السؤال: قرأنا على موقعكم موضوعا باسم الولاية في النكاح، ولعلنا أسأنا الفهم أو لم نستوعب وجهة نظركم، هل يعدُّ الزَّواج باطلا بدون إشراف الولي؟ إذا كان الحكم كذلك فكيف لم يذكر صراحة في كتاب الله، وحاشا أن يكون ناقصا، وكيف نوفِّق بين حديث “لا نكاح إلا بولى” وحديث المرأة التي أجاز الرسول أن تفسخ العقد أو تبقى عليه حين أجبرها وليُّها على النكاح؟
الجواب: نصَّ القرآن الكريم على دور الولي في الإشراف على النِّكاح في الآيتين التاليتين:
{وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ، ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ، ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة، 232)
{وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ} (النساء، 26).
وإذن الولي مقيَّدٌ بالمعروف كما دلَّت عليه الآيتان السَّابقتان، وهو ما يمنع الأولياء من التَّعسف في استخدام هذا الحقّ. وتشريعُ دور الوليِّ في النِّكاح موافق للفطرة من جهتين:
الأولى: في إشراف الوليِّ على نكاح ابنته أو قريبته طمأنينة له على مصيرها، فإنَّ زواجها من غير مشورته فيه إنكار لدوره في تربيتها واهتمامه بها.
الثَّاني: في إشراف الوليِّ على النَّكاح تأكيد على مكانة المرأة في قومها وأنَّها ليست محلَّا لانتهاك حقوقها أو انتقاصها، وهذا ما يعزِّز مكانتها عند زوجها وقومه.
يُفهم من الآيتين أنَّ للولي حقَّ الإشراف على النِّكاح، وإلا لما كان لعضله معنى، كما يُفهم أنَّه يجوز له العضل (المنع) إذا تيقَّن عدم صلاحيَّة الخاطب لابنته كأن يكون فاسقا أو غير كفؤ بدلالة قوله تعالى {إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ} أي الخاطب والمخطوبة، وليس من المعروف أن ترضى بفاسق أو غير كفؤ.
وحديث النبي الذي يشترط الوليَّ في النِّكاح موافق لمقتضى الآيتين السَّابقتين. فإذنُ الأولياء في النِّكاح مُعتبر، لكنَّه مُقيَّد بالمعروف، أي بما يحقِّق المصلحة للمرأة، فلا يصحُّ أن يُتخذ سبيلا للقهر والتَّسلط، لذلك إذا رفض أولياء المرأة تزويجها لمن تريد دون وجه حقِّ، فلها أن تلجأ إلى السُّلطان (القضاء) فيزِّوجُها، وزواجها عندئذ صحيح، وفي ذلك يقول النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم:
«أيُّما امرأةٍ نكحت بغير إذن مَواليها فنِكاحها باطلٌ، ثلاثَ مراتٍ. فإنْ دَخَلَ بها فالمَهرُ لها بما أَصاب منها، فإنْ تَشاجَروا فالسُلطانُ وَلِيُّ مَن لا وَلِيَّ له”[1].
والمقصودون بقوله عليه الصلاة والسلام (فإنْ تَشاجَروا) أي المرأة وأولياؤها، وعندها ينوب السلطان عن الأولياء في تزويجها.
إذا أجبر الولي المرأة على نكاح من لا تريد فلها حقُّ الفسخ؛ لأنَّ ما يترتَّب على الإكراه من العقود فيصحُّ فيه الفسخ إلا إذا أمضاه المكرَه برضاه بعد زوال حالة الإكراه عنه، وهو ما تفيده الرِّوايتان التَّاليتان:
“عن خَنْساءَ بنتِ خِذامٍ الأنصاريّةِ أنَّ أباها زَوَّجَها وهي ثَيِّبٌ فكَرِهَتْ ذلك، فجاءَت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم فذَكَرَتْ له فرَدَّ عليها نكاحَ أبيها”[2]
وعن عائشةَ أنَّ فتاةً دَخَلتْ عليها فقالت: «إنَّ أبي زَوَّجني ابنَ أخيه ليَرفَعَ بي خَسِيستَه وأنا كارهة»، قالت: «اجلِسي حتى يأتيَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم، فجاء رسولُ الله صلى الله عليه وسلم فأَخبَرتْه، فأرسلَ إلى أبيها فدَعاه، فجَعَلَ الأمرَ إليها، فقالت: «يا رسولَ الله! قد أَجَزْتُ ما صَنَعَ أبي، ولكنْ أردتُّ أَنْ تَعْلَمَ النِّسَاءُ أَنْ لَيْسَ إِلَى الْآبَاءِ مِنْ الْأَمْرِ شَيْءٌ»[3].
ولا تعارض بين حديث “لا نكاح إلا بوليٍّ” وبين حديث المرأة التي أجاز النَّبيُّ أن تفسخ العقد أو تُبقى عليه حين أجبرها وليُّها على النِّكاح، لأنَّ الحديث الأول يقرِّر دور الوليِّ في الإشراف على النِّكاح الذي أشارت إليه الآيتان السَّابقتان، أمَّا الحديث الثَّاني فمنسجمٌ مع قاعدة حقِّ فسخ العقود المبنيِّة على الإكراه؛ ذلك أنَّ العقود التي تُبنى على الإكراه تقع باطلة في الصُّورة لا في الأساس، لذلك يصحُّ فيها الجبر، حيث يتوقَّف نفاذُها على رضى المكره بعد زوال حالة الإكراه عنه. وإلا فإنَّ له حقَّ الفسخ.
ولمزيد من المعلومات حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة أ.د عبد العزيز بايندر (الولاية في النِّكاح) على هذا الرابط http://www.hablullah.com/?p=1462
ــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سنن أبي داود، النكاح، باب 20 رقم 2083؛ الترمذي، النكاح، باب 14 رقم 1102؛ ابن ماجه، النكاح، باب 15 رقم 1879؛ مسند أحمد 6/66.
[2] . ابن ماجه، النكاح باب 12 رقم 1873 ؛ النسائي، النكاح، باب 35. سنن أبي داود، النكاح، باب 26 رقم 2101.
[3] النسائي، النكاح، باب 36 ؛ ابن ماجه، النكاح، باب 12 رقم 1874؛ سنن أبي داود، النكاح، باب 26 رقم 2096؛ مسند أحمد 4/136.
السلام عليكم.. الرجاء أن تبينوا لي هل الزواج نصيب كتبه الله تعالى على الإنسان؟ وهل الذي أو التي لا تتزوج يكون نصيبها كما يقال ذلك، أي لم يكتب لها او له الله الزواج. بمعنى آخر فهمت أن الإنسان مخير في كل أفعاله ومسؤول عنها فهل هو مسير في الزواج؟ . وهل إذا تزوج أحد شخصا ما فهو المكتوب له أم هو اختاره؟ أرجو توضيح هذا الإشكال عندي .وشكرا
وعليكم السلام ورحمة الله
أرجو النظر في الفتوى (هل الزوجان قدر مكتوب لبعضهما قبل أن يولدا) على الرابط التالي، ففيها الجواب إن شاء الله تعالى
https://www.hablullah.com/?p=2536