السؤال: هناك وصية للسلطان محمد الفاتح تقضي بتعيين أشخاص صالحين لختم القرآن كلَّ يوم بعد صلاة الفجر بحيث يقوم بهذه المهمة 20 شخصا صالحا ، والنطق بكلمة التوحيد 70000 مرة، بحيث يقوم بهذه المهمة 20 شخصا صالحا، والصلاة على النبي 10000 مرة، بحيث يقوم بهذه المهمة 10 أشخاص صالحين. ويوم الجمعة يُختم القرآن من قبل 10 أشخاص، فيكون المجموع 60 ش أجر.خصا من أهل الصلاح يتم تعيينهم مقابل
الجواب: وصية المسلم لمن يليه من الناس تكون بالتزام ما أمر الله تعالى به في كتابه، وهذه وصية إرشاد وتوجيه كان يفعلها الأنبياء بمن يلونهم من الناس. يقول الله تعالى:
{وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ. إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ. وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ. أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (البقرة 130-133)
يظهر من الآيات السابقة أن إبراهيم وصى بالإسلام دينا لمن بعده، كما أن يعقوب عليه السلام وصى بنيه بالتمسك بالإسلام والدوام على عبادة الله تعالى وحده دون غيره.
فالوصية المقبولة والصحيحة هي التي توافق ما أمر الله تعالى به، أما التوصية بما لم يأمر به الله تعالى فلا يلتفت إليها بغض النظر عن الموصي.
ليس في كتاب الله أمرٌ بختم القرآن كلَّ يوم أو كلَّ أسبوع أو في أيِّ مدَّة محدَّدة أخرى، كما ليس فيه الأمر بنطق كلمة التَّوحيد 70000 مرَّة كلَّ يوم، أو الصَّلاة على النبيِّ بعدد معيِّن وتوقيت معيَّن وبأشخاص معيَّنين. ولم يرو عن نبينا أنه فعل ذلك أو أمر به، كما لم يفعله أحد من الصحابة من بعده.
لذلك فإنَّ وصيَّة السُّلطان محمد الفاتح _إن صحَّ أنَّه أوصى بها_ لا يلزم تنفيذها شرعا، بل لا يجوز تنفيذها لأنها لا توافق ما أمر الله تعالى به، كما أنَّ في تلك الوصيَّة تكليفاً بأمرٍ تعبُّدي، ومعلومٌ أنَّ هذا لا يصحُّ إلا لله تعالى.
لقد أنزل الله تعالى كتابه لهداية النَّاس وإخراجهم من الظُّلمات إلى النَّور، والقرآن لا يحصل به تلك الغاية إلا بتلاوته بتدبر وتأمل، ولا شكَّ أنَّ قراءة الختم تخلو من هذه الغاية تماما.
يقول الله تعالى {كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} (ص 29)
ويقول الله معاتبا من لا يُقبل على كتابه بالفهم والتَّدبُّر بقوله {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (محمد 24)
إنَّ إشغال النَّفس بما ليس واجبا يكون عادة على حساب الواجب، وهو سلاح الشَّيطان الموجَّه للمتَّقين الذين لا ينزلقون إلى ملذات الدُّنيا وشهواتها، فيضلهم بإشغالهم بما يُظنُّ أنَّه من الدين وما هو من الدِّين، وهدفه أن يُبعد المتَّقين عن الصِّراط المستقيم، ذلك أنَّه يقعد عليه ليُضلَّ النَّاس عنه، وقد كان هذا وعده الوارد في قوله تعالى:
{قَالَ فَبِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِرَاطَكَ الْمُسْتَقِيمَ. ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلَا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} (الأعراف 17)
فالشيطان يأتي للعبد من جهة الدُّنيا وملذاتها ليضله بزينتها، فإن لم ينفع هذا اختار له طريقا آخر وهو إشغاله عن ما أمر به القرآن إلى ما يشابهه صورة ممَّا ابتدعه المبتدعون كالاجتماع للختم والموالد وغير ذلك.
صراط الله تعالى ودينه يعلمان من كتابه حصرا، وفي سنة نبيِّنا المثالُ الحيُّ على تطبيق القرآن، لذلك أمرنا الله تعالى بالتأسي به ومتابعته في تطبيق ما أوحي إليه من الكتاب والحكمة، وأن لا نتجاوز ذلك في أمور الدين.
والأصل فيمن أراد فعل الخير أن يفعله بنفسه، لقول الله تعالى {وَأَن لَّيْسَ لِلإِنسَانِ إِلاَّ مَا سَعَى} (النجم، 39) والآية ناطقة بأنَّ الإنسان لا ينتفع إلا بعمله وكسبه، وجاء تأكيدُ ذلك في قوله تعالى {الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلَامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} (النحل، 32) فالمسلم يدخل الجنة بعمله لا بعمل غيره، وكلُّ إنسانٍ مرهونٌ بما عمل خيرا كان أم شرا كما يظهر من قوله تعالى {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (المدثر، 38)
إن عمل الإنسان ينقطع بموته فلا يحصل له ثواب عمل إلا من أثر فعله في حياته كما ورد في الحديث التالي: “إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له”[1]
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] رواه مسلم في صحيحه (1631) (14) وأحمد في مسنده (8843) والبخاري في “الأدب المفرد” (38)، وأبو داود في “السنن” برواية أبي الحسن ابن العبد كما في “تحفة الأشراف” 10/221، والترمذي (1376) ، وابن أبي الدنيا في “العيال” (430) ، والنسائي 6/251، وأبو يعلى (6457) ، وابن خزيمة (2494)