السؤال: قال الله تعالى {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ} هل الوحي يأتي للأنبياء في المنام؟ وإذا كان كذلك فكيف سيتأكَّد النَّبي صلى الله عليه وسلم من أنَّه وحيٌ أم ليس بوحي؟
الجواب: رسالةُ الله تعالى (الكتاب) لا تأتي الأنبياءَ إلا بطريقِ الرَّسولِ من الملائكة (جبريل عليه السلام). وذلك بالرُّغم من تعدُّد طرق الوحي كما ورد في قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ} (الشورى،51)
في الآية ثلاث طرق لإيصال أوامر الله تعالى إلى خلقه:
الأول: الوحي؛ وهو في الآية بمعنى الإلهام أو الرؤيا، ويشترك في هذا النَّوع من الوحي الأنبياء وغيرهم.
فمن رؤيا الانبياء ما رآه إبراهيمُ عليه السلام من ذبحِ ابنه اسماعيل: {قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ} (الصافات، 102)
وما رآه نبيُّنا من دخوله المسجدَ الحرام هو أصحابُه مُحلِّقين روسَهم ومُقصِّرين: {لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيَا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ} (الفتح، 27)
ومن رؤيا غير الأنبياء كالَّتي رآها ملكُ مصرَ حيثُ عبّرها يوسفُ عليه السلام: {وَقَالَ الْمَلِكُ إِنِّي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ وَسَبْعَ سُنْبُلَاتٍ خُضْرٍ وَأُخَرَ يَابِسَاتٍ} (يوسف، 43)
ومن الإلهام ما جاء في قوله تعالى عن أمِّ موسى عليه السلام:
{وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} (القصص، 7)
كما تُستخدم كلمةُ الوحي بهذا المعنى في إلهامِ الحيوانِ أيضا:
{وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ} (النحل، 68)
كما يُستخدَمُ ذاتُ المصطلحِ في إلقاء الأمرِ إلى الجماد:
{بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا} (الزلزلة، 5) أي الأرض
الثاني: من وراء حجاب، كما كلَّم اللهُ موسى؛ كلَّمه من وراء حجاب، وقد سمع موسى كلامَ اللهِ مباشرةً، لكنَّه لم يره، وفي ذلك يقول سبحانه: {وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا} (النساء، 164)
الثالث: أن يرسلَ رسولا، فيوحيَ _بإذن الله_ رسالةَ اللهِ إلى أنبيائِه، وأمينُ الوحي هو جبريلُ عليه السَّلام، ولا يأتي سوى الأنبياء، يأتيهم برسالة الله تعالى فيقرؤها عليهم ويبلغهم إياها بالشَّكل الذي أراد الله تعالى، وهو إذ يُبلِّغُ رسالةَ ربِّه للنَّبيِّ تحفُّه الملائكةُ من كلِّ جانبٍ رصداً وحراسةً من الشَّياطين.
ورسالةُ الله تعالى لا تأتي إلا الأنبياء، كما لا تأتيهم إلا عبر أمين الوحي جبريل، ولا يمكنُ أن تأتيَ بالإلهامِ أو المنام، والحكمةُ من ذلك أن يستيقنَ النَّبيُّ على وجهِ القطع أنَّ ما جاءَه رسالةُ ربِّه، لأنَّ الوحي بالإلهام أو المنام قد يُشكلُ في الفهم أو التَّأويل، وحتى لا يُترك الأمرُ لكلِّ دعيِّ فيدعي أنَّ الله قد أوحى إليه بالإلهمام أو المنام. وهذا ظاهرُ من قوله تعالى: {عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا. لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} (الجن، 26_ 28)
أمينُ الوحي هو جبريل عليه السلام، أما الرَّصدُ فهم الملائكة المرافقون له، وعندما يجيء أمينُ الوحي النبيَّ بالرسالة يرافقُه مجموعةٌ من الملائكة كحراسٍ من تدخُّل الجنِّ. تحيطُ الملائكة “الرَّصد” بالنَّبيِّ عند إيحاء جبريل له بالقرآن؛ ليعلم النبيُّ ويستيقنَ أنَّ ما جاءَه هو رسالةُ الله تعالى التي لم تخالطها وساوس الشيطان أو سنوحات الخيال، فيحيط بما سمع، ليكون بعدئذ مكلفا بتبليغه إلى الناس.
عَنْ جَابِرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ سَبَّحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ قَالَ: «لَقَدْ شَيَّعَ هَذِهِ السُّورَةَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مَا سَدَّ الْأُفُقَ»[1] وفي رواية موقوفة على ابن عباس: «نَزَلَتْ سُورَةُ الْأَنْعَامِ جُمْلَةً بِمَكَّةَ لَيْلًا وَحَوْلَهَا سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ يَجْرُونَ حَوْلَهَا بِالتَّسْبِيحِ»[2]
للمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة جمال نجم (أهمية الإيمان بالملائكة) على هذا الرابط http://www.hablullah.com/?p=2792
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] رواه الحاكم في المستدرك 3226
[2] المعجم الكبير للطبراني، 12930
أضف تعليقا