السؤال: خلال السَّنوات السَّابقة استدنت من صديق لي ما مجموعه 3000 ليرة تركيَّة، وقد تيسَّر لي الآن أن أسدِّد ما عليَّ من دَين إلى صديقي، لكنَّ العملة التُّركيَّة انخفضت قيمتها كثيرا منذ أن اقترضت منه أول مرَّة، فهل يجب عليَّ سداد ذات المبلغ، أم يجب عليَّ سداد الدَّين بحسب قيمته الشِّرائية عند الاقتراض؟
الجواب: المعتبر في وفاء الدُّيون الثَّابتة في الذِّمَّة بعملةٍ ما هي أن تُقضى بالقيمة لتحقيق المماثلة؛ لأنَّ الدُّيون تُقضى بأمثالها، ولا مِعيارَ لها إلا القوةُ الشِّرائيَّة، فيجب ربط الدُّيون الثَّابتة في الذِّمة أيَّا كان مصدرها بمستوى الأسعار. ولا عبرة بالفتوى السائدة القاضية بضرورة تسليم الدُّيون بذات الرَّقم من نفس العملة[1]، لأنَّ ذلك على خلاف الحقِّ كما سيظهر.
ونستدلُّ على صحَّة وضرورة تقدير الدُّيون الثَّابتة بالعملة الورقيَّة بقوتها الشِّرائية (بقيمتها) بما يلي :
أ- يقول الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ} (النساء، 29)
فالمَدين الذي قضى دينه دون اعتبار الانخفاض في القدرة الشِّرائية للعملة يكون قد أكل مال الدَّائن بالباطل بقدر ما انخفض من قيمة تلك العُلمة، ويكون بذلك قد ظلم دائنه.
ب- ويقول أيضا: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ} (البقرة، 279)
لا تظلِمون (بأخذ الزِّيادة) ولا تُظلَمون (بالمطل والنُّقصان). إنَّ الطريق الوحيد لقضاء الدُّيون الثَّابتة بالعملات الورقيَّة دون زيادة أو نقصان هو النَّظر إلى قيمة العملة الورقيَّة المُستَدان بها، فتتحقَّق حينئذٍ المماثلةُ بين قيمة الدّين عند الاستدانة وقيمته عند السَّداد. ومن هنا وَجَب أن يُقرَّر ربطُ معاملات الأوراق النَّقدية بالقوَّة الشِّرائيَّة التي تمثِّلها وليس بالرَّقم المكتوب عليها، وعندئذ يُحال دون المظالم التي تُرتكب بواسطتها إلى حد كبير.
ت- قول النبي صلى الله عليه وسلم: “لا ضرر ولا ضِرار”، فإنَّ وفاء الدَّين بالمبلغ المُستَدان ذاتِه على الرُّغم من انخفاض القوَّة الشِّرائيَّة للعُملة يضرُّ الدَّائن .
ث- دليل المصلحة : إنَّ سداد القرض بالقيمة فيه مصلحةٌ عامَّة تجب رعايتها، وإلَّا فلا يقرض النَّاسُ بعضُهم بعضا. هذا من جانب، ومن جانب آخرَ فقد يحاول بعضُ المّدينين أن يؤخِّروا السداد ما أمكنهم ذلك ليستفيدوا من القيمة المفقودة للعملة بقدر أكبر. وممَّا لا شكَّ فيه أنَّ مساعدة المحتاجين بإقراضهم قروضا حسنة (لا ربويَّة) من الأعمال الخيريَّة التي يجب حثُّ النَّاس عليها لأنَّها مصلحة عامة، وأنَّ المماطلة بالدَّين دون سبب مشروع من الأعمال الضَّارة التي تجب الحيلولة دون وقوعها لكونها من المفاسد .
بناء على ما سبق يجب عليك رد القيمة التي كانت عليها 3000 ليرة عند اقتراضها، ولا يصحُّ للدَّائن المطالبة بأكثر من ذلك لأنَّه يصير ربا، وتُعرف القيمة بالنَّظر إلى نسبة التَّضخم التي تعلنها الحكومة كلَّ سنة، فإنْ كان مجموع نسبة التَّضُّخم في السَّنوات الثلاثة الماضية 30 % فإنَّها تُضاف إلى المبلغ المستدان.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] جاء في قرار مَجمَع الفقه الإسلامي رقم 4 الصادِر في سنة 1988 ما يلي : ” العبرة في وفاء الديون الثابتة بعملةٍ ما هي أن تُقضَى بأمثالها، فلا يجوز ربط الدُّيون الثَّابتة في الذِّمة أيَّا كان مصدرُها بمستوى الأسعار“.