السؤال: ما رأيكم في الفتوحات الإسلامية في عهد الرَّاشدين ومن بعهدهم، هل كان لها مبررٌ شرعي؟ أم تُصنَّف في خانة الاعتداء الذي نهى الله عنه في كتابه الكريم؟
الجواب: شُرعت الحرب في الإسلام لصدِّ العدوان[1] ونصرة المظلومين[2] وتثبيت السِّلم[3]، لذلك لا يصحُّ الابتدار إليها دون المسوِّغات الشرعيَّة التي تبيحُها. لذلك لم يبادر النَّبي لحرب قط، وكانت كلُّ حروبه إما دفاعا عن النفس كما حصل في بدر وأحد والخندق، وإما هجوما استباقيا بعدما كان يتأكَّد من جهوزية عدوه لمهاجمته، كما حصل في خيبر وحنين وتبوك وغيرها. وأمَّا فتح مكة فهو رجوعه لبلده التي أُخرج منها، وقد دخلها النبي صلى الله عليه وسلم سلما معطيا لأهلها الأمان ومعلنا عفوا عامَّا عنهم بالرُّغم ممِّا ألمَّ به بسبب أفعالهم، وكان ذلك سابقة تاريخيَّة كانت مصدر إلهام لكثير من الاتِّفاقات الدُّوليَّة الحديثة[4].
وقد كانت الفتوحات في عهد الرَّاشدين استكمالا للفتوحات في العهد النَّبوي، ذلك أنَّ القوى المحيطة بالجزيرة العربية (فارس والروم) ما كانت لتسكت عن نشوء دولة قويَّة للمسلمين تنهي نفوذهم فيها، فاستمرار حالة الحرب أدَّى بالمسلمين لفتح العراق وفارس، وقد كان ذلك امتدادا لفتح كافة مناطق الجزيرة العربية واليمن التي كانت أجزاء كبيرة منها خاضعة لنفوذ كسرى الفارسي، الذي لم يكن ليرضى عن ذلك. أمَّا فتح الشام فكان امتدادا لمعركتي مؤتة واليرموك اللتين منعتا محاولات الرُّوم التَّوغُّل في الجزيرة العربية، حيث تواصلت ارتدادت تلك المعركتين واستمرت حالة الحرب قائمة إلى أن استقرت الأمور بفتح تلك البلدان.
ويُمكن أن يُنظر إلى الفتوحات بعد الرَّاشدين على أنَّها مواجهة لتبعات الفتوحات السَّابقة، وذلك أنَّ حالة الحرب ظلَّت قائمة وبقيت محاولات الرُّوم قائمة لاسترداد ما خسروه في غرب أسيا وشمال أفريقيا ما استدعى مواصلة الفتوحات في تلك المناطق.
لكنَّه يمكن أن يوجَّه النَّقد لتلك الفتوحات من جهة عدم كونها على شاكلة الفتوحات في زمن الرَّاشدين إذ كانت تأخذ طابع التَّوسع الامبراطوري، وللإنصاف لا يمكن القول إنها كانت مجردة عن قيم الإسلام بل روعي فيها الكثير من أحكامه، لكن شاب بعض تلك التوسعات حبُّ الدُّنيا، لذلك نجد الأقاليم التي تمَّ فتحها في عصر النَّبي والرَّاشدين أقاليم ذات طابع إسلامي إلى يومنا هذا، بينما الأقاليم التي تمَّ فتحُها بالقوة بعد ذلك كإسبانيا وشرق أوروبا لم تكتسب ذات الطابع، مِّما يشيرُ عمليَّا إلى اختلاف آليات الفتح وقيمه بعد عصر الرَّاشدين.
على كل حال فإن الفتوحات كلَّها لا يمكن أن تُقرأ بمعزل عن الظروف السياسية القائمة في ذلك الوقت، فلم يكن هناك دولٌ بحدود متوافق عليها عالميا كما هو الحال الآن، فكان من شأن كلِّ قوة ناشئة أن تتوسَّع بقدر ما تستطيع، لذلك كانت الخرائط تتغيَّر بشكلٍ مستمر، وكان ذلك مقبولا في أعراف البشر آنذاك.
