السؤال: استقبال النَّبيِّ صلَّى الله عليه وسلَّم لبيت المقدس في صلاته هل كان بوحي من الله تعالى، أم اجتهاد منه؟، فإن كان بوحي كما يظهر من قوله تعالى: “وما جعلنا القبلة التي كنت عليها …الآية” (البقرة ١٤٣)، فأين الآية التي أُمر بها النَّبيُّ عليه الصَّلاة والسَّلام استقبال بيت المقدس.
الجواب: ذكر الله تعالى في الآيات 83- 87 من سورة الأنعام أسماء 18 نبيَّا، ثمَّ أشار إلى جميع الأنبياء بذكره آبَاءهمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَإِخْوَانهمْ، ثمَّ ذكر أنَّه آتاهم الكتاب والحكم والنُّبوَّة، وأنَّه هداهم بما آتاهم، ثمَّ أمر نبيَّنا بأن يتَّبع هداهم بقوله: {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} (الأنعام 90).
وكان من هدي الأنبياء قبله توجُّههم نحو بيت المقدس، ذلك أنَّ الأنبياء منذ داوود عليه السَّلام توجهوا في صلاتهم نحوه، ولـمَّا بُعث خاتمُ النَّبيِّين كان عليه أن يقتدي بهدي الأنبياء من قبله في توجُّهه نحو بيت المقدس كما يفهم من الآية (البقرة ١٤٣).
القبلة في الأصل هي الكعبة المشرَّفة، وهذا ممَّا يعلمُه النَّاس كلُّهم، ومن جملتهم اليهود في المدينة، وما كان تحويل القبلة إلى بيت المقدس إلا ليختبر الله تعالى اليهود والنَّصارى في اتباعهم خاتم النَّبيِّين عندما تعود القبلة إلى المسجد الحرام.
لقد صلَّى اليهود خلف نبيِّنا عند هجرته إلى المدينة حتى جاء الأمر بتحويل القبلة إلى الكعبة، عندها استنكف اليهود عن الصَّلاة خلفه، وبذلك قد فشلوا في اختبار اتِّباع خاتم النَّبيِّين. كلُّ ما سبق تلخِّصُه الآيةُ التَّالية:
{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا (بيت المقدس) إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ[1] (محمد/ القرآن) مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} (البقرة 143).
كان نبيُّنا يعلم أنَّ قبلة الأنبياء قبل داوود عليه السَّلام كانت تجاه الكعبة المشرفة، كما كان اليهود يعلمون ذلك، لذا كان يدعو الله أن تعود القبلة إليها:
{قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا، فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ (تحويل القبلة إلى المسجد الحرام) الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} (البقرة 144)
وأخيرا يمكننا القول أنَّ الوحي الذي اتَّبعه نبيُّنا في اتجاهه إلى بيت المقدس هو ما أوحاه الله تعالى إلى داوود عليه السَّلام والنَّبيِّين من بعده، وما كان لنبيِّنا أن يعود إلى القبلة الأولى (المسجد الحرام) إلا بوحي جديد ينسخ التَّشريع الذي قبله.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] كلمة رسول تأتي على معنيين؛ الأول: حامل الرسالة، الثاني: الرِّسالة (المفردات، مادة رسل)