السؤال: منذ فترة يشغل بالي سؤال: جاء سيدنا محمد خاتما للرسالات السماوية ولتصحيح الخلل وتوضيح مواضع الشك وتخفيف بعض الأحكام. فهل ما لم يتمّ تخفيفه أو حذفه من الرّسالات التي سبقت الإسلام يجب علينا فعله أيضا؟
الجواب: القرآن الكريم هو النسخة الأخيرة المصدقة التي احتوت كل ما أنزل الله على رسله، ففيه الذكر الموجود في الكتب السابقة المعروف منها وغير المعروف. قال الله تعالى:
{شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ} (الشورى، 13)
لم يكن نبيُّنا صلى الله عليه وسلم بِدعا من الرُّسل، بل جاء بما يصدِّق رسالة الله المنزلة على الأنبياء من قبلُ؛ تتميما لمهمَّة الأنبياء وتأكيدا على ما جاؤوا به من الذِّكر، يقول الله تعالى بلسان نبيِّه الخاتم:
{هَذَا ذِكْرُ مَنْ مَعِيَ وَذِكْرُ مَنْ قَبْلِي بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْحَقَّ فَهُمْ مُعْرِضُونَ} (الأنبياء، 24)
وبما أنَّ القرآن مصدِّقٌ لما أنزل الله على النَّبيِّين كان الشَّريعة المعتمدة المطلوب تنفيذها، وبناء على ذلك فإنَّ المؤمن بالقرآن غير مكلَّف بتفحُّص الكتب السَّابقة والعمل بمقتضاها، حتى إنه لا يُطلب _على وجه الأمر_ من المؤمن قراءتها، ولا يعني ذلك عدم جواز قراءتها، بل يعني أنَّ المطلوب تنفيذ ما ورد في القرآن، ذلك أنَّ تنفيذ ما فيه يعني تنفيذ ما ورد في الكتب السَّابقة ضمنا؛ لأنّه صدَّقها جميعا.
ولا عجب إن علمتَ أنَّه ما من نبيٍّ إلا قد أوصى قومه باتباع خاتم النبيِّين والعمل بالكتاب الذي سينزل إليه[1]، يقول الله تعالى:
{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ} (آل عمران،81)
والآيةُ التَّالية تبيِّن تبشيرَ المسيح عليه السلام بخاتم النَّبيِّين:
{وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَابَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ} (الصف، 6) ثمَّ عطف بعد ذلك بقوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} (الصف، 9).
فالقرآن الكريم هو آخر الكتب نزولا، وهو خلاصة ما أنزل الله من الوحي على الأنبياء جميعا، وقد أنزله الله تعالى مصدقا لكل الكتب التي سبقته ومهيمنا عليها جميعا، كما دلَّ عليه قولُه سبحانه:
{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ} (المائدة، 48).
لذا كان البشر مكلفين بالإيمان به والعمل بمقتضاه، فلا يستقيم إيمان امرئ رضي بغيره مع قيام حجته عليه، وقد خاطب الله تعالى جميع الناس ليؤمنوا به بقوله سبحانه:
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمْ بُرْهَانٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُبِينًا. فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُوا بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} (النساء، 174_175)
وللمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة جمال نجم (موقف القرآن من الكتب السابقة)، على الرابط التَّالي http://www.hablullah.com/?p=2500
ــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر _مثلا_ مقالة أ.د راغب السرجاني (البشارة برسول الله في كتب الهندوس) على الرابط http://www.hablullah.com/?p=1271
السلام عليكم
أشرككم على ردكم
ولكن ما زال لي استفسار إذا سمحتم لي:
القرآن بالفعل متمم لما قبله من الرسالات، وجاءت به أحكام مفصلة نسخت ما قبلها. والسؤال: إذا لم يذكر القرآن تفصيلا لعبادةٍ ما مثل كيفية حساب الزكاه أو كيفية الطهاره من النجاسه ولكنه ذكرهما كما لو كانت الطريقه معروفه بالفعل على خلاف الوضوء مثلا الذي شُرح بالتفصيل أو الصيام. هل يعني ذلك أن نتبع ما جاء في الكتب السابقه في بيان ما لم يتم بيانه إفصاحا في القرآن؟
جزاكم الله كل خير على إيضاح ذلك
وعليكم السلام ورحمة الله
لم يوجِّهنا القرآن للرجوع إلى الكتب السَّابقة في حال أشكل علينا فهم آية من آياته، وإنما وجهنا إلى البحث عن المتشابه لما أشكل علينا، فإنَّ جمع الآيات المتشابهات والتدبُّر فيها هو الحل للوصول إلى الحكم الصحيح، أي الحكمة، وقد ضربت الطهارة والزكاة كمثالين على ما لم يتم تفصيله في القرآن، وهذا تصور خاطئ، والحقيقة أنَّه لا يُطلب من المسلم أن يقوم بغير ما جاءت به الآيات ذات العلاقة بالطَّهارة، حيث إن مبنى المسألة بسيط لا يحتاج إلى التَّعقيدات التي تملأ صفحات كتب الفقه.
أما الزكاة وأحكامها فيمكن استخرجها جميعا من الآيات عن طريق تفسير القرآن بالقرآن، وما يتمُّ التَّوصل إليه بهذه الطريقة تعززه الرِّوايات من السُّنَّة، حيث إنِّها (السُّنَّة) التَّطبيق العمليُّ لأحكام الكتاب، وهو معنى كون الرسول أسوة حسنة، ومقتضى ذلك متابعتُه في فهم القرآن والعمل به.
انظري مثلا مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (المستند القرآني في مقادير الصدقة) على الرابط التالي
http://www.hablullah.com/?p=3093