أ.د عبد العزيز بايندر
السنة في الأساس تعني الطريق أو الطريقة (المنهاج)[1]. وترد هذه الكلمة في القرآن الكريم 16 مرة في 11 آية، وفي آيتين منهما يريد الله من كل إنسان أن يتبع سنته[2]. وفي الآيات التسع الأخرى حديث عن الحالة المزرية التي يقع فيها من لا يتبعون سنته[3].
أ_ سنة الله تعالى
سنة الله هي الإسلام الذي رضيه الله دينا للبشر منذ آدم عليه السلام. وكل من وثق في الله تعالى يكون قد دخل في دينه وناله من نفع الإسلام وفضله. ومن يرون النفع من غير الإسلام فهم الخاسرون حتما. وقد ورد العديد من الموضوعات في الآيات 1- 26 من سورة النساء ثم قال تعالى بعدها:
{يُرِيدُ اللّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}
وقد أرسل الله النبيين ليعلموا الناس سنته، وقد آتى كلَّ واحد منهم الكتاب والحكمة، ولأنّ ما حوته تلك الكتب في غالبه واحد كان من خصائصها أنها تصدق بعضها بعضا. يقول الله تعالى:
{وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ[4] وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي[5] قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ. فَمَن تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران 3/81-82)
ب_ الكتاب والحكمة هما المرشد لمن يتبعون سنة الله تعالى
بالنظر إلى الآيات المتعلقة بالسنة يتبين أن الله تعالى يريد هداية الناس إلى ما أنزله من الكتاب والحكمة. ولأن الحكمة متضمنة في الكتاب فإن كل كتاب من كتب الله هو دليل لمن يتبع سنته. متبعو سنة الله هم الذين يسلكون الطريق الصحيح. جاء في أول سورة البقرة ما يلي:
ذَٰلِكَ ٱلْكِتَٰبُ لَا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ (البقرة 2/2)
يفسر الكتاب في الآية على أنه القرآن لأنه أخر كتب الله نزولا والمصدق لما قبله والمهيمن عليها والذي انتظره أهل الكتاب قبل نزوله[6].
لا يمكن تصور الكتاب دون احتوائه على الحكمة. وقد عدَّد الله تعالى في الآية 83 من سورة الأنعام وما بعدها 18 عشر نبيَّا من نوح إلى عيسى، ثم ذكر أنه اختار من آبائهم وأبنائهم أنبياء آخرين، ثم قال مخاطبا نبيه الخاتم:
{أُوْلَـئِكَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ} (الأنعام 6/89)
تفيد الآيات بوضوح أن المرشد والدليل لمن يسلكون طريق الحق هو الكتاب والحكمة. ووفقا لهذا الأمر الذي نزل بمكة امتثل نبينا للكتب السابقة في مسائل لم ينزل بعد فيها نص، وكان هذا سبب توجهه نحو القدس في صلاته حتى نزلت آيات تغيير القبلة (البقرة 2 / 142-150). وبقي نبينا يتبع الكتب السابقة فيما لم ينزل فيه نص حتى نزول سورة المائدة حيث تقرر فيها أن يلتزم النبي بما نزل إليه في القرآن من أحكام بعد إتمام نزوله واكتمال الدين (المائدة 5/3 ، 48). وقد أمرنا الله تعالى في سورة المائدة أن نقول لليهود والنصارى:
{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ، وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} (المائدة 5/68)
وقد أمر الله تعالى اليهود والنصارى بإقامة التوراة والإنجيل لأنهما يأمرانهم صراحة باتباع القرآن والإيمان بخاتم النبيين[7] (الأعراف 7/157)
العبارة التوراتية جاءت كما يلي: “أُقِيمُ لَهُمْ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِ إِخْوَتِهِمْ (أبناء إسماعيل) مِثْلَكَ، وَأَجْعَلُ كَلاَمِي فِي فَمِهِ، فَيُكَلِّمُهُمْ بِكُلِّ مَا أُوصِيهِ بِهِ. وَيَكُونُ أَنَّ الإِنْسَانَ الَّذِي لاَ يَسْمَعُ لِكَلاَمِي الَّذِي يَتَكَلَّمُ بِهِ بِاسْمِي أَنَا أُطَالِبُهُ”[8] . (سفر التثنية، 18/ 18-19)
