء النَّبي معنى الرَّسول ومن ثمَّ اعتبار الكلام الذي قاله بصفته نبيِّا سويَّة الآيات التي بلَّغها بصفته رسولا ومن ثم اعتبار سنة الله في المجتمعات التي أرسل فيها الأنبياء على أنها القانون الذي لا يتغيَّر هي تطبيقات خاطئة لا تُغتفر. واليوم فإن علماء المذاهب متفقون على اعتبار السنة مصدرا ثانيا للتَّشريع إلى جانب القرآن الكريم.
كان الإمام الشافعي صاحب السبق في تقرير هذه الأخطاء عندما اتخذ الآيات الآمرة بطاعة الرَّسول كدليلٍ على وجوب طاعة النَّبي. ويمكننا تلخيص ما ذهب إليه الشافعي كما يلي:
“وسنة رسول الله مُبَيِّنَة عن الله معنى ما أراد، دليلاً على خاصِّه وعامِّه، ثم قرن الحكمة بها بكتابه، فاتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسوله[17].
“لا يَنْسخ كتابَ الله إلا كتابُه.. وسنة رسول الله، لا يَنْسَخُها إلا سنةٌ لرسول الله”[18]
“ولو جاز أن يقال: قد سنَّ رسول الله ثم نسخ سنتَه بالقُرَآن، قد يحتمل أن يكون الرجم منسوخاً لقول الله: ” الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ “[19]
القول بأن نبينا ” مُبَيِّنٌ عن الله معنى ما أراد، دليلاً على خاصِّه وعامِّه” هو إقامة النبي مقام الله تعالى؛ لأن الله تعالى لم يعط هذه الصَّلاحية لأحد غيره. يقول سبحانه:
الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آَيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ. أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ. (هود، 11/1_2)
وهذا يعني أن نبيَّنا لم يفسِّر القرآن لكنَّه اتَّبع ما بيَّنه اللهُ تعالى في كتابه من منهج تفسير القرآن، وبوصوله إلى الحكمة التي أنزلها الله في كتابه أنذر النَّاس وبشَّرهم.
عبد العزيز بن باز (1911_1999م) في معرض حديثه عن أنَّ أقوال النَّبي وأفعاله هي السنة أشار إلى تقدُّم السنَّة على القرآن في تقرير الأحكام كما يلي:
“يقول الأوزاعي[20]:
(السنَّة قاضية على الكتاب)
السنة تبيِّن الأحكام التي ترك القرآنُ تفصيلها كما أنَّها تضع الأحكام غير الموجودة فيه أصلا، لأن الله تعالى يقول:
وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُون[21] (النحل، 16/34)
روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:
(أَلا إِني أوتِيتُ الكِتابَ ومثلَه مَعَه)
وروى البيهقي[22] عن الشعبي أنَّه خاطب بعضَ الناس قائلا: “إذا تركتم الآثار انتهيتم”
وقد قصد البيهقي بالآثار الأحاديث الصحيحة.
ونقل البيهقي قول الأوزاعي لأحد أصحابه: “إذا وصلك الحديث عن رسول الله فلا تقل شيئا يخالفه، لأن رسول الله أخذه من الله ثمَّ بلَّغه” انتهى كلام ابن باز [23]
الآية التي احتجوا بها على أنَّ النَّبي يبيِّن القرآنَ لو أخذناها مع سابقتها لوجدنا أنَّه لا علاقة لها بما ذهبوا إليه. لنقرأ الآية مع سابقتها:
وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ. بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (يونس، 10/49)
من الوظائف المناطة برسول الله تبليغُ القرآن لأهل الكتاب وإخبارُهم أنَّه مصدِّق لمَّا بين أيديهم من الكتاب. كما أورده قوله تعالى:
يَاۤ اَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاۤءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُوا عَنْ كَثيرٍ قَدْ جَاۤءَكُمْ مِنَ اللّٰهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبينٌ (المائدة 5/15)
هذه الآية تظهر بوضوح أنَّ المقصود بقوله تعالى “لتبيِّن للنَّاس ما نزل إليهم” هو وظيفة تبيلغ الكتاب وليس شيئا آخر. هذه الوظيفة التي كانت مناطة بمن هم غير أنبياء من أتباع الرسل السَّابقين توحي بضرورة أن يضطلع المسلمون بهذه المهمة فيجتهدوا في تبليغ القرآن دون إخفاء أي شيء منه:
وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلَا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (آل عمران، 3/187)
وقوله تعالى لنبيِّه في الآية 44 من سورة النَّحل ” لِتُبَيِّنَ لِلنَّاس” وقوله تعالى مخاطبا أهل الكتاب “لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاس” لا بدَّ أن يكون خطابا لجميع المؤمنين إلى قيام الساعة. ولهذا لا يمكن قبول هذه الآية كدليل على تفسير نبيَّنا للقرآن، بل هي دليل على وجوب تبليغ القرآن دون إخفاء شيء من آياته أو أحكامه.
