السؤال: أنا مسلم أعيش في الولايات المتحدة الأمريكيَّة، وقد استدعيت للخدمة العسكريَّة في أفغانستان، وهناك يقوم الجيش الأمريكي بعمليَّات ضد جماعات معادية لأمريكا، وكثيرٌ من هؤلاء مسلمون، حيث يُقتلون في مواجهة الجيش الأمريكي. فهل يجوز لي المشاركة مع جيش بلادي الذي يقاتل في بلاد المسلمين؟ أم عليَّ الامتناع وتحمُّل العواقب بعد ذلك؟
الجواب: المسلم مكلَّف بالالتزام بتعاليم الله تعالى أينما حلَّ وارتحل، كما أنَّه مكلَّف باختيار مكان سكناه الذي يجعله قادرا على الالتزام بتعاليم دينه، لذلك تقرن الآيات بين عبادة الله تعالى وكون أرضه واسعة، وذلك لمنع التَّذرِّع بعدم القدرة على الإتيان بأوامر الله بسبب العيش في وسط معاد لدين الله الحقِّ، كما جاء في قوله تعالى:
{يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَاعْبُدُونِ} (العنكبوت، 56)
{قُلْ يَاعِبَادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ، وَأَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةٌ، إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} (الزمر، 10)
بناء على ذلك لا يجوز تلبية دعوة الجيش الأمريكي لقتال المسلمين، أو قتال غير المسلمين إن كانت حربا ظالمة، فعلى المسلم أن يستنكف عن المشاركة ويتحمَّل العواقب، فإن كانت العواقب وخيمة لا يحتملها فليهاجر إلى بلد يمكنه العيش فيه كمسلم ملتزم بتعاليم دينه، وفي هذا يقول الله تعالى:
{إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا. إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا. فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا. وَمَنْ يُهَاجِرْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يَجِدْ فِي الْأَرْضِ مُرَاغَمًا كَثِيرًا وَسَعَةً وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (النساء، 100)
الآيات السَّابقة بيَّنت أنَّ التَّعذر بالاستضعاف لتبرير التَّقصير في جنب الله تعالى مرفوض، ذلك أنَّ أرض الله واسعة فيمكنه الانتقال إلى أي بلد يعيش فيه بحريَّة وكرامة، وهذا ما فعله النَّبيُّ صلى الله عليه وسلَّم لمَّا أمر الضُّعفاء من أصحابه بالهجرة إلى الحبشة، لأنّ فيها ملكا لا يظلم عنده أحد، ثمَّ بالهجرة الجماعيَّة إلى المدينة.
وقد استثنت الآيات أولئك الذين لا يجدون حيلة للانتقال إلى بلد آخر، بسبب ضعفهم؛ كأن يكونوا صغارا أو فقراء لا يملكون نفقة السَّفر، فهؤلاء عسى الله أن يعفو عنهم. وهذا الاستثناء لا ينطبق بحال على من يُستدعَون للخدمة في الجيش؛ لأنهم لا يُتصوَّر منهم الضَّعف.
ثم اختتمت الآيات بطمأنة من ترك بلاده مهاجرا في سبيل الله بأنَّه سيلاقي السَّعة بعد المشقَّة، وهذا عاجل بشرى المؤمنين. وإن مات فقد وقع أجره على الله تعالى.
أضف تعليقا