أ.د عبد العزيز بايندر
نحاول في هذه المقالة القصيرة بيان متى تحرمُ الرَّبيبة على زوج أمِّها، ولماذا اشترطت الآية الدُّخول بأمِّها لتحقيق المحرميَّة، بينما خلا شرط الدُّخول بخصوص تحريم ابن الزوج.
يقول الله تعالى {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ}(النساء، 23)
الرّبيبة هي بنت الزّوجة، وقوله تعالى {اللاتي في حجوركم} هو وصفٌ لازمٌ لها، إذ تدخلُ في حجر زوج أمُّها فلا يمنعها من الدُّخول في بيت خصَّصه لأمِّها لقوله تعالى: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ …} (النور 61) فلا حرج في الدخول إلى بيت الأمِّ، ومقتضى رفع الحرج حرية الدخول وأن لا يعترض عليها أحدٌ في ذلك.
الحجور جمع حجر، وهو المنع، لأنَّ الأزواج ممنوعون بهذه الآية من صدِّ ربائبهم عن بيوتهم التي أسكنوا فيها أُمَّهُنَّ.
متى يكون هذا البيتُ بيتَ أمِّ الرَّبيبة؟
قال الله تعالى في نهاية الآية 61 من سورة النُّور المذكورة آنفا: {كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُون} (النور 61) وفي هذا الجزء من الآية يكلِّفنا الله تعالى بالبحث عن الآية أو الآيات التي يُبيِّنها بهذه الآية، وهذا منهج الذين يعقلون.. وبعد البحث وجدنا أنَّ الله تعالى يقول في المطلَّقات: {أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ …} (الطلاق، 6)
إذا طلق الرَّجل زوجتَه قبل الدُّخول فليس عليها العدَّة. وذلك بأنَّ الله تعالى قال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا} (الأحزاب : 49) ومن الملاحظ أنّه لم يذكر لها حقَّا بالبقاء في بيت زوجها، على العكس ممَّا لو كان طلَّقها بعد الدخول.
والآية التَّالية تبيِّن ما يجب على الزَّوج تجاه زوجته التي طلقها بعد الدُّخول: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا} (الطلاق، 1) وهنا وجدنا أنَّ الله تعالى يصف البيوت التي تعتدُّ فيها المطلقات بعد الدُّخول بأنَّها بيوتهنَّ، وهذا الوصف خلا عند ذكر المطلَّقة قبل الدُّخول.
فبيَّن الله تعالى في هذه الآيات أنَّ بيت الزَّوج لا يكون بيتا للزَّوجة قبل الدُّخول، فأصبحت “حجوركم” المذكورة في قوله سبحانه وتعالى : {وَرَبَائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} (النساء، 23) مبيَّنة واضحة. فكلمة “حجوركم” ليست بمعنى حُجراتكم (بيوتكم)؛ لأنّ الحجور جمع حجر بمعنى الممنوع منه بتحريمه، وعليه يكون المقصود بقوله: {اللاتي في حجوركم} أي اللاتي يحرم عليكم صدهنَّ ومنعهنَّ من دخول بيوتكم التي أسكنتم فيها أُمَّهاتهنَّ. ذلك بأنَّ الله تعالى قال: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِن بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبَائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَاتِكُمْ …} (النور، 61) ولو أقمنا العلاقة بين كلمة “حرج” الواردة في هذه الآية وبين كلمة “حجوركم” في آية النساء، لوجدنا أنهما تخدمان هدفا واحدا؛ ألا هو تمكين الرَّبيبة من الدُّخول إلى بيت أمِّها وأنه يحرم صدّها عنه من طرف زوج أمِّها أو غيره.
لا تحرم بنت الزَّوجة التي وصفها الله تعالى بالرَّبيبة على زوج أمِّها إلا بعد الدُّخول بأمِّها؛ لأنَّ بيته الذي أسكن فيه أمَّها لا يصبح بيتها إلا بعد الدُّخول بها، فتحريم الله تعالى الرَّبيبةَ عليه بعد الدُّخول جعلها كإبنته في حجره، فيسهل عليها حينئذ دخولها البيت ومبيتها فيه. ولذلك لا يُشترط أن تعيش الرَّبيبةُ في بيت زوج أمَّها لتصبح محرَّمة عليه بعد الدُّخول. فالرَّبائب كلُّهن محرمات على أزواج أمِّهاتهنَّ بعد الدُّخول بالأمَّهات. ولم يبق أيّ حجَّة لمن تمسَّك باشتراط أن تعيشَ الرَّبيبةُ في بيت زوج أمِّها كي تكون محرَّمة عليه بالزَّعْمِ أنَّ {اللاتي في حجوركم} قيدٌ بمنزلة الشَّرط فيلزم تحريمها عليه أن تكون في بيته.
وما يوضح المسألة أكثر أنَّ ابن الزَّوج يصبح محرَّما على زوجة أبيه بمجرد عقد الزَّواج عليها، ولا يُشترط الدُّخول لتثبيت المحرميَّة، لأنّ البيت هو للزَّوج أصلا، فلا يؤثر الدُّخول أو عدمه، لذلك وجدنا الله تعالى يقول: {وَلَا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا} (النساء، 22) وبموجب الآية تثبت المحرميَّة بمجرد العقد.
من الملاحَظ أنَّ علَّة التَّحريم في حالتي “الرَّبيبة على زوج أمها” “وابن الزَّوج على زوجة أبيه” هو إبقاء الباب مفتوحا أمام صلة الأرحام، وإغلاق الأبواب دون قطعها، فكان من الضَّروري أنَّ تُحرَّم زوجة الأب بمجرد العقد عليها، حتى لا يكون زمنٌ يتعذَّر على الولد زيارة أبيه، لكنَّ تلك الضَّرورة لا تظهر بحقِّ الرَّبيبة إلا بعد الدُّخول، لأنّ أمَّها تنتقل إلى بيت زوجها ويصبح البيت بيتها، ومن حقِّ الرَّبيبة حينئذ زيارة أمِّها متى شاءت. وقوله تعالى في وصف الرَّبيبة “اللاتي حجوركم” جاء للدَّلالة على تمتُّعها الدَّائم بهذا الحقِّ كأنَّها أحدُ أفراد البيت.
وقف السليمانية
مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
أضف تعليقا