الدليل الثاني الذي اتخذه المدافعون عن الرأي القائل بأن النبي قد فسَّر القرآن وفصَّله ما روي عن النَّبي أنَّه قال:
(أَلا إِني أوتِيتُ الكِتابَ ومثلَه مَعَه)
الشيء الذي أوتيه نبيُّنا مع الكتاب هو الحكمة التي نحاول توضيحها من بداية هذه المقالة، فهذا الحديث يلخص جميع الآيات التي ذكر فيها الكتاب والحكمة.
لما نسي المسلمون فهم القرآن وإيجاد الحلول لمشاكلهم (أي الحكمة) بدأ الانقسام بينهم. وقد ورد في الآية التالية توجيه مهمٌّ بهذا الصدد:
وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (النحل 16/89)
المسلمون الذين يوجد بين أيديهم كتابٌ عظيم كالقرآن ولا يستطعون حلَّ أيَّ مشكلة يجعل المرء في حيرة من أمره. لم تكن مشكلة المسلمين بابتعادهم عن القرآن كنصٍّ مكتوب أبدا، إذ يبدي المسلمون اهتماما عظيما بطبعه وحفظه وتجويده وتوزيعه، إنما مشكلتهم بتضييع الحكمة وعدم اشتغالهم للوصول إليها.
ويُشبه حال المسلمين مع كتاب ربهم بحال فتاة ذهبت أسرتها الغنيَّة إلى العطلة وتركتها في البيت، وتركوا لها ما يلزم لتحضير ما تشاء من الأطعمة، لكن هذه الفتاة التي لم تدخل المطبخ يوما ولا يوجد عندها أدنى فكرة عن كيفية إعداد الطعام ما إن سمعت كلام أبيها وأمها حتى تبادر إلى ذهنها أنهما تركاها لتموت. لم تستطع الفتاة تدبر أمرها بإعداد الطعام، وحتى لا تبقى جائعة فتحت مطبخها للجيران، وبمقابل ما تحصل عليه من قليل الطَّعام اضطرت لإغماض عينيها عن تفريغ مطبخها من كلِّ شيء، ولو كان الجار صاحب نوايا أكثر خبثا لتطورت الأمور إلى ما هو أسوأ.
إن ترك القرآن جانبا ونسيان الحكمة التي هي الوسيلة لإيجاد الحلول دفع بالمسلمين إلى تلمُّس حلول مشاكلهم من أعدائهم، وهذا ما يُفسِّر تردي أوضاعهم يوما بعد يوم.
وفي ما يتعلق بإعطاء الثقة للآخرين هناك تحذيرٌ لنبيِّنا، يقول الله تعالى:
وَإِذَا رَأَيْتَهُمْ (أي المنافقين) تُعْجِبُكَ أَجْسَامُهُمْ وَإِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ (المنافقون 63/4)
هل يمكن أن يُعجب نبيُّنا بكلام المنافقين الجميل، ولا يُعجب المسلمون بكلام المنافقين من أهل العلم؟ لو لم يكن الأمر كذلك فهل كان بالإمكان أن يخرج لنا دينٌ جديدٌ من خلال كتب المذاهب والتَّفاسير؟ هل كان يمكن إثبات حكم تزويج الأطفال الصغار بالرغم من مخالفته صريح الكتاب وتطبيقات النبي؟ وهل كان يمكن إظهار نظام العبودية والجواري، وعقيدة القدر، وقتل المرتد، وأخطاء كثيرة أخرى، على أنَّها أحكام القرآن الكريم؟!.
الخلاصة
إن رسل الله تعالى والذين على إثرهم يتَّبعون كتاب الله المنزل حتى لا يكونوا عبيدا لغيره سبحانه، كما أنهم يحذرون الناس من إفساد الطبيعة على اعتبار أنها كتاب الله المخلوق، وبذلك يمكن للنَّاس رؤية العلاقة الوثيقة الموجودة بين الكتابين. وعندما تحلُّ المنافع الدنيويَّة مكان القيم السماويَّة يعملون ما في وسعهم لتأصيل تصوراتهم وإخراجها للنَّاس على أنَّها الدِّين الحقّ ومن هنا يبدأ الفساد. ولأنَّه يصعب التَّخلص من المعتاد والسير بخلاف الجماعة يصبح لهؤلاء تأثير على العامة. عند النَّظر إلى ولوج ذات الأخطاء إلى جميع المذاهب يُفهم أنَّه كان هناك عمليةٌ منظمة مكَّنت من الوصول إلى هذه النتائج.
