السؤال: هل يقبل الله تعالى دعاء كلِّ من دعاه؟. وهل يوجد شروط معينة ليقبل الله الدُّعاء؟. ولماذا ندعوا ولا يُستجاب دعاؤنا؟ وما هو تأثير الدُّعاء في حياة الإنسان؟.
الجواب: شرع الله تعالى للمؤمن أن يدعوه، ثمَّ وعده باستجابة دعائه، ولا يُخلف الله وعده. قال الله تعالى: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ، إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} (غافر،60) وفي الآية ترغيب بالدُّعاء حيث الاستجابة، وقد وردت الآية بصيغة الشَّرط وجوابه للدَّلالة على حتمية الاستجابة. ولا شكَّ أنَّ الدُّعاء المستَجاب له شروطه وآدابه نأتي على أهمِّها تلخيصا:
1_ توحيد الله في الدُّعاء: أي أن لا يدعو الدَّاعي مع الله أحدا؛ قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} )الجن 18). وقال أيضا: {وَلَا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَنْفَعُكَ وَلَا يَضُرُّكَ، فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنَ الظَّالِمِينَ} (يونس 106) وقال أيضا: {إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ عِبَادٌ أَمْثَالُكُمْ، فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (الأعراف 194) بناء على هذه الآيات لا يصحُّ أن يدعو الدَّاعي من دون الله أحدا كالأولياء والشُّيوخ والعلماء وأرواح الشُّهداء وغير ذلك.
2 – صدق النيَّة والإخلاص في الدُّعاء. لقوله تعالى: {فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ} (غافر 14). {هُوَ الْحَيُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (غافر 65). {وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} (الأعراف 29). ويفهم من هذه الآيات أنَّ الإجابة مشروطة بالإخلاص. ومن الإخلاص استحضار عظمة المدعو سبحانه بأن يكون الدَّاعي حاضرَ القلب متفهِّماً لما يقول؛ روي عن نبيِّنا أنَّه قال: «وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَجِيبُ دُعَاءً مِنْ قَلْبٍ غَافِلٍ لاَهٍ »[1].
3 – أن يكون الدَّاعي متَّصفا بالتَّقوى، أي واقيا نفسه من انتهاك حرمات الله وعاملا في مرضاته سبحانه، قال تعالى: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ} (التوبة: 27)، فكلما كان العبد أقرب إلى ربَّه كان مستجاب الدَّعوة. ومن التَّقوى إطابة المطعم: أي الحرص على الكسب الحلال؛ وقد جاء في الحديث: «إنَّ اللهَ طَيِّبٌ لا يَقبل إلَّا طَيِّباً. ثمَّ ذَكَرَ الرَّجلَ يُطيل السَّفَرَ أشعث أغبر يمدُّ يديه إلى السَّماء: يا رب، يا رب. ومطعمُه حرام، ومشربُه حرام، وملبسه حرام، وغُذِّيَ بالحرام؛ فأنَّى يُستجاب لذلك»[2].
4 – عدمُ الاعتداء في الدُّعاء: قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعًا وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ} (الأعراف 55)، ومن صور الاعتداء أن يدعوا على الآخرين بالسُّوء، ويُستثنى من ذلك دعاء المظلوم على ظالمه. وأن يدعو لنفسه بما لا يلزمها، كأن يدعو الله تعالى أن يكون له أجنحة كالطير فيطير بها، أو أن يكون له ملئ الأرض ذهبا، وغير ذلك ممَّا يدركه المسلم بفطرته.
6_ أن يحرص على الدُّعاء في السراء والضراء، وقد نعت الآيات على الذين يدعون الله في حال شدّتهم حتى إذا نجّاهم الله تركوا الدعاء أو جعلوا له شركاء من دونه، قال الله تعالى:
{وَإِذَا مَسَّ الْإِنْسَانَ ضُرٌّ دَعَا رَبَّهُ مُنِيبًا إِلَيْهِ، ثُمَّ إِذَا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ مَا كَانَ يَدْعُو إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ، وَجَعَلَ لِلَّهِ أَنْدَادًا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ، قُلْ تَمَتَّعْ بِكُفْرِكَ قَلِيلًا، إِنَّكَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ} (الزمر 8) {وَإِذَا مَسَّ النَّاسَ ضُرٌّ دَعَوْا رَبَّهُمْ مُنِيبِينَ إِلَيْهِ، ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مِنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ بِرَبِّهِمْ يُشْرِكُونَ} (الروم 33) {فَإِذَا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} (العنكبوت 65) {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الْإِنْسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ، وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعَاءٍ عَرِيضٍ} (فصلت،51)
أما متى يستجيب الله دعاء العبد فهو راجع إليه سبحانه، قد يكون عاجلا وقد يكون آجلا، فالله تعالى يختار الأفضل لعباده. لكنَّ العبد لا يُحرم من بركة الدُّعاء، لأنَّه عبادةٌ يؤجر المرءُ إذا قاله صادقا. واعلم أنَّ الدُّعاء إذا استجمع شروطَه وآدابَه لا يُرَدّ؛ لأن الله تعالى وعد بالاستجابة كما ذكرنا أعلاه، ولكنَّ الإجابة تأتي على ثلاثة أضرب؛ فإمَّا أن يُعطَى السَّائلُ مسألته، وإمَّا أن يُرفع عنه من السُّوء مثلَها، أو يدَّخرَها الله تعالى له في الآخرة، وبهذا المعنى ورد الحديث التَّالي:
«ما من مسلم يدعو بدعوة ليس فيها إثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله بها إحدى ثلاث، إما أن يُعجِّل له دعوته وإما أن يؤخَّرها له في الآخرة، وإمَّا أن يكُفَّ عنه من الشر مثلها». قالوا: إذاً نُكْثر. قال: «الله أكثر»[3].
أمَّا فضل الدُّعاء فيتجلَّى أثره في حياة العبد بتطمين قلبه وشعوره بالعون الإلهي، ذلك أنَّ الدُّعاء نوع من الذِّكر، والله تعالى يقول: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ، أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} (الرعد 28) كما أنَّ الدُّعاء وسيلة لكشف الضُّرِّ وتحويل البلاء إلى نعمة، قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ، أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ؟ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ} (النمل 62).
وللمزيد حول الموضوع ننصح بقراءة مقالة جمال نجم (أعظم الدُّعاء) على الرابط التالي: https://www.hablullah.com/?p=1309
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] سنن الترمذي برقم 3479
[2] رواه مسلم (1015) البخاري مختصرا في “رفع اليدين” (94) ، والترمذي (2989) ، والبيهقي 3/346
[3] أخرجه التِّرمذيُّ باب انتظار الفرج وغير ذلك برقم 3573 (5/ 566)، وقال: حديث حسن صحيح، وأخرجه ابنُ أبي شيبة (6/ 22) برقم (29170)، وأحمد (3/ 18) برقم (11149) والحاكم: كتاب الدُّعاء والتكبير والتهليل والتسبيح (1/ 670) برقم (1816) وقال: صحيح الإسناد.