السؤال: في الفترة الأخيرة شاهدت الكثير ممَّن يُسمون انفلونسر influencers على مواقع التواصل الاجتماعي ممن يشتهرن وينجحن وهن محجبات وبعد شهرتهن الكبيرة ترى الكثير منهم يخلعن الحجاب، وبعدها تبدأ التعليقات ضدها أو معها فيقول الذين معها أنَّها حريَّة شخصيَّة، وأن الحجاب ليس فرضا، حتى أن إحداهن قالت لي إن الحجاب كان في عهد النبي للتفرقة بين الأمة والحرة وأنَّ سيدنا عمر بن الخطاب كان يضرب الأمة التي ترتدي الحجاب، فراودتني عدة أسئلة أليس ما على الجارية المسلمة ما على المسلمة الحرة من واجبات، ثم الرسول قد نهى عن ضرب الحيوان فكيف يضرب سيدنا عمر الجارية؟ أليس هذا ضد تعاليم الإسلام؟ هذا موضوع يؤرقني خصوصا أنني محجبة وأناقش كثيرا في مسألة الحجاب. أرجو توضيح هذه المسائل.
الجواب: قد أثيرت مسألة الحجاب في الآونة الأخيرة ودار حولها الجدل وذلك بسبب الفكر المتطرف الذي يتبناه فريقان على طرفي نقيض، الأول فريق من علماء المسلمين الذين قالوا بأن النقاب (غطاء الوجه) فرض على كل امرأة حرة، كما حصروا حجاب المرأة المسلمة بزي ولون معينين إذا خرجت عنه فإنها تكون في نظرهم آثمة، كما أنَّهم فرقوا بين الحرة والأمَة في مسألة الزي. والفريق الثاني تمثل ببعض “المفكرين” الذين نادوا بخلع الحجاب باعتباره تقييدًا للحريات أو لأنَّه خاصٌّ بأزواج الرَّسول أو لأنَّ الخمار لا يُعد غطاء للرأس.
وإجابة هذا السؤال تدور حول عدة محاور:
أولًا: بالنسبة لمسألة فرْضيَّة الحجاب من عدمها.
فالله سبحانه وتعالى ذكر في كتابه: ﴿يَا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنَا عَلَيْكُمْ لِبَاسًا يُوَارِي سَوْآتِكُمْ وَرِيشًاۖ وَلِبَاسُ التَّقْوَىٰ ذَٰلِكَ خَيْرٌۚ ذَٰلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ﴾ (الأعراف 26)
فكما نرى فإن الخطاب موجه لبني آدم جميعًا، والقارئ للكتب السماوية السابقة يدرك أنَّ مسألة الحجاب ليست خاصة بديانة محدَّدة؛ حيث أن الدين كلَّه لله، وهو الذي أمر عباده رجالا ونساء بوجوب تغطية العورات وتورية السوءات، ثم زاد على المرأة لباسًا ليحفظها ويصونها من الإيذاء ولو باختلاس النظرات، فالمرأة في حد ذاتها زينة ومرغوب فيها قَالَ اللَّهُ جَلَّ و عَلَا: ﴿زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ…﴾ (آل عمران 14).
والمرأة المؤمنة خاطبها ربُّها بقوله: ﴿وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ، وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَاۖ وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّۖ..﴾ (النّور 31).
والخمار هو غطاء الرأس ومنه جاء لفظ الخَمْر الذي يُغطى ليتخمر، وتخمير العجين أي تغطية رأسه ليختمر، ولو كان غطاء الرأس ليس مطلوبًا لكان ذكر كلمة “خمرهن” حشوًا زائدًا في الكتاب، وحاشاه، حيث أن تغطية جسد المرأة قد جاء في قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّۚ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا﴾ (الأحزاب 59).
أما خلع الحجاب بعد الشهرة فهو خسارة في امتحانها، وقد ذكر سبحانه أنه يغلب على الإنسان الطغيان حينما يستغني (العلق 6)، فالنجاح في مثل هذا الامتحان ليس بتلك السهولة.
ثانيًا: بالنسبة لمسألة فرض الحجاب على الحرة دون الأمة أو بالأحرى التفريق في بيان العورة لكلتيهما، فهو أمر يتنافى مع عدل الله تعالى الذي خلق الناس كلهم أحرارًا بعبادته له وحده، ويتنافى مع أوامر الله تعالى في كتابه الموجهة لبني آدم كلهم ولكل مؤمن ومؤمنة بغض النظر عن اعتبارات أخرى وضعها البشر، بل إنه يتنافى مع الفطرة السليمة التي فطر الله الناس عليها، ذلك أن علة الأمر بستر العورات متحققة في كل امرأة، فقصره على الحرة دون الأمة فيه تجريد للحكم من علته.
أما بالنسبة للرواية المروية عن عمر بن الخطاب فهي تندرج تحت الروايات المتقوَّلة على صحابة رسول الله الذين رضي الله عنهم (التوبة 100)، ولا عجب لمن تقوَّل على رسول الله روايات تتنافى مع مقام النبوة والرسالة أن يتقوَّل على صحابته الكرام.
ثالثًا: بالنسبة لمسألة الحرية في ارتداء الحجاب من عدمه، فتلك مسألة بين العبد وبين ربه، ولا يحقُّ لأيِّ إنسان أن يتدخَّل فيها، سوى بالنُّصح والإرشاد، فالله تعالى قد ترك حرية الاعتقاد والإيمان به لخلقه، وهو سبحانه القادر على إجبارهم، قَالَ اللَّهُ تعالى: ﴿وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةًۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ﴾ (هود 118). ولكنه تعالى ترك لهم الاختيار: ﴿وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْۖ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ﴾ (الكهف 29). فكل إنسان يتحمَّل نتيجة اختياره أمام ربه سبحانه، سواء في مسألة الإيمان أو في مسائل العمل.
ومن هنا ينبغي على كل إنسان ألا يتدخل في شؤون الخلق إلا بالكلمة الطيبة قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا: ﴿ادْعُ إِلَىٰ سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِۖ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِۖ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ﴾ (النحل 125).
أما ما نراه الآن على مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها من السخرية أو التراشق بالألفاظ التي تصل إلى حد الاتهام بالكفر والإلحاد لمن قصر في أداء فريضة أو أمر من أوامر الله، فليس من الدِّين في شيء، وهو أمر منهي عنه، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ﴾ (المدّثر 5)
وقَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَلَا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلَا تَنَابَزُوا بِالْأَلْقَابِۖ بِئْسَ الِاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الْإِيمَانِۚ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (الحجرات 11)
وعلى كل إنسان أن يبحث في نفسه عن جوانب التقصير والتفريط في جنب الله تعالى وينشغل بأمور نفسه من منطلق قوله سُبْحَانَهُ: ﴿وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِيۚ إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِالسُّوءِ إِلَّا مَا رَحِمَ رَبِّيۚ إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (يوسف 53).
وللمزيد حول الموضوع يُرجى مشاهدة حلقة (خمار المرأة في القرآن) على الربط التالي https://www.hablullah.com/?p=5611