أما الإفادة في الإنجيل فكانت كالتالي: “وأما الآن فأنا ماض إلى الذي أرسلني، وليس أحد منكم يسألني: أين تمضي، لكن لأني قلت لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم. لكني أقول لكم الحق : إنه خير لكم أن أنطلق، لأنه إن لم أنطلق لا يأتيكم المعزي، ولكن إن ذهبت أرسله إليكم. ومتى جاء ذاك يبكت العالم على خطية وعلى بر وعلى دينونة. أما على خطية فلأنهم لا يؤمنون بي. وأما على بر فلأني ذاهب إلى أبي ولا ترونني أيضا. وأما على دينونة فلأن رئيس هذا العالم قد دين. إن لي أمورا كثيرة أيضا لأقول لكم، ولكن لا تستطيعون أن تحتملوا الآن. وأما متى جاء ذاك، روح الحق، فهو يرشدكم إلى جميع الحق، لأنه لا يتكلم من نفسه، بل كل ما يسمع يتكلم به، ويخبركم بأمور آتية. ذاك يمجدني، لأنه يأخذ مما لي ويخبركم”. (إنجيل يوحنا 16/5-14)
ت_ اتباع السنة فريضة على النبيين أيضا
أول المخاطبين باتباع سنة الله تعالى هم الأنبياء، وحكم اتباعها فرض عليهم. ويمكننا إيراد الآيات المتعلقة بزيد بن حارثة وزينب رضي الله عنهما كمثال على ذلك:
{مَا كَانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيمَا فَرَضَ اللَّهُ لَهُ، سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقْدُورًا . الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ وَكَفَى بِاللَّهِ حَسِيبًا} (الأحزاب 33/38-39)
{وَإِذْ تَقُولُ (يا محمد) لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ (زيد بن حارثة) أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ، وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ } (الأحزاب 33/37)
لقد أراد زيد أن يطلق زوجته زينب، وقد خشي نبينا أن يأمره الله تعالى بالزواج منها في حال طلاقها، لأنه بحسب الآية التالية فهو مطالب بأن يكون قدوة حسنة للناس في تطبيق أحكام الله تعالى:
{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا} (الأحزاب 33/21)
لقد خاف محمد عليه السلام من أن يكون المثال الذي سينهي اعتبار المتبنى كالابن الحقيقي، ذلك أنه كان من غير المقبول في مجتمع النبي أن يتزوج الرجل من زوجة متبناه المطلقة، حيث كان الابن والمتبنى يعتبران نفس الشيء. لكن هذه الآيات التي نزلت في المدينة كشفت أنّ التبني غير معتبر في شريعة الله تعالى:
{مَّا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ، وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ[9] مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ، وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءكُمْ أَبْنَاءكُمْ، ذَلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ، وَاللَّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ. ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ، فَإِن لَّمْ تَعْلَمُوا آبَاءهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُمْ، وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُم بِهِ وَلَكِن مَّا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ، وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} (الأحزاب 33/4-5)
والآية التالية تثبت أن المحرمية تكون لزوجة الابن وليس لزوجة المتبنى:
{حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ … وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ} (النساء 4/23)
وقد جاء قيد (الذين من أصلابكم) لنفي شبهة أن يكون المتبنى كالابن.
