الجمعة والحج والقرآن
الأستاذ الشيخ: جودت سعيد
في كل يوم جمعة، هناك درس أسبوعي مستمر للمسلمين جميعاً في مشارق الأرض ومغاربها، هذا اليوم، يوم عيد أسبوعي، يلتقي فيه المسلمون وقد تطهروا وتطيبوا، ويذهبون إلى ذكر الله، (إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله) [الجمعة 9].
صلاة الجمعة هي من الركائز الأساسية لبقاء الإسلام، لكننا نحن الذين نخطب ونوجه المسلمين لا يزال علمنا قليلاً ولا نرتقي لمستوى هذه المؤسسة، إن مؤسسة صلاة الجمعة، قادرة على تثقيف المسلمين لو تمت الاستفادة منها بالشكل المناسب.
هذا الدرس الأسبوعي مستمر بلا عطلة، لا صيفاً ولا شتاء، وإنما تعليم أسبوعي مستمر دائماً أبداً. حيثما اجتمع عدد من المسلمين فإن عليهم أن يقيموا هذه الركيزة في هذا اليوم المبارك ليسمعوا ذكر الله، ويضيف القرآن ويقول: (..وذروا البيع) ذروا التجارة وذروا الزراعة.
تحدثت في مقال سابق عن أهمية العبادات وعن الدور العلمي السنني[1] لها، وكيف أنها حافظت على كيان المسلمين رغم أنهم فقدوا الرشد وضيعوا العلم.
يقص القرآن علينا قصة إبراهيم عليه السلام لما كان يبني الكعبة قبل 4,000 سنة ومعه إسماعيل، في واد غير ذي زرع، فيقول: (وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل، ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم، ربنا واجعلنا مسلمين لك ومن ذريتنا أمة مسلمة لك، وأرنا مناسكنا، وتب علينا، إنك أنت التواب الرحيم) [البقرة 721 ـ 821]..
ويناجي إبراهيم ربه: (ربنا إني أسكنت من ذريتي بواد غير ذي زرع عند بيتك المحرم، ربنا ليقيموا الصلاة، فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم) [إبراهيم 73]، يدعو ربه أن يجعل هذا المكان مركزاً للحج، الذي أصبح ركيزة أساسية من ركائز الإسلام.
المؤرخ الأمريكي لوثروبستودارد اعتبر في (كتابه حاضر العالم الإسلامي) أن ما حافظ على المسلمين هو الحج إلى بيت الله الحرام، لكن إبراهيم يعرف أن العبادات وحدها لا تكفي، لذلك نراه يختم دعاءه بقوله: (ربنا وابعث فيهم رسولاً منهم يتلو عليهم آياتك ويعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم) [البقرة 921]، إنه يدعو الله أن يبعث في هؤلاء الناس من يعلمهم الكتاب ويزكيهم، ويحمل الأمانة ويعلمهم كيف يحملونها.
وهذا ما ختمت به مقالي السابق حين دعوت الله أن يبعث لنا [علماء] حتى يكشفوا لنا ديننا من جديد..
وما أريد أن أختم به اليوم هو هذا “القرآن”، إنَّه شيء عجيب، كتابٌ لا تنقضي عجائبه، وقوةٌ عظيمة وثروة مجانية موجودة بكلِّ اللغات وفي كلِّ بيت وكلِّ جهاز هاتف وكلِّ كمبيوتر، وكلُّ ما نحتاجه هو أن لا نتخذه مهجورا، أن نبعث فيه الحياة، إنَّه مثل الوعاء الذي يجب أن نضع فيه الشَّراب، المسلمون يحفظون الكلمات، لكن يجب إحياء هذه الكلمات.
تدبُّر القرآن هو أفضل أَشكال ذكر لله، لكنَّنا إلى الآن لم نكتشف سرَّ هذا الكتاب، المجتمعُ القرآنيُّ لم يظهر بعد، لذلك كثيراً ما أقول إنَّ القرآن كأنَّه لم ينزل بعدُ من السَّماء.. لقد نزلت حروفُه.. لكنَّ المعاني ما تزال غائبة عن عقولنا، وما نزال عاجزين عن الإحساس بهذه العظمة وهذه القوة.
فماذا نقول؟ (ألا بذكر الله تطمئن القلوب). اللهم ارزقنا العلم والعمل والقلوب المطمئنة.
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع حبل الله www.hablullah.com
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] المقالة بعنوان (الدَّور السُّنني للعبادات) على الرابط التالي http://www.hablullah.com/?p=3359
صدقت