السؤال: قد قرأت فتواكم التي تفيد بأنَّه ليس على الزَّوجة أن تطيع زوجها. فأريد أن أعرف رأيكم عن هذه الألفاظ القرآنية في الآية 34 من سورة النِّساء، لأنَّ كثيرا من النَّاس يستدلون بها على وجوب طاعة الزَّوجة: لزوجها، كما يلي:
أ_ قانتات (فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله)، أليس القانت في اللغة هو المطيع؟ أعرف أن اللفظ يحتمل الطَّاعة لله تعالى، لكن أليس موضوع هذه الآية الكريمة هو التّعامل الزَّوجي؟ أليس الظاهر أنَّ المقصود بالقانتات هنا هنَّ المطيعات لأزواجهن وليس المطيعات لله؟
ب_ أطعنكم (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) أليس هذا دليلا على طاعتها الزَّوج؟ أم المقصود هنا طاعتها لأمر زوجها بترك النشوز؟
ت_ من المفسِّرين من يذهب إلى أنَّ القوامة تعني حق إصدار الأمر.
الجواب: التَّساؤلات الواردة أعلاه متعلِّقة بفتوى (طاعة الزَّوجة لزوجها)[1]
أ_ القنوت بمعنى الطاعة، لكنها لا تستعمل في لغة العرب إلا في الطاعة لله تعالى، وليس كما ذكرت أنها محتملة. يقول الزَّجَّاج: “المَشْهُور في اللغة أَنّ القُنُوتَ (الدُّعَاءُ)، وَحَقِيقَةُ القانِتِ، أَنه القائم بأَمْرِ الله، فالدَّاعِي إِذا كانَ قائِماً خُصَّ بأَنْ يُقَال له : قَانتٌ ؛ لأَنَّهُ ذاكِرٌ لله وهو قائمٌ على رِجْلَيْه، فحقيقةُ القُنُوتِ : العِبَادَةُ والدُّعَاءُ لله عزّ وجَلّ في حالِ القِيَام، ويَجُوزُ أَن يَقَع في سائِرِ الطّاعَة”[2]
فالقانتة هي التي تقنت لله ورسوله وتعمل صالحا، وليس التي تطيع زوجها، وكذلك القانت من الرِّجال. قال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ..} [الأحزاب : 35] فهل يمكن أن يُقال بأنَّ القانتين هم المطيعون لزوجاتهم؟!.
ب_ أمَّا قوله تعالى (فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلَا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً) فهو يفيد طاعة الزَّوجة الناشز لطلب زوجها ترك النُّشوز والعودة إلى سابق العهد من المودة وحسن العشرة، ذلك أنَّ الطَّاعة في العربية تعني: قبول شيء من القلب وتنفيذه، وضدُّها الإكراه. والمطاوعة بين الأزواج مطلوبة لدوام الحياة، وكلُّ ذلك مقيَّد بالمعروف لا بإطلاقه، فلا طاعة مطلقة لمخلوق على مخلوق.
وبحسب القرآن فإنَّ المطلوب هو المعاشرة بين الزَّوجين بالمعروف (النساء 19، البقرة 228) ، ومن صور المعروف أن يراعي كلٌ منهما حاجات الآخر، وأن يعمل جهده في إسعاد شريكه.. وهذا يقتضي المطاوعة بينهما، ألا ترى أنَّ المرأة لو طلبت من زوجها شيئا ولبَّى لها طلبها كان مطيعا لها فيما أمرت؟ وكذلك الزَّوج لـمَّا يطلب من زوجته شيئا فتلبِّيه تكون مطيعة له، وهذا من جملة المعاشرة بالمعروف.
ما رفضناه بالفتوى التي أشرتَ إليها في سؤالك هو إيجاب الفقهاء طَّاعة الزَّوجة لزوجها بإطلاق وتصوير ذلك أنَّه من الدِّين وأنَّ عصيان الزَّوج كأنَّه عصيانٌ لله تعالى.. فهذا التَّنظير الفقهي مرفوضٌ بما سقناه من أدلَّة في الفتوى.
ت_ قوله تعالى {الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ…} (النساء، 34) فليس في الآية ما يوجب الطَّاعة المطلقة للزَّوج، لأنَّ القوامة مصطلح خاصٌّ يبيِّن موقع الرَّجل في الأسرة، ويتحدَّد من خلاله واجبات الرَّجل والتزاماته تجاه أسرته، فالدَّرجة المذكورة في الآية هي القوامة، لأنَّ الرَّجل هو المبادر لإقامة الحياة الزَّوجيَّة، كما أنَّه القائم عليها بتوفير المسكن والنَّفقة والحماية. ولو كانت القوامة تعني حقَّ إصدار الأمر لـما صحَّ أن تصدر الزَّوجة لزوجها أيَّ أمر، وهذا لم يقل به أحد.
وعلى أيِّ حال لا يُفهم من قوامة الرَّجل تسلُّطه على المرأة أو وجوب إذعانها له، وإنما تبقى العلاقة بينهما كما قررَّتها الآيات في جو من السَّكن والمودَّة والرَّحمة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر الفتوى على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=3251
[2] الزبيدي، تاج العروس، مادة قنت، 5/45