السؤال: هل يجوز لشخص أن يأخذ قرضا فيه فائدة ليشتري سكنا له ولعائلته من أجل استقراره لاضطراره لهذا الشيء لأنَّه لن يستطيع بالحالة التي عليها أن يشتري سكنا؟
الجواب: الضَّرورةُ التي تُحلُّ الحرامَ هي التي فيها حفظُ النَّفسِ من الهلاك، وهذا واضحٌ من خلال الآيتين التَّاليتين:
1_ {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلَّا مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ذَلِكُمْ فِسْقٌ الْيَوْمَ يَئِسَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ دِينِكُمْ فَلَا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِ الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (المائدة، 3)
والمخمصة من (خَمَصَ) التي تَدُلُّ عَلَى الضُّمْرِ وَالتَّطَامُنِ. فَالْخَمِيصُ: الضَّامِرُ الْبَطْنِ ; وَالْمَصْدَرُ الْخَمْصُ. والْمَخْمَصَةُ، وَهِيَ الْمَجَاعَةُ ; لِأَنَّ الْجَائِعَ ضَامِرُ الْبَطْنِ. وَيُقَالُ لِلْجَائِعِ الْخَمِيصِ[1].
ومعلومٌ أنَّ البقاء في المخمصة يؤدِّي إلى الهلاك، لذلك يجوز للمضطر أن يأكلَ ممَّا ذُكر تحريمُه بقدرِ ما يدفع عنه الجوع.
ومن الملاحظ أنَّه بالرُّغم من ذكر محرمٍ من غير جنس الطَّعام في الآية “وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ” إلا أنَّ الضَّرورة التي تحلُّ الحرامَ حُصِرت فيما يؤكل بدلالة قوله تعالى “فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ” فيخرج الاستقسام بالأزلام من دائرة الضرورة لأنَّه غيرُ متعلِّقٍ بالمخمصة، ومثلُه كلُّ حرامٍ لا يؤدِّي تركُه إلى مظنَّة الهلاك.
2_ {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (النحل، 106)
وممَّا أُبيح للضَّرورة بنصِّ الكتاب التَّلفُّظُ بالكفر دون إقرار القلب إذا كان ذلك يدفع عنه الهلاك. وجوابُ الشَّرط في الآية مقدَّرٌ، أي فإنَّه يبقى على إيمانه، لعدم إقرار قلبه بما نطقَ به لسانُه. والرُّخصةُ في التَّلفظِ بالكفر دون الإقرار بالقلب متعلِّقٌ بشرط تعرضه للهلاك إن لم ينطق بكلمة الكفر، وهو المفهوم من قوله تعالى “إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ”.
أمَّا التَّوسع بدلالة لفظ الضَّروروة ليشملَ كلَّ حاجةٍ للإنسان فهو تجنٍّ على دين الله وفتحٌ للبابِ واسعاً لتجاوزِ كلِّ المحرَّمات. والقاعدةُ التي تقول “إنَّ الحاجة تُنزَّل منزلة الضَّرورة” ليس لها أصلٌ صحيحٌ في كتاب الله ولا في سنة رسوله، فالعملُ بهذه القاعدة يؤدِّي إلى هتك كلِّ المحرمات وتركِ الواجبات بحجَّة الحاجة إلى ذلك.
ومن الأخطاء التي وقع فيها بعض الأصوليِّين إذ قرروا هذه القاعدة قياسُهم الرُّخصَ في العبادات على التَّرخُّصِ في تسهيل المحرَّمات، وهو قياسٌ فاسدٌ من كلِّ وجه؛ لأنّ ما تعلَّق بالعبادات هو الأمر، بينما ما تعلَّق بالمحرَّمات هو النَّهي، ولا يصحُّ القياس مع الاختلاف في الحكم. كما أنَّ التَّخفيف في العبادات جاء بنصِّ الشَّارع كقصر الصلاة في الخوف وكالإفطار للمسافر والمريض في رمضان، وغير ذلك، وكذلك التَّخفيفُ بالمحرَّمات جاء بالنَّصِّ، فكما أنَّه لا يصحُّ التَّخفيفُ بالعبادات بدون نصٍّ فكذلك التَّخفيفُ بالمحرَّمات لا يجوز بدون نصٍّ كذلك.
إذا لم يكنْ للإنسانِ بيتٌ يملكُه فبإمكانِه أن يسكنَ بيتاً مستأجرا، وقد أُبيحت الإجارةُ لسدِّ حاجة النَّاس، ولو أُبِيحَ أخذُ القرض الرِّبويِّ من أجل تملُّك البيتِ سيُقال بحلِّ القرض الرِّبوي من أجل شراء سيارة أو تأسيس شركة؟ فكلُّ ذلك حاجات. وعندئذٍ لن يبقى أيُّ معنًى لتحريمِ الرِّبا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] أحمد بن فارس (المتوفى: 395هـ) معجم مقاييس اللغة، مادة خمص
أضف تعليقا