إن جهود العودة إلى القرآن الكريم في عصرنا الراهن وإيجاد الحلول منه أصبحت أكثر فعاليَّة. ومن الواضح أن هناك قدرا كبيرا من الجهود لمنع ذلك. لكني أختم مقالتي بهاتين الآيتين كرد على جهود من يقفون في طريق عودة الناس إلى الكتاب وفهم ما فيه من الحكمة:
وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا (الإسراء 17/81)
بَلْ نَقْذِفُ بِالْحَقِّ عَلَى الْبَاطِلِ فَيَدْمَغُهُ فَإِذَا هُوَ زَاهِقٌ وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُون (الأنبياء 21/18)
وقف السليمانية/مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع حبل الله http://www.hablullah.com
الترجمة إلى العربية: جمال نجم
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] البقرة 2/151، آل عمران 3/164
[2] الحاقة 60/40، التكوير 81/19
[3] النجم 53/5، الرحمن 55/2
[4] للمزيد حول الموضوع يمكن قراءة مقالة (النبي والرسول وضرورة التفريق بينهما) على الرابط التالي http://www.hablullah.com/?p=1239
[5] ورد في الإنجيل ما يؤيد هذه الآية. في المتن أدناه حاول أن تضع كلمة (محمد) بدلا من الضمير (هو)
«وَأَمَّا الآنَ فَأَنَا مَاضٍ إِلَى الَّذِي أَرْسَلَنِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَسْأَلُنِي: أَيْنَ تَمْضِي؟ 6لكِنْ لأَنِّي قُلْتُ لَكُمْ هذَا قَدْ مَلأَ الْحُزْنُ قُلُوبَكُمْ. 7لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ. 8وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ: 9أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلأَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بِي. 10وَأَمَّا عَلَى بِرّ فَلأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى أَبِي وَلاَ تَرَوْنَنِي أَيْضًا. 11وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ قَدْ دِينَ. 12 «إِنَّ لِي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لأَقُولَ لَكُمْ، وَلكِنْ لاَ تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الآنَ. 13وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ. 14ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. (انجيل يوحنا 16/5-14)
[6] مسند أحمد بن حنبل، 2/266 ، اسطنبول 1982م
[7] أبو جعفر محمد بن جرير الطبري، تاريخ الأمم والملوك، بيروت 1407هـ ، 1/187
[8] البقرة 2/53 و87، الأنعام 6/91، هود 11/10، الإسراء 12/7، المؤمنون 23/49، الفرقان 25/35، القصص 28/43، السجدة 32/23، المؤمن 40/53، فصلت 41/45
[9] التوراة والإنجيل كتابان يحتويان الحكمة كما القرآن الكريم.
[10] كتاب العين، الفراهيدي، مادة زبر
[11] الآيات المتعلقة بذلك هي قوله تعالى “وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ. وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ. لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ” (النور 24/55-57) وقد ورد في إنجيل متى العبارة التالية “طوبى للودعاء، لأنهم يرثون الأرض” إنجيل متى 5/5
[12] المقصود بالذي أنزل إليهم من ربهم هو القرآن الكريم
[13] مفردات ألفاظ القرآن، الراغب الأصفهاني، مادة رسل. وهذا نصَّ ما قاله الراغب: “والرسول يقال تارة للقول المتحمل كقول الشاعر: ألا أبلغ أبا حفص رسولا وتارة لمتحمل القول والرسالة”
[14] إذا اعتبرنا إلـ التعريف في كلمة الرسول عوضا عن المضاف إليه فيكون معناها (رسول الله)
[15] انظر عمر نصوحي بيلمان، Büyük İslam İlmihali ، اسطنبول، ص 17، الفقرة 34
[16] انظر الأنفال 3/38، الحجر 15/13، الأحزاب 33/38، الكهف 18/55، فاطر 35/43، غافر 40/85، 62، الفتح 48/23
[17] الرسالة للإمام الشافعي ، باب فرض الله تعالى في كتابه اتباع سنة نبيه، مكتبه الحلبي، مصر، الطبعة: الأولى، 1358هـ/1940م ، 1/73
[18] المصدر السابق 1/106
[19] المصدر السابق 1/110
[20] هو أبو عمرو عبد الرحمن بن عمرو بن يوحميد الأوزاعي (ت 157/774) مؤسس مذهب الأوزاعية الذي لم يعد ينتسب إليه أحد ، عُرف كعالم في الفقه والحديث، عاش قبل الإمام الشافعي.