ويجدرُ بالذِّكر أنَّ الحرب لم تكن مع سكان البلدان المفتوحة بل كانت مع قوى الاحتلال الأجنبي، كحال الفتوحات في بلاد الشام ومصر وشمال أفريقيا حيث كانت تلك المناطق تحت سيطرة الروم، وكحال العراق الذي كان تحت السيطرة الفارسية، لذلك يمكننا القول أن تلك الفتوحات حررت الشعوب من سيطرة القوى الأجنبية، وهذا ما يُفسِّر سرعة قبولهم الإسلام بل والقيام بمهمة نشره وتبليغه.
فلو كانت الفتوحات الإسلامية في شمال أفريقيا وغرب ووسط آسيا احتلالا قمعيا فكيف نتصور قبول سكان تلك البلاد للإسلام؟ وكيف يمكن تفسير حملهم لرسالة الإسلام وتبليغها للنَّاس ؟ فهل يمكن أن تقبل الشعوب ديانة حملها إليهم أناسٌ قتلة لا رحمة عندهم كما يحاول أعداء الاسلام أن يصوروه؟ فهذا غير ممكن طبعا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] قال الله تعالى {وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (البقرة، 190)
[2] قال الله تعالى {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} (النساء، 75)
[3] قال الله تعالى {وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْخَائِنِينَ} (الأنفال، 58)
[4] ومثال ذلك اتفاقية جنيف وهي عبارة عن أربع اتفاقيات دولية تمت صياغة الأولى منها في1864 وأخيرتها في 1949 تتناول حماية حقوق الإنسان الأساسية في حالة الحرب، أي طريقة الاعتناء بالجرحى والمرضى وأسرى الحرب، وحماية المدنيين الموجودين في ساحة المعركة أو في منطقة محتلة إلى آخره. انظر الموسوعة الحرة، ويكيبيديا
اهلا وسهلا بحضرتك سيد جمال نجم وعندى سؤال حول فتح القسطنطينية ولقد سمعت ان الامبراطور كان يرسل الهدايا والاموال للسلطان محمد الفاتح وكان يريد السلام لكن السلطان الفاتح هو من بدأ بالحرب أليس هذا يخالف القرآن الكريم والاحاديث النبوية الشريفة ان المسلمين لا يعتدوا أبداً على أحد طلب الامان والسلام ارجوا من حضرتك الرد و التوضيح من فضلك سيد جمال نجم وشكرا جزيلا لحضرتك
أهلا بك أخي الكريم
فتح القسطنطينية ما هو إلا حلقة من سلسلة طويلة من النزاع بين الدولتين العثمانية والبيزيطينية، حيث امتدت الحروب بينهما قرون طويلة كان يتخللها أوقات من السلم وتبادل الهدايا لكن سرعان ما كانت تنقلب الأمور إلى حالة الحرب، ولا يمكننا الوقوف على السبب المباشر لفتح القسطنطينية، لكنه عرف عن السلطان الفاتح مراعاته لأحكام الشريعة في الفتح، وهذا ما يفسر سرعة تقبل السكان للإسلام ، ومن تبقى منهم على دينه كان له الخيار بين الانتقال إلى حيث يريد وبين البقاء في المدينة دون المساس بعقيدته وحريته في العبادة، وقد ترك لهم السلطان العديد من الكنائس ليقيموا فيها شعائرهم الدينية، وما زال هناك الكثير منها قائما إلى يومنا هذا.
