السؤال: هل الآية التي تأمر المسلمين برباط الخيل يمكن أن تكون دليلا على تاريخية القرآن، فقد سمعت أحدهم يقول أن القرآن نص تاريخي متعلق بالعرب وقت التنزيل ولا يلزم منه أن يكون خطابا لكافة الناس وإلى قيام الساعة، وقد ضرب آية رباط الخيل كدليل على زعمه. فهل هذا الزعم صحيح وكيف يمكن توجيه الأمر القرآني بإعداد الخيل للجهاد في زمننا الحاضر المعتمد كليا على الآلة والتكنلوجيا المتقدمة؟.
الجواب: القرآن الكريم كتاب صالح للبشرية جميعها وإلى قيام الساعة، بما فيه الأمر الوارد في الآية 60 من سورة الأنفال:
«وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسۡتَطَعۡتُم مِّن قُوَّةࣲ وَمِن رِّبَاطِ ٱلۡخَیۡلِ تُرۡهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمۡ وَءَاخَرِینَ مِن دُونِهِمۡ لَا تَعۡلَمُونَهُمُ ٱللَّهُ یَعۡلَمُهُمۡۚ وَمَا تُنفِقُوا۟ مِن شَیۡءࣲ فِی سَبِیلِ ٱللَّهِ یُوَفَّ إِلَیۡكُمۡ وَأَنتُمۡ لَا تُظۡلَمُون» الأنفال 8/60.
الأمر الأول في الآية هو وجوب إعداد أقصى درجات القوة وهذا يشمل الإعداد المناسب للحرب، ومنه التجهيز بأحدث أنواع الأسلحة والتدرب عليها وتحضير الخطط اللازمة، وبالرغم من كون الخيل هي العنصر الأكثر فعالية في الحروب القديمة إلا أن الآية خصته بالذكر، وقد يكون هذا الاختصاص حتى لا يغفل عن أهميته المسلمون اذا امتلكوا من السلاح ما يغنيهم بظاهره عنها.
نفهم من الآية التالية أنه سيكون هناك ما يمكن ركوبه من غير الخيل بقوله تعالى:
«وَٱلۡخَیۡلَ وَٱلۡبِغَالَ وَٱلۡحَمِیرَ لِتَرۡكَبُوهَا وَزِینَةࣰۚ وَیَخۡلُقُ مَا لَا تَعۡلَمُون» (النحل ٨)
تفيد الآية أنه سيكون هناك ما يركب من غير المذكور فيها، لذا خص الخيل بالذكر في آية الإعداد، فالمقصود أنه مهما امتلك الإنسان من آلات الحرب فلا ينبغي له أن يهمل الإعداد بالخيل كأحد التجهيزات للحرب، لأنها تلزم في ظروف خاصة حتى لو كانت الحرب تكنولوجية في بداياتها. حيث تتميز الخيول بقدرتها الفائقة على التأقلم مع الطبيعة مهما اختلفت تضاريسها، فيمكنها الوصول إلى أماكن تعجز عنها الآلات الحديثة، كما أنها لا تحتاج إلى الوقود اللازم لتشغيل الآلات كما أنها أقل عرضة للعطب، لذلك تم استخدام ملايين الخيول في الحرب العالمية الثانية بالرغم من التطور التكنولوجي والصناعي الهائل الذي كانت تمتلكه الدول المتحاربة آنذاك.
ويمكننا أن نرى بوضوح دور الخيول في الحفاظ على الأمن الداخلي للدول كافة لا سيما المتقدمة منها. ولا عجب أن تكون كلمة حصان في اللغة من الحصن للدلالة على دوره في توفير الحماية لصاحبه.
وفي النهاية يمكننا القول إن هذا الطلب ليس خاصا بزمن دون آخر، لذا فالآية ليست مثالا صالحا على تاريخية القرآن، بل هي نموذج قرآني فريد يثبت صلاح القرآن لكل زمان ومكان حتى يرث الله الأرض ومن عليها.