السؤال: هل يجوز للقاضي أن يعفو عن الزاني المحصن أو غير المحصن إن اعترف وتاب توبة نصوحا وعمل صالحا ؟
الجواب: عملُ القاضي هو الحكم في المسألة بحسب ما تقتضيه الأدلَّة، فهو كاشفٌ عن حكم المسألة وليس بصاحب حقٍّ، ولأنَّه ليس بصاحبِ حقٍّ فلا يصحُّ له أن يعفوَ إذا تمَّت إدانة المُتَّهم، ولا بدَّ من تنفيذ الحكم.
يُفهم هذا من قوله تعالى { إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (المائدة، 34). هذه الآية جاءت بعد آية سبقتها بيَّنت الحكمَ في المحاربين كَقُطَّاع الطُّرق وعصابات الإجرام[1]، حيث تفيد بأنَّهم إذا وصلت قضيتهم إلى الحاكم فإنَّ توبتَهم لا تمنعُ من تنفيذِ الحكمِ فيهم، والآيةُ وإن كانت في سياق خاصَّ إلا أنَّها تُفيد العموم وتقرِّرُ قاعدة مهمَّة في القضاء، وهي أنه إذا بلغ الأمر إلى القضاء فلا يندفع النَّظرُ فيه بالتوبة.
وتبقى التوبة حينئذ أمرٌ بين العبد وربِّه وليس لها أثرٌ في إنفاذ الحكم.
روى الإمام مَالِكٌ في الموطأ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ صَفْوَانَ؛ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ أُمَيَّةَ قِيلَ لَهُ: إِنَّهُ مَنْ لَمْ يُهَاجِرْ هَلَكَ. فَقَدِمَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ، الْمَدِينَةَ. فَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَتَوَسَّدَ رِدَاءَهُ. فَجَاءَ سَارِقٌ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ. فَأَخَذَ صَفْوَانُ السَّارِقَ. فَجَاءَ بِهِ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ تُقْطَعَ يَدُهُ. فَقَالَ صَفْوَانُ: إِنِّي لَمْ أُرِدْ هذَا يَا رَسُولُ اللهِ، هُوَ عَلَيْهِ صَدَقَةٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: «فَهَلاَّ قَبْلَ أَنْ تَأْتِيَنِي بِهِ»[2]
لم يقبل النَّبيُّ شفاعة صفوان بالسَّارق لأنَّ القضيَّة وصلت إليه بصفته الحاكم المسؤول عن تنفيذ الحكم بمُقتضى الدَّليل، فعقوبةُ السَّرقةِ قطعُ اليد كما نصَّت عليه الآية التَّالية:
{وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (المائدة، 38)
والعقوبةُ لا تسقط بعفو المسروق منه، لأنَّ حدّ السَّرقة من حقوق الله تعالى لا من حقِّ المسروق منه، وكذلك الزِّنا فإنَّ الحدَّ فيه حقٌّ لله تعالى لا يسقط بعفو القاضي أو المُدَّعِي، بخلاف لو ما كان الحق خالصا للعبد فإنَّه يجوز لصاحب الحقِّ أن يُسقطه وليس ذلك للحاكم.
أمّا إذا لم تصل المسألة إلى الحاكم وتاب الزاني فأمرُه إلى الله تعالى، وقد وعد سبحانه بقبول توبة العبد إن صدق فيها كما جاء في قوله تعالى:
{وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا ثُمَّ اهْتَدَى} (طه، 82)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الآية هي قوله تعالى { إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلَافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (المائدة، 33)
[2] الموطأ، 3086/ 637
اهلا وسهلا بحضرتك عندي سؤال ينص القرآن الكريم على عقوبة للمفسدين كما جاء في الآية “إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ”. كيف نفهم الآية الكريمة والإسلام قد حرم “التمثيل بالنفس البشرية بأي شكل من أشكال التعدي عليها حتى في الحرب مع العدو المعتدي”. وشكرا جزيلا لحضرتك