شكرا جزيلا لحضرتك سيد جمال وعندى سؤال اخر واسف على ازعاج حضرتك لقد قرأت مقال يقول من اسباب قتال المسلمين للكفار هو بسبب منعهم للمسلمين من نشر دينهم, أو إيصال هذا الدين للغير. هل معقول ان يكون هذا السبب مسبب لقيام حرب لنفرض ان دعاه مسلمين ذهبوا لبلد كافر وهذا البلد رفض بكل احترام الدعوة ومنعوهم من دعوه الناس وقالوا لنا دين ولكم دين وطبعا لم يلمس فيهم احد من الدعاه وهنا سيد جمال هل نقاتل هؤلاء القوم رغم انهم عاملوا الدعاه بكل احترام لكن منعوهم فقط من دعوه الناس للاسلام هل من المعقول ان يكون المنع فقط سبب في قيام حرب وقتال ودماء كيف هذا والاسلام دين سلام وحب ارجوا من حضرتك الرد لان هذا الموضوع يسبب لى مشكله كبيره جدا وشكرا جزيلا لحضرتك واسف مجددا على الازعاج
العفو أخي الكريم
لا يصح إعلان الحرب على قوم إلا إذا ارتكبوا واحدا من ثلاثة أو أكثر:
1_ أن يقاتلوا المسلمين
2_ أن يخرجوا المسلمين من ديارهم
3_ أن يساندو من يخرج المسلمين من ديارهم.
هذه هي مبررات شن الحرب في الإسلام، وهي مذكورة في قوله تعالى:
﴿لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ [الممتحنة: 8-9]
والآية التالية تعطي وضوحا أكبر للموضوع:
﴿أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُمْ بَدَءُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾ [التوبة: 13]
إن مقاتلة غير المقاتلين هو اعتداء كما نصت عليه آيات الكتاب العزيز:
﴿وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ﴾ [البقرة: 190]
ولا يوجد غير ما ذكرنا يصلح أن يكون سببا لإعلان الحرب، كمنع الدعاة المسلمين من نشر الإسلام في ديار غير المسلمين، ذلك أن نشر الإسلام لا يكون بالضرورة بالطريقة التقليدية بأن يذهب جموع من الدعاة ليدعوا الناس إلى الإسلام، وإنما يكون بالتلاقي والتفاعل التجاري والثقافي والسياحي وغير ذلك من وسائل التواصل والتعارف بين الشعوب، وقد كان للتجار المسلمين الدور الأكبر في نشر الإسلام في العالم لا سيما في شرق آسيا، حيث دخلت شعوب كثيرة في الإسلام بجهود التجار المسلمين.
شكرا جزيلا لحضرتك جداً جداً جداً سيد جمال نجم وقد ارتحت جداً وهذا ما كنت اظنه والحمد لله لان فعلاً الإسلام دين سلام ورحمة وشكرا لك مجددا سيد جمال وشكرا على رحابه وسعه صدرك وارجو من حضرتك نشر مقال معنى الجهاد واهدافه والاستعانه بدلائل من القرآن الكريم والاحاديث النبوية الشريفة وشكرا جزيلا لحضرتك سيد جمال نجم
السؤال
لقد قرأت ان في (غزوة بدر) أمر الرسول بصناديد الكفر فسحبوا إلى بئر وألقوا فيها. و قد وجدت شيئا في نفسي من هذا الفعل. لما لم يدفنوا و لم تحترم حرمة اجسادهم؟ الإسلام دين تسامح و بعد موت الكفار زال شرهم. لماذا قام الرسول بمعاملة جثثهم بتلك الطريقة؟
لا يمكن إثبات ذلك
السؤال
قرأت في كتب السيرة قال ابن هشام : ويقال : إن زيد بن حارثة وعمار بن ياسر ، قتلا معاوية بن المغيرة بعد حمراء الأسد ، كان لجأ إلى عثمان بن عفان فاستأمن له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمَّنه ، على أنه إن وجد بعد ثلاث قتل ، فأقام بعد ثلاث وتوارى فبعثهما النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال : إنكما ستجدانه بموضع كذا وكذا ، فوجداه فقتلاه . أرى ان رواية مقتل معاوية بن المغيرة تتعارض مع أخلاق الرسول وتتهمه بالغدر بعد ان اعطى الأمان ارجو الرد من فضلك
هذه الرواية وأمثالها افتريت على النبي صلى الله عليه وسلم لنزع صفة النبوة عنه، ولذلك يجدر بالمسلم أن لا يصدق هذه الروايات