السؤال: كنت أخطب ابنة خالتي من أعوام عديدة، وقدمت لها شبكة حوالي 95 جرام من الذهب، ولما حدث خلاف وفسخت الخطبة رفضَ والدُها إرجاع الشَّبكة بالرغم من إحضاري إليه فتوى رسمية من الأزهر تقضي بأن الشبْكة من حقي لكنه رفض إرجاعها، وقد توفَّاه الله تعالى، وأنا غير مسامح في حقّي. فهل هذا دينٌ عليه يجب على ورثته أن يسدُّوه؟ وهل يجوز لي أن أظفر بحقي بطريقةٍ ما، كما لو أعطاني أحد ورثته قرضا فهل يجوز أن أُقدِّر حصته من الدَّين بحسب نصيبه من ميراث والده وآخذه من باب الظّفر بالحق؟ وشكرا لكم
الجواب: تأتي الخطبة في كتاب الله تعالى بمعنى تقدم الرجل لطلب الزَّواج من المرأة وعلى اتفاقهما المبدئي على الزواج، كما جاء في قوله ﴿وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ﴾ (البقرة 235)
ولكن مع مرور الزّمان واختلاف البلدان أصبح لهذه الكلمة أكثر من مفهوم، فتُطلق على الاتفاق على الزَّواج أو ما يسميه البعض (قراءة الفاتحة وتقديم الشّبْكة أو الهدية)، وأحيانًا تطلق على الوقت ما بين عقد الزَّواج إلى الزِّفاف.
فإن قُصد بها مجرد الخطبة بالاتفاق دون عقد قران، فالحكم في هذه الحالة: أنَّه لا يحق للفتاة أو وليِّها أن يتملَّكا شيئا ممَّا قدمه الخاطب من الذَّهب ويجب عليهما ردّه إليه عند فسخ الخطبة؛ حيث إنَّ حقَّ الفتاة في المهر مترتِّب على العقد وليس على الخطبة.
أما المكلّف بردِّ ما قدَّمت لها فيختلف بحسب من تملَّك هذا المال:
فإن كانت الفتاة هي التي قد حصلت على هذا الذهب فهي وحدها المُطالبة بردِّه كاملًا وهو دَين عليها، ولا شيء على بقية الورثة، ولا يحقُّ لك مطالبتهم بسداده، لقوله تعالى ﴿وَلَا تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ إِلَّا عَلَيْهَا، وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ﴾ (الأنعام 164)
أما إن كان الأب هو الذي حصل على هذا الذَّهب، فيحقُّ لك مطالبة جميع الورثة بهذا المال، ويقضونه من تركة أبيهم إن لم تُقسم بعد، لقوله تعالى ﴿مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْن﴾ (النساء 11)، أمَّا إن تمَّ تقسيمها فيجب عليهم سداده كلٌ بحسب نصيبه من الميراث.
أما عن كيفية استرداد هذا المال بعد وفاة المورث، فإمَّا أن يكون عن طريق كبار العائلة الذين يحكمون بحكم الله تعالى، أو عن طريق اللجوء للقضاء برفع دعوى على الفتاة إن كانت هي من تملك الذهب أو الورثة إن بقي الذهب في ذمة أبيهم، لكن عليك إثبات هذا الأمر وإظهار البيَّنة.
لكن اقتراحك (بأن تأخذ بعضه بطريقةٍ ما كما ذكرت) فإنَّ هذا الأمر قد يتسبَّب في وقوع عداوة وربما يخلق مشكلات كبيرة وهو أمر لا تُحمد عقباه، إلا إذا أقر هذا الوراث بحقِّك وقَبل أن يتنازل عن جزء من دين أبيه لك.
هذا بالنسبة للخطبة التي تكون بدون عقد.
أما إن قُصد بالخطبة عقد القِران دون دخول، فالحكم هنا له ثلاث حالات في كتاب الله:
الحالة الأولى: إن لم يكن هناك مهر مسمى، فعلى الرجل أن يعطي الفتاة على قدر سعته بالمعروف، أي بحسب العُرف كما جاء في قوله تعالى ﴿لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا َهُنَّ فَرِيضَةً، وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ، حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ﴾ (البقرة 236)
وإن كان هناك مهرٌ مسمَّى ففيه حالتان:
إن كان الطَّلاق برغبة الزَّوج، فإن من حقِّ هذه الفتاة أن تحصل على نصف المهر المسمى، أو أن تعفو هي أو وليُّها لقوله تعالى ﴿وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ﴾ (البقرة 237).
وإن كان الطلاق برغبة الفتاة فعليها أن تفتدي نفسها بأن تتنازل عن جزء مما آتاها ، لقوله تعالى ﴿فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ﴾ (البقرة 229).
وهنا وجب التنويه أنَّ ما يقدّمه الخاطب من الهدية لا يندرج تحت المسمَّى العام للهدية، بل هو مالٌ يقدِّمه لمخطوبته ترغيبا لها بالزَّواج منه، فهو يعدُّ من المهر معنى، لأنه قدم لغاية إتمام الزواج الذي لم يتم فعلا، لذلك لا يخضع لحكم الهدية التي اختلف الفقهاء بجواز استردادها من عدمه، وبما أنَّه كذلك كان من حقِّ الخاطب أن يسترجعه وفقا للتفاصيل التي ذكرناها.