السُّؤال: سمعت خطيب الجمعة يقول إنَّ شارب الخمر لا تُقبل له صلاةٌ أربعين يوما، وقد استدلَّ بحديثٍ يؤكِّد ما ذهب إليه، فهل هذا يعني أنَّ شارب الخمر إذا أراد التَّوبة فعليه أن ينتظر أربعين يوما ليبدأ بالصَّلاة؟
الجواب: حرَّم الله تعالى شُرْب الخمر، بل إنَّه أمر باجتنابها، ويشمل ذلك صنعها والمتاجرة بها وتقديمها. والخمرُ كلُّ ما خامر العقل وذهب به بغض النِّظر عن جنسه وتسميته، يقول الله تعالى:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} (المائدة 91)
بناء على هذه الآية فإن شارب الخمر آثمٌ أشدَّ الإثم، وهو مطالبٌ بالكفِّ عنها والتَّوبة ما دام معاقرا لها، لكنَّه مع ذلك مطالبٌ بكلِّ ما أمره الله تعالى به، ومن ذلك الصَّلاة، لأنَّها كتاب موقوتٌ تجب على مَن شهد الوقت وعاينه، ولم يُذكر في كتاب الله استثاءٌ واحد، فلا رخصة لأحد في تركها، كما أنَّه لا يُحال بينها وبين من وجبت عليه بحجَّة فعله معصية، ذلك أنَّ الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر.
وقد وضع القرآن معيارا خاصَّا بشارب الخمر، وهو عدم جواز أن يُباشر الصَّلاة وهو في حالة السُّكر، بل ينتظرُ حتى يتمكَّن من القيام بأركانها مدركا ما يفعلُ وما يقول، كما جاء في قوله تعالى:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} (النساء 43)
أمَّا حديث ابن عمر الذي رواه البغوي وغيرُه فهو كما يلي:
عن ابْن عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:: «مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَإِنْ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَإِنْ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةُ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَإِنْ تَابَ، تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، فَإِنْ عَادَ الرَّابِعَةَ، لَمْ تُقْبَلْ لَهُ صَلاةٌ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، فَإِنْ تَابَ، لَمْ يَتُبِ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَكَانَ حَقًّا عَلَى اللَّهِ أَنْ يُسْقِيَهُ مِنْ طِينَةِ الْخَبَالِ»، قَالُوا: يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ، وَمَا طِينَةُ الْخَبَالِ؟ قَالَ: «صَدِيدُ أَهْلِ النَّارِ»[1].
ولو قرأنا هذا الرِّواية على ضوء الآية السَّابقة لبان عوارُها ونكارةُ متنها، فالآية واضحة الدَّلالة على أنَّ شارب الخمر مطالبٌ بالصَّلاة في وقتها، لكنَّه لا يصلِّي وهو في حالة السُّكر، أمَّا الرِّواية فتمنعه من الصَّلاة أربعين يوما، وهذا مخالفٌ للآية السَّابقة، كما أنَّه مخالف لقوله تعالى: {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ، إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ} (العنكبوت 45) فبدلا من حضِّه على التَّوجه إلى الصَّلاة لعلَّها تنهاه عن شرب الخمر، تمنعه الرِّوايةُ منها وكأنَّها تتركه للشَّيطان.
للمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة جمال نجم (الخمر: حقيقته وحكمه وعقوبته) على الرَّابط التَّالي http://www.hablullah.com/?p=2053
ـــــــــــــــــــــــــــــ
[1] رواه البغوي في شرح السُّنَّة، باب وعيد شارب الخمر، برقم 3016 ، وقال هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ. وقد رجَّح التِّرمذي وقفه على ابن عمر، وقد ورد بروايات أخرى متشابهة بالمعنى، وكلها معلولة بالانقطاع والضعف.