السؤال: هل عقوبة السَّرقة في الإسلام قطع اليد بالمعنى الفعلي، أم يحتمل التَّفسير معنى آخر للقطع مثل حبس السَّارق ومنعه من السَّرقة؟ فإذا كان الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم طبَّق عقوبة السَّرقة بالمعنى الفعلي في بداية الإسلام للحدِّ من السَّرقة بما يتناسب مع المجتمع في ذلك الوقت، حيث كان قطع اليد متعارفا عليه في الجاهلية، فهل يمكن الأخذ بالمعنى المعنوي للقطع بحبس السَّارق وعدم تمكين يده من السَّرقة؟ والرِّواية في سنن النَّسائي تقول إنَّ صفوان بن أميَّة أشفق على لصٍّ سرق رداءه، وقال ما كنت أريد أن تُقطع يدُه في ردائي، فقال له الرَّسول: فلو ما قبل هذا؟. فهل يمكن قبول هذه الرِّواية بالرُّغم من أنَّها تُظهر صفوان أرحم بالسَّارق من النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلم ؟
الجواب: يقول الله تعالى {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ. فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
ترد كلمة القطع في القرآن الكريم بمعان متعدَّدة، لكنَّ الظَّاهر أنَّ معنى القطع الوارد في الآية السَّابقة هو القطع المادِّي المعروف (البتر)، وذلك للأسباب التّالية:
1_ لأنَّ الله تعالى قال بعد الأمر بالقطع: (جزاء بما كسبا) والجزاء لا يُطلق إلا على عقوبة محدَّدة منصوص عليها، ولم يُذكر في هذه الآية أو غيرها من الآيات سوى القطع.
2_ ثمَّ وصف الجزاء بأنَّه (نكالا)، وهو بدلٌ من الجزاء، والنَّكال هو العذاب الشَّديد، ولا يُطلق هذا اللفظ إلا على عذاب مذكور، ولا عذاب مذكور في الآية سوى القطع. ولو افترضنا أن الله تعالى فوّض وليَّ الأمر بتقدير عقوبة تمنع السَّارق من مواصلة السَّرقة لما صحَّ وصف ما سيوقعه بأنَّه نكال من الله.
3_ وقوله (من الله) متعلِّقان بمحذوف صفة لــ «نكالا»، وهذا يمنع أنَّه قصد غير ما ذُكر في الآية من القطع، لأنَّه سبحانه هو مَن نصَّ على العقوبة ولم يتركها لتقدير البشر، فصحَّ أن يُطلق عليها أنَّها (من الله)
4_ في آخر الآية يصف اللهُ نفسَه بقوله (وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، وهما وصفان يُنبئان عن تشريع لا يصدُره سوى الله تعالى المتَّصف بهاتين الصّفتين.
3_ جاء بعدها مباشرة {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (النور 40) ومفهوم الآية “أن لا قرابة بين الله وبين أحد من خلقه توجب المحاباة، والحدود تقام على كل من يقارف موجب الحد، وله _سبحانه_ أن يحكم بما يريد، ويفعل ما يشاء، لأنَّه مالك الملك، فيعذب من يشاء بعدله، ويغفر لمن يشاء بجوده وكرمه”. فلا يحقُّ لعبد من عبيده الاعتراض على حكمه والاستدراك على قضائه. فهذا هو حكم الله في السَّارق، وهو نافذ إلى قيام السَّاعة، وليس مرتبطا بزمن التَّنزيل، والنَّاس ممتحنون بقبول حكم الله تعالى في القديم والحديث. يقول الله تعالى:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ، وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} (الأحزاب 36)
أمَّا قولُك فهل يمكن أن يكون صفوان أرحم بالسَّارق من النَّبيِّ؟، فهذه القصة ليست في مجال المقارنة في مسألة الرَّحمة، بل يصحُّ أن تكون مقارنة في مسألة تطبيق أمر الله تعالى، ولا شكَّ أنَّ نبيَّنا الكريم هو الأحرص في هذه المسألة خصوصا إذا علمنا تأخُّر إسلام صفوان.