السُّؤال: كم هي مدَّة أرضاع الطفل بحسب القرآن الكريم؟ نفهم من الآية 233 من سورة البقرة أنَّ مدَّة الإرضاع سنتان، بينما تشير الآية 15 من سورة الأحقاف أنَّ مدّة الإرضاع 21 شهرا، فكيف يمكن فهم الآيتين مجتمعتين.
الجواب: تمام الإرضاع هو سنتان قمريَّتان كاملتان، وهو نصُّ الآية 233 من سورة البقرة:
{وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ} ( البقرة 233)
أما الآية 15 من سورة الأحقاف فتشير أيضا إلى أنَّ تمام مدَّة الإرضاع سنتان:
{وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً قَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحًا تَرْضَاهُ وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} (الأحقاف 15)
بحسب الآية 190 من سورة الأعراف فإنَّ الحمل ينقسم إلى فترتين[1]:
الأولى: وهي الحمل الخفيف، الذي يمتدُّ من بداية الحمل حتى نهاية الشَّهر الثَّالث، والجنينُ في هذه الفترة لا يوصف بأنَّه إنسان، لأنَّ الروح لم تُنفخ فيه بعد، يقول الله تعالى:
{وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ. ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ. ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ، فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ} (المؤمنون 12- 14)
وقوله تعالى (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ) يدلُّ على أنَّ الجنين قبل نفخ الرُّوح فيه لم يكن سوى كتلة حيَّة لا تختلف في جوهرها عن أجنَّة الحيوانات الأخرى.
الثاني: الحمل الثَّقيل، ويبدأ منذ نفخ الرُّوح في الجنين، ويكون قد بقي له في رحم أمِّه 6 أشهر، وقد سُمِّي بالثَّقيل لأنَّ الجنين يبدأ بالحركة والنُّمو السَّريع ممِّا يثقل حركةَ أمِّه.
إن آية الأحقاف تتحدَّث عن تعب الأمِّ في حمل الإنسان وإرضاعه، ولا يوصف الجنين بأنَّه إنسان إلا عند نفخ الرُّوح فيه بدلالة قوله تعالى (ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ). وهذه الفترة تمتد 6 أشهر. وعليه يكون الحساب كما يلي:
30- 6 = 24، وهي مدَّة الإرضاع التي نصَّ الله تعالى عليها في الآية 233 من سورة البقرة.
وأخيرا لا بدَّ من التَّنبيه أنَّ إتمام الإرضاع ليس واجبا متعيَّنا، لذا فإنْ رأى الزَّوجان _بعد تشاورهما_ إرضاعَ الطِّفل أقلَّ من سنتين فلهما ذلك، كما بيَّنه قولُه تعالى:
{فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا (فطام الطفل) عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} ( البقرة 233)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الآية هي قوله تعالى {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا فَلَمَّا تَغَشَّاهَا حَمَلَتْ حَمْلًا خَفِيفًا فَمَرَّتْ بِهِ فَلَمَّا أَثْقَلَتْ دَعَوَا اللَّهَ رَبَّهُمَا لَئِنْ آتَيْتَنَا صَالِحًا لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ} ( الأعراف 189)