[21] وقد اتخذ الإمام الشافعي هذه الآية كدليل في موضوع السنة، أنظر كتاب الأم، بيروت1410هـ، الاستحسان، 4/309
[22] أبو بكر البيهقي أحمد بن عامر بن علي البيهقي (ت 458هـ) محدث وفقيه شافعي.
[23] عبد العزيز بن باز ، وجوب العمل بسنة رسول الله وكفر من أنكرها، السعودية 1420هـ 1/24-25
أ.د. عبد العزيز بايندر
الشكر الجزيل لشخصكم على هذا المقال الفقهي التصحيحي التنويري لأزمة أمة تعيش في سراديب الموروث على علاّته،
أمة تعاني من موروث يحوي الكثير من الأخطاء والزيغ عن الدين والمعتقد ولا مجيب لتنقيته من الغبش والدسائس والإسرائيليات التي عششت وفقّست بين صفحاته بقصد وبدون قصد!!!
أتمنى أن يتحد العلماء العالمين بالحقائق والكاشفين للخلل والافتراءات على الكتاب والتعدي أيضا على كتاب الله عن طريق المثناة التي يرتكزون عليها!!
قدموا بتصريح ألسنتهم المشبوهه والمجرمة ما يسمى بالسنة على كتاب الله تعالى!!وجعلوا السنة حكمة والحكمة من الله ؛؛فللحكمة وهي السنة الحكم والفصل في أي قضية لم ترد في الكتاب نصا مباشرا ولها أن تقدم على كتاب الله تعالى!!
فأي شرك هذا؟؟؟!!!
سؤالي بعد هذا: كيف الخلاص للأمة المسلمة من طاغوت الموروث الذي يتاجر به المعروفون زورا العلماء؟؟؟
شكرا للدكتور
والشكر موصول للغالي “جمال نجم”
تحياتي الخالصة لك أخي أبو نضال بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن الأستاذ عبد العزيز
أما كيف تتخلص الأمة من طاغوت الموروث فالطريق لذلك سهل ويسير على من ألقى السمع وهو شهيد:
إن التعامل مع كتاب الله تعالى على أنه مصدر المعارف والأحكام وأنه الحاكم على تصوراتنا وقوانينا هو مفتاح الخروج من الظلمات إلى النور.
اعتبار القرآن ميسرا للذكر ومبينا وقولا فصلا وهدى ونورا كما عرَّفه الله في كتابه وليس طلاسم وحمَّال أوجه ومحدود الأحكام كما يروج له أعداؤه هو المخرج الحقيقي من أزمات الأمة كلها.
مقال رائع جزى الله الدكتور والأخ جمال واعاننا الله على العودة الى منهاج النبي صلى الله عليه وسلم في فهم كتاب الله وتفهيمه لمن حولنا وإنها لمهمة صعبة لان ترك الموروث لا يقدر عليه إلا من صفى فكره وقلبه وتعلق قلبه بكتاب الله دون غيره.
أتمنى من الله عز وجل أن يكتبكم وكل من أعاد الناس إلى الحق من المجاهدين في سبيله. والسلام
حكم من يحتج بالقرآن فقط وينكر السنة ارجو الرد
الجواب: لا يصح أن يقال إن مهمة النبي تنتهي بتبليغ القرآن، ثم يُترك أمر فهمه إلى الناس كلٌ بحسب هواه. فالقرآن والسنة التي هي الحكمة _في الحقيقة_ شيء واحد لا يصحُّ الفصل بينهما بحال من الأحوال، ومن أنكر السنة فقد أنكر الحكمة.
أمر الله تعالى نبيه أن يحكم بين الناس بالكتاب وفق المنهج الذي أراه الله إياه بقوله {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ …} (النساء، 105) ،كما عُهد إليه بتطبيقه بين الناس، فكان الأسوة الحسنة في ذلك.
قال الله تعالى {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب، 21). فلا يصحُّ بعد هذا أن يأتي من يقول أن لا حاجة لنا بما روي عنه صلى الله عليه وسلم من أقوال وأفعال. والغريب أن من يُجرد النبي من وظيفة بيان الأحكام يدَّعي هذا الحقَّ لنفسه وكأنه أحقُّ من النبي في ذلك.
إن حكم النبي هو الحكمة التي أُنزلت مع الكتاب. قال الله تعالى {وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} (النساء، 113) والحكمة هي المشار إليها بقول النبي صلى الله عليه وسلم: “ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه”[1] فالمِثْلُ هو الحكمة.
