السؤال: ما رأيكم في الاختلاط بين الرِّجال والنِّساء في أماكن العمل والتَّعليم خاصَّة؟
الجواب: تواجد الرِّجال والنِّساء في مكان واحد هو أمرٌ طبيعي، لذا لا ينبغي تعمد الفصل بينهم، وقد كانت النِّساء زمن النَّبي صلَّى الله عليه وسلم يحضرن الصلوات في مسجده، ويستمعن دروس العلم، ويخرجن إلى السُّوق، ويشاركن في الغزو. والفصلُ التَّام بين الرِّجال والنِّساء في أماكن العمل والدِّراسة والتَّسوق وغيرها من الأماكن غير مطلوب شرعا، وهو تكلُّفٌ ينتج عنه مشاكل اجتماعيَّة ونفسيَّة كثيرة.
المهمُّ هو مراعاة الأخلاق التي أمر الله تعالى بها النِّساء والرِّجال عندما يلتقوا في مكان واحد. ومن هذه الأخلاق ما يلي:
1_ تجنُّب الخلوة، وهي أن يكون رجل وامرأة أجنبيَّة عنه في مكان يأمنان فيه من أن يراهما أحدٌ من النَّاس، والخلوة محرمةٌ؛ لأنَّها تفتح طريقا للشَّيطان. قال الله تعالى {وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَا إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} (الإسراء، 32) والآية لم تنه عن الزِّنا فقط، بل نهت عن الاقتراب منه، والخلوةُ أكثرُ ما يقرِّبُ إليه، وعلى ضوء هذه الآية ورد تحذير النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلم من الخلوة بقوله: (لا يخلون أحدُكم بامرأة، فإنَّ الشَّيطان ثالثُهما)[1]
2_ الغضُّ من البصر، لقوله تعالى {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ. وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (النور 30_31). والـ (من) في قوله تعالى {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} تبعيضيَّة، وتفيد بأن المطلوب غضُّ بعض البصر وليس كلَّه؛ والبعضُ المقصود هو النَّظر بشهوة، بدلالة الاقتران في قوله تعالى مباشرة {ويحفظوا فروجهم}. وقد ربطت الآية بين غضِّ البصر وبين حفظ الفرج، لأنّ العين سفير القلب، والقلبُ صاحب القرار، فإن امتلأ بإشارات العين دفع بصاحبه للمحظور، لذلك أمرت الآية بالغضِّ من البصر لتنقطع الإشارة عن القلب فيبقى الإنسان حينها تحت سيطرة العقل.
3_ التزام المرأة بزيِّها الشَّرعي أمام الأجانب من الرِّجال، والأجنبيُّ هو كلُّ رجل لا مانع شرعا من الزَّواج منه، وذلك لقوله تعالى {وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} (النور،31) وقد وصفت الآية المرأة بأنَّها زينةٌ لا يصحُّ أن يظهر منها على الأجانب إلا ما تدعو الحاجةُ إليه، وهما الوجه والكفَّان؛ لأنَّ الوجه مظنَّة التَّعارف، وإلزام المرأة بتغطيته فيه تعتيمٌ على هويَّتها وتشويشٌ على بصرها. أمَّا الكفَّان فللزومهما في كلِّ وقت. ويؤيد هذا المعنى قوله تعالى {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} (الأحزاب، 59)
4_ أن تجتنب المرأة الحركات المثيرة، لقوله تعالى {وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} (النور،31)، والضَّربُ بالرِّجل يُقصد به المشْيُ المتكسِّر، وكلُّ ما يشبهه من حركات وتصرُّفات تقصد المرأةُ من خلالها الإنباء عمَّا تخفيه من زينة جسدها، فتثير غرائز من يراها من الرِّجال.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] مسند أحمد، باب مسند عمر، رقم الحديث 114، ورواه ابن حبان في صحيحه (7254) ، والبيهقي 7 / 91، والترمذي (2165) ، وابن أبي عاصم في ” السنة ” (88) و (897) ، والبزار (166) ، والنسائي في ” الكبرى ” (9225) والحاكم 1 / 113 وصححه على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي.
أضف تعليقا