السؤال: ما التَّشبُّه المنهيُّ عنه في الإسلام؟ وما تأثير النِّيَّة في موضوع التَّشبُّه؟ وهل تشجيعي وحبِّي _مثلا_ للاعب كرة قدم غير مسلم يعرِّضُني إلى خطرٍ في عقيدتي؟
الجواب: نهى النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم عن تشبُّه الرِّجال بالنِّساء أو العكس، ومعنى التشبه أن يتعمَّد أحدُ الجنسين أن يتقلَّد الصِّفات الخاصَّة بالجنس الآخر، كأن يلبس لباسه الخاصّ أو يتصرَّف بتصرُّفاته الخاصَّة.
قال الله تعالى: {وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ، لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ، وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ، إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا} (النساء، 32) وقال أيضا: {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ} (النساء، 34)
يُفهم من الآيتين أنَّ الله فضَّل الرِّجال في بعض النَّواحي كتفضيله إيَّاهم بالقوَّة، كما فضَّل النِّساء في نواحٍ أُخرى كتفضيله إيَّاهنَّ بالزِّينة، وتشبُّه الرِّجال بالنِّساء أو النِّساء بالرِّجال يدخل في معنى تمنِّي ما فضَّل الله به بعضَهم على بعض، وهو منهيٌّ عنه في الآية.
ويقول الله تعالى في حقِّ إبليس: {لَعَنَهُ اللَّهُ وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيبًا مَفْرُوضًا. وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ، وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا} (النساء 118-119)
إنَّ تشبُّه الرَّجل بالمرأة أو العكس يدخل في المعنى الواسع لتغيير خلق الله المذكور في الآية، كما أنَّه تنكُّر للطَّبيعة التي خُلق عليها وتعبيرٌ عن عدم رضا المتشبِّه بما خلقه الله تعالى عليه.
أمَّا نهي نبيِّنا عن التَّشبُّه بالكفَّار (فيما يتعلَّق بكفرهم)، فوجهُه أنَّ التَّشبُّه يعكس حالة من الرِّضا والمحبَّة تجاه المشبَّه بهم، وهذا لا يليق بمسلم من المفترض أن تكون محبتُّه للمؤمنين، حيث يقول الله تعالى:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍ، ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (المائدة، 54)
وقوله تعالى {أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} يتنافى مع التَّشبه الذي يعكس حالة الانبهار بهم وتعظيمهم.
والجدير ذكره أنَّ المنهيَّ عنه في التَّشبُّه بالكفار هو كلُّ ما يتعلَّق بكفرهم، كإقامة شعائرهم أو الاحتفال بأعيادهم أو لبس لباسهم الدِّيني أو تعليق شعاراتهم الدِّينية كالصَّليب ونحوه، أمَّا التشبه بغير المسلم فيما لا يتعلَّق بالدِّين فلا يدخل تحت إطار الحظر، كالتَّشبُّه بلاعب كرة قدم من حيث لباسه أو طريقة لعبه، فهذه أمور دنيويَّة لا اختلاف بين النَّاس فيها.
أمّا النَّيَّة فهي غير معتبرة في الأفعال المحرَّمة، فإنَّ الفعل المحرَّم يبقى محرَّما حتى لو زُعم فيه حسنُ النية، ألا ترى لو سرق بنيِّة إطعام الفقراء _مثلا_ فإنَّه يعدُّ سارقا، وكذا لو شرب الخمرة ليس بنيِّة العصيان فإنَّه يُعدُّ شاربا، وهكذا. لكنَّ النِّيَّة معتبرةٌ في الأعمال الصَّالحة؛ لأنَّها الفيصلُ بين ما كان مقصودا لوجه الله تعالى وبين ما كان مقصودا به غيره أو أنَّه جرى على سبيل العادة.
أضف تعليقا