السؤال: السلام عليكم، كنت قد قرأت مقالاتكم في موضوع العبيد والاستغلال الجنسي للجواري، ولقد أقنعني رأيكم وأراحني لأنه يتناسب مع فطرتي ومع تعاليم ديني، لكنْ عندي ثلاثة أسئلة:
الأول: جاء في الآيتين ٥ و ٦ من سورة المؤمنون: (والذين هم لفروجهم حافظون، إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين) فما المقصود بعدم حفظ الفرج على ملك اليمين؟ هل هذا قبل النكاح أم بعده؟ وإن كان بعده فكيف استدلُّ على ذلك.
الثاني :عندما تُؤسر الأسيرة في الحرب وهي متزوِّجة ماذا يكون حكمها، وكيف تُنكح في هذه الحالة ؟ أم أنَّه يبطل زواجها بالأسر؟
الثالث :في سورة النساء تحدثت الآية عن نكاح الفتيات المؤمنات بإذن أهلهن، كنت أريد أن أسال من المقصود “بأهلهن”. وكل الشكر والتقدير لجهودكم العظيمة والمباركة وأتمنى منكم الإجابة على تساؤلاتي.
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله، ويسعدنا اطلاعك على مقالاتنا في هذا الموضوع الهام، كما يسعدنا الردُّ على تساؤلاتك.
1_ يقول الله تعالى:{وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ. إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} (المؤمنون، 5_6).
ملك اليمين هنا هي الأسيرة التي تزوَّجها مالكُها، ذلك أنَّه لا يجوز للمؤمن أو المؤمنة أن يكشف عورته إلا لزوجه سواء كان حرَّا أو أسيرا، ولو جاز لملك اليمين التي لم ينكحها مالكها الظُّهور على عورته لما أمرها الله تعالى أن تستأذن عليه إن دخلت عليه في الأوقات المخصوصة المذكورة في الآية التالية:
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِيَسْتَأْذِنْكُمُ الَّذِينَ مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ وَالَّذِينَ لَمْ يَبْلُغُوا الْحُلُمَ مِنْكُمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ؛ مِنْ قَبْلِ صَلَاةِ الْفَجْرِ، وَحِينَ تَضَعُونَ ثِيَابَكُمْ مِنَ الظَّهِيرَةِ، وَمِنْ بَعْدِ صَلَاةِ الْعِشَاءِ، ثَلَاثُ عَوْرَاتٍ لَكُمْ، لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَلَا عَلَيْهِمْ جُنَاحٌ بَعْدَهُنَّ، طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلَى بَعْضٍ، كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآيَاتِ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (النور 58)
تبيِّن هذه الآية أنَّ ملك اليمين لهم حكم الأطفال بالنَّسبة لما يجوز لهم النَّظر إليه من أبدان مالكيهم، والعلَّة أنَّهم صاروا ضمن العائلة الواحدة الذين يطوف بعضُهم على بعض، وهذا لرفع الحرج عن أهل البيت الواحد وعدم تكليفهم بما يشقُّ عليهم. ولو كانت ملك اليمين كالزَّوجة في الحكم لما أُمرت بضرورة الاستئذان عند الدخول على سيِّدها في الآوقات الثَّلاثة المذكورة في الآية.
2_ أما الأسيرة فإن زواجها يبطل بالأسر، لأنَّ الأسر فاسخٌ لعقد النِّكاح بين الزَّوجين، وهذا ما تدلُّ عليه الآية التَّالية:
{وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ، وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} (النساء، 24)
وقد وردت هذه الآية في سياق ذكر النِّساء اللاتي يحرم على الرَّجل الزَّواج منهنَّ، وقد كان آخرهنَّ ذكرا المحصنات من النِّساء، أي المتزوِّجات، وقد استثنت الآية منهنَّ اللاتي وقعن في الأسر.
ونكاح الرجل الحر لملك اليمين لا يصحُّ إلا بشرطين:
الأول: عدم قدرة الرَّجل على الزَّواج من الحرَّة.
الثَّاني: أن لا يجمع بين الحرَّة والأمَة، وهذا الشَّرط مستلزم الشَّرط الأول.
يقول الله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ، فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلَا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ، فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ، ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ، وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (النساء 25)
هذه الآية تردُّ كلَّ قول يُبيح التَّسري بالجواري بدون عقد النِّكاح، لأنَّها تأمر صراحة بنكاحهنَّ في حال عدم القدرة على نكاح الحرَّة، كما أنَّ الآية تردُّ كلَّ قول يُجيز اتِّخاذ الجواري بدون عدد، لأنَّها أجازت نكاحنَّ للضَّرورة، وهي مرتفعة بواحدة، بل إنِّ الآية نصَّت على أنَّ صبره على عدم الزَّواج من ملك اليمين أولى.
3_ أما قوله تعالى في الآية أعلاه {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} (النساء 25) فالمقصود بالأهل هم مالكوهنَّ، هذا على افتراض أنّه يريد أن يتزوَّج بغير مملوكته، أمَّا إن أراد الزَّواج من مملوكته فهو صاحب الإذن. وهذه الآية نصٌّ على أنَّه لا يصحَّ معاشرة الأمَة إلا بعقد النِّكاح الصَّحيح.
وينبغي التَّنويه على أنَّ الزَّواج من الفتاة المملوكة لا يتمُّ إلا برضاها سواء كان المتقدِّم إليها مالُكها أو غيرُه، ويدفع لها المهر كما يدفعه للحرَّة، ويتمُّ الإشهاد على العقد.