ذكر عزير (عزرا) في القرآن الكريم
ذُكر عزيز في القرآن الكريم مرة واحدة في الآية التالية:
{وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ} (التوبة ،9/30)
وبحسب طريقة القرآن في شرح بعضه بعضا فإن الآية المحكمة في المسألة لا بد أن يكون هناك آية أو آيات أخرى تفصِّلها، وفي هذا يقول الله تعالى:
{الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِير. أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا اللَّهَ إِنَّنِي لَكُمْ مِنْهُ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} (هود، 11/ 1-2)
وإذا انطلقنا في فهم الموضوع من هذه الأصول سيظهر لنا أن الآية 259 من سورة البقرة وكذلك الآيات المتعلقة من سورة الإسراء تعطيان تفاصيل إضافية عن هوية عزير:
{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة، 2/259).
هناك مشابهة كبيرة بين الآية السابقة وبين ما أوردته التوراة عن عزير، ويمكننا أن نورد هذا التشابه بالنقاط التالية:
1_ القرية الخاوية على عروشها
إذا قابلنا الآية 259 من سورة البقرة مع الآيات المتعلقة من سورة الإسراء فإنه من السهولة الفهم أن المكان المهدم الخاوي على عروشه هو القدس وأن المسجد الذي سيدخله الفاتحون هو مسجد بيت المقدس. والجدول التالي يوضح ذلك:
الآية المتعلقة بالموضوع من سورة الاسراء | الآية 259 من سورة البقرة تتحدث عما رآه الرجل |
وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَاعَلَوْا تَتْبِيرًا | أَوْ كالَّذي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا |
أرسل الملك كورش عزيرا عليه السلام لإعادة بناء بيت المقدس لذا كان الملك محل ثقته، لكن عزيرا اصطدم بمعارضة خليفة كورش؛ الملك أَرْتَحْشَسْتَا الأول، وقد دفعه ذلك إلى اليأس والقنوط من إعادة بناء المدينة وبيتها المقدس قائلا كما أورده القرآن الكريم: “قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا”؟
2- موت عزير ( عزرا ) وإحياؤه بعد مائة سنة
عندما وقع عزير رهينة اليأس أماته الله تعالى مئة عام ثم بعثه: {فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ}
إن المئة سنة المفقودة من تاريخ عزير عليه السلام قد أظهرت الآية 259 من سورة البقرة أنها الفترة التي قضاها ميتا إلى أن أحياه الله مرة أُخرى، وبذلك يتضح لنا على وجه اليقين ان عزرا المذكور في التوراة هو عزير الذي ورد ذكره في القرآن، وبذلك تنغلق الحلقة المفرغة حوله.
3- كون عزير (عزرا) معجزةً
هذه الآية تعلّمنا كون عزير عليه السلام مثل عيسى عليه السلام ذا شخصيّةٍ معجزوية. وليكون عزير معجزة فكان لا بد مِن وجود مَن يعرفونه حينما عاد إلى القدس بعد مائة عام ليشهدوا على معجزته، ونحميا الذي وظّف لبناء القدس هو أهمّ شخصٍ سيشهد على ذلك. وفي مصادرنا تُحكى حكاية متعلقة بعزير عليه السلام كما يلي: عن ابن عباس قالوا: لمّا أحيا الله عزيرا بعد ما أماته مائة سنة ركب حماره حتّى أتى محلّته فأنكره الناس وأنكر الناس وأنكر منازله، فانطلق على وهم منه حتّى أتى منزله فإذا بعجوز عمياء مقعدة قد أتى عليها مائة وعشرون سنة كانت أمة لهم فخرج عنهم عزير وهي بنت عشرين سنة كانت عرفته وكفلته فلما أصابها الكبر أصابها الزمانة فقال لها عزير: يا هذه أهذا منزل عزير؟
قالت: نعم هذا منزل عزير وبكت وقالت: ما رأيت أحدا من كذا وكذا سنة يذكر عزيرا وقد نسيه الناس، قال: فإنّي أنا عزير.
قالت: سبحان الله إنّ عزيرا قد فقدناه من مائة سنة فلم نسمع بذكره.
قال: فإنّي أنا عزير كان الله عزّ وجلّ أماتني مائة سنة ثم بعثني.
قالت: فإنّ عزيرا كان مستجاب الدعوة يدعو للمريض وصاحب البلاء بالعافية والشفاء، فادع الله حتّى يردّ عليّ بصري حتّى أراك فإنّ كنت عزيرا عرفتك، قال: فدعا ربّه ومسح يده على عينيها ففتحت وأخذ بيدها وقال: قومي بإذن الله، فأطلق الله عزّ وجلّ رجليها فقامت صحيحة بإذن الله كأنّها نشطت من عقال، فنظرت فقالت: أشهد إنّك عزير، فانطلقت إلى محلة بني إسرائيل وهم في أنديتهم ومجالسهم، وابن لعزير شيخ ابن مائة سنة وثمانية عشر سنة وبني بنيه شيوخ في المجلس فنادت: هذا عزير قد جاءكم، فكذّبوها.
فقالت: أنا فلانة مولاتكم[1] دعا لي ربّه عزّ وجلّ فردّ عليّ بصري وأطلق رجلي وزعم إنّ الله تعالى كان أماته مائة سنة ثم بعثه.
قال: فنهض الناس فأقبلوا إليه، فقال ابنه: كانت لأبي شامة سوداء مثل الهلال بين كتفيه، فكشف عن كتفيه فإذا هو عزير[2].
كان عزير مثل عيسى عليهما السلام ذا شخصيّة معجزويّةٍ، عيسى عليه السلام ولد من غير أبٍ وكان آيةً ومعجزةً للناس من هذه الجهة[3]، وعزير عليه السلام أماته الله تعالى مائة عام ثمّ أحياه وجعله للناس معجزةً[4]، ولم يستخدم وصف المعجزة في القرآن لأيّ إنسانٍ في غير هذين النّبيين.
للمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (هوية عزير عليه السلام) على الرابط التالي http://www.hablullah.com/?p=2915
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] أي خادمتكم، ومولى من كلمات الأضاد حيث تطلق على السيد والخادم
[2] الكشف والبيان عن تفسير القرآن، الثعلبي، أبو إسحاق (المتوفى: 427هـ) دار إحياء التراث العربي، بيروت – لبنان الطبعة: الأولى 1422، هـ – 2002 م ، 2/249
[3] انظر سورة مريم 19/21
[4] انظر سورة البقرة 2/ 259
أضف تعليقا