السؤال: يذكر المفسِّرون أنَّ سليمان عليه السلام قد ذبح الخيل وقطع أرجلها لأنَّها ألهته عن ذكر الله تعالى، فهل هذا التَّفسير صحيح؟، وإن كان صحيحا فما ذنب الخيل حتى لاقت كلَّ هذا التَّقتيل من سليمان عليه السلام، أليس هذا التصرف من قبيل إلقاء التَّقصير على الغير، سيما أنه لا يعقل، وغير مكلف. فما قولكم في هذه المسألة؟
الجواب: يقول الله تعالى:
{وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ. إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ. فَقَالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ. رُدُّوهَا عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ} (ص 30 -33)
تذكر كتب التفسير أنَّ سليمان عليه السَّلام قد نسي صلاة العصر بسبب انشغاله بالخيل لـمَّا عُرضت عليه، ولـمَّا تذكَّر أمرَ بالخيل أن تُردَّ إليه، فذهب يقطع أعناقها وأرجلها[1].
يقول ابن كثير في تفسيره: “وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة حدثنا إبراهيم بن موسى حدثنا ابن أبي زائدة أخبرني إسرائيل عن سعيد بن مسروق عن إبراهيم التيمي قال: كانت الخيل التي شغلت سليمان، عليه الصلاة والسلام عشرين ألف فرس، فعقرها، وهذا أشبه والله أعلم”.
كما ترى فإنَّ ابن كثير اعتمد هذه الرِّواية كأساسٍ في فهم الآية، بل وجعل الآية تابعة للرِّواية تماشيا مع منهج تفسير الآية بالرِّواية سواء أكانت منسوبة إلى النَّبيِّ أو الصَّحابة أو التَّابعين أو تابعيهم حتى لو كانت الرِّواية لا تحتمل الصَّحة أصلا، لعدم اتفاقها مع نصِّ الآية وروحها.
والحقُّ أنَّه لا يوجد في الآية ما يشير إلى ما ذهبوا إليه من قريب أو بعيد، ذلك أنَّه لم يُذكر قطع للرُّؤوس أو الأرجل، بل ذُكر المسحُ عليها، وهو التَّربيت على الخيل الذي يُسكِّنها ويجعلها أليفة. كما أنَّه لا يوجد في الآية ما يؤيِّد قولهم بأنَّ سليمان قد نسي الصَّلاة بسبب الخيل، بل الآيةُ تنصُّ على أنَّ الخيل ذكَّرته بإنعام الله عليه وجعلته يذكر الله تعالى حتَّى توارت عنه، فلـمَّا توارات أراد أن يستحضر إنعام الله عليه مرة أخرى فأمر بردِّها عليه، ليعود إلى الذِّكر، وهو معنى وصفه بأنَّه أواب، أي ما يفتر عن الذِّكر حتى يعود إليه. ولأنَّها ذكرته مرة أخرى طفق يمسح على أعناقها وأرجلها.
ويمكنُ تفسير الآية كما يلي:
وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ (مدحه لكونه عبدا لا يفتر عن الذِّكر حتى يعود إليه)
إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الْجِيَادُ. (وهي الخيول)
فَقَالَ (سليمان): “إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ. رُدُّوهَا عَلَيَّ” (هذا كلُّه قول سليمان، حيث يبرِّر حبَّه للخير بأنَّه يذكِّره بربه المنعم، فلمَّا توارت الخيل عن ناظره أمر بردِّها عليه).
فَطَفِقَ (سليمان) مَسْحًا بِالسُّوقِ وَالْأَعْنَاقِ. (أي بدأ يمسح على أعناقها وسوقها تربيتا عليها لأنَّها ذكَّرته بربِّه).
ــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر _على سبيل المثال_ تفسير ابن كثير على الآية 30 من سورة ص