إنّ تعليم النبي الكتاب والحكمة هو تطبيق الكتاب بنصه وأحكامه بين الناس ليكون سببَ التزكية والفلاح للمؤمنين في الدنيا والآخرة. قال الله تعالى {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} (الجمعة، 2)
وقد تناقل المسلمون تلك التطبيقات جيلا بعد جيل، كنقلهم هيئات الصلاة وطريقة أداء النبي لمناسك الحج؛ فقد صلى المسلمون مع رسول الله وحفظوا ذلك منه، ولأن النبي مناط به تعليم الناس كيف يصلون أرشد إلى ذلك بقوله “وصلوا كما رأيتموني”[6] وفي الحج قال “يا أيها الناس خذوا عنى مناسككم فإنى لا أدرى لعلى لا أحج بعد عامي هذا”[7]
وتبقى هناك مسألة في غاية الأهمية، ألا وهي كيفية الأخذ بالروايات المنسوبة إلى النبي. هل كل ما زعم صحة نسبته إلى النبي صلى الله عليه وسلم يعتبر حجة؟
القرآن الكريم نُقل إلينا بالتواتر، وثوبته قطعي لا يتسرب إلى النفس شك في صحة نسبته إلى منزله، وهو المعجزة الخالدة الدالة على صدق النبي.
بينما نقلت أقوال النبي صلى الله عليه وسلم بطريق الآحاد، ولذلك كان ثبوت الحديث الصحيح بالظن لا باليقين.
لذا ينبغي ضبط الرواية بميزان الكتاب على اعتبار أن أقوال النبي هي الحكمة المستقاة منه، وعليه فإن ظنية الرواية إذا شُفعت بأصلها في القرآن الكريم فإنها تكتسب اليقين. ويعزز الرواية انتقال التطبيق العملي من جيل الى آخر.
الظن إذا شُفع باليقين ووافقه ارتقى ليكون يقينا أو شبيها به، أما اعتماد الظن دون شفعه باليقين، فهو الخرص المنهي عنه.
قال الله تعالى {وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} (يونس، 36) وبعد تقرير الله تعالى أن الظن لا يغني من الحق شيئا ذكر في الآية التي تليها قطعية ثبوت القرآن واستحالة أن يفترى من دون الله تعالى {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (يونس، 37)
وعن أبي موسى الغافقي، قال: آخر ما عهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «عليكم بكتاب الله، وسترجعون إلى قوم يحبون الحديث عني – أو كلمة تشبهها – فمن حفظ شيئا فليحدث به، ومن قال عليَّ ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار»[8].
انضباط الرواية بكتاب الله هو السبيل الامثل لاجتناب ما افتري على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وهذا بالطبع لا يقلل من جهود علماء السنة الذين قاموا بجمعها وتحري صحيحها من سقيمها. فقبل أن نعرض الرواية على الكتاب ينبغي التأكد من صحة سندها أولا، وهنا يظهر تكامل دور من قاموا بالجمع والتحري ودور القائمين بالتحقيق إن كانت الرواية موافقة للكتاب أو مخالفة له.
إذا كانت السنه هي الحكمه فاذن انتم لاتختلف ن عن الشافعي الذي يقول ان الحكمه هي السنه…
أوصيكم بتقوى الله، والسمع والطاعة وإن تأمر عليكم عبد حبشي، وإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً. فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين، عضّوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة والحديث حسن صحيح، رواه أبو داود، الترمذي وابن ماجة وأحمد ارجو توضيح كلامك اخى الغالى سيد جمال نجم
روي عن نبينا الكريم أنه قال: “فعليكُم بسنَّتي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الْمَهْدِيِّينَ الرَّاشِدِينَ”. ولو سلمنا بصحة الحديث فليس المقصود منه كون الخلفاء الراشدين يمتلكون حقَّ التشريع في أمور الدين، لأنَّ هذا لا يصحُّ إلا لله تعالى، حتى الأنبياء لا يشرِّعون بل يتبِّعون ما أُوحي إليهم ويبلغونه للنَّاس ويكونوا قدوة في الامتثال وإتيان أمر الله تعالى على أتمِّ وجه.
سنُّةُ النَّبي هي سنة الله دون فرق، والخلفاء الراشدون كغيرهم مطالبون بالتَّأسي بالنبي واتباع منهجه، ولأنَّهم أكثر من لازم النَّبي وأخذ عنه فلا بد أن يكون لهم ميزة في الفهم والتطبيق. فالمقصود بالحديث متابعة الراشدين في الامتثال والتطبيق.