لقد حاول نبينا منع زيد من طلاق زوجته لكن زيدا لم يصغ له ومضى بتطليقها، وقد حصل ما خاف منه النبي وهو أن الله تعالى زوجه من زينب، علمنا هذا من قوله تعالى:
{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ، وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ، وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ ، فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا، وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} (الأحزاب 33/37)
لم ترغب زينب بهذا الزواج أيضا، لكن بعد نزول هذه الآية تزوجا ولم يبد أي منهما اعتراضا على ما أمر الله تعالى، وهذا حال المؤمنين تجاه أوامر الله تعالى ونواهيه، أن يقولوا سمعنا وأطعنا.
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ ، وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا} (الأحزاب 33/36)
ولا بد من الوقوف هنا على قوله تعالى (إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا). إن لكلمة الرسول معنيين، الأول الرسالة والثاني حامل الرسالة (المفردات مادة رسل)، ووظيفة الرسول هي تبليغ الرسالة بدون زيادة أو نقصان[10]. ولأن الناس لا يمكنهم سماع كلام الله مباشرة منه سبحانه كان لا بد من بعث الرسل لتبليغهم رسالته، لذلك لا يمكن أن يكون كلام الرسول مصدرا ثانيا للتشريع لأنه مبلغ عن الله تعالى رسالته وليس شريكا له فيها ، لذا فإن ورود مصطلح (رسول الله) في القرآن يسلط الضوء على آيات القرآن، وأول المخاطبين لامتثال تلك الآيات هو محمد صلى الله عليه وسلم (الأحزاب 33/1-2)، بناء على ذلك كله فإن أول المخاطبين بالآية أعلاه كان نبينا الكريم وأمنا زينب رضي الله عنها.
وقد علمنا اتباع نبينا وزينب للآيات وقبولهم بالزواج الذي أمرهما الله به من قوله تعالى في نهاية الآية:
{وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} (الأحزاب 33/37)
الأحكام التي قررتها الآيات هي جزء من سنة الله تعالى التي يجب على جميع الناس اتباعها وعلى رأسهم النبيون.
ث_ الاختلافات في السنن
لقد أنزل الله على جميع النبيين الكتاب والحكمة، ولأن الكتب يصدق بعضها بعضا (آل عمران 3/81-83) كانت طريق الأنبياء واحدة، لكن هذا لم يمنع أن يكون هناك بعض الاختلاف في بعض الأحكام، نتعلم هذا من خلال الآية التالية:
{وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ، فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ، لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا، وَلَوْ شَاء اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً، وَلَـكِن لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَآ آتَاكُم فَاسْتَبِقُوا الخَيْرَاتِ[11] إِلَى الله مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ} (المائدة 5/48)
المنهاج هو الطريق القويم[12] الذي بينه الله تعالى وعرفه، أي سنة الله. والشريعة هي الأحكام الخاصة المفروضة على البشر وحوتها الكتب السماوية (الشورى 42/13)، وبالرغم من كون الدين واحدا إلا أن كل شريعة لها مزايا خاصة اقتضت اختلاف بعض الأحكام بين الشرائع، التي كان بعضها من أجل اختبار الناس، كما أن هذا الاختلاف يجعلنا نفهم بشكل صحيح موضوع نسخ الكتب (البقرة 2/106) وتصديق بعضها بعضا (المائدة 5/15).
بدأت البشرية بآدم وحواء ، وكان أول نبي هو آدم عليه السلام الذي كان له شرف أن نزل عليه الكتاب الأول. ومن الضروري أن تكون بعض الأحكام المطبقة منذ آدم عليه السلام قد ألغيت بشكل دائم مع حفيده نوح. فقد ورد في الآية التالية أننا مسؤولون بحسب شريعة نوح:
{شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ} (الشورى 42/13)
ج_ سنة الله والنسخ
النسخ يأتي بمعنى نقل المتن المكتوب بشكل حرفي إلى كتاب آخر، النسخة الأولى هي المنقول عنها بينما المنقول إليها هي الثانية، والناسخ يحاول قدر الإمكان أن ينقل النص الأصلي لكنه قد يضيف أو يعدل ما يراه نافعا. وقد بين سبحانه أن النسخ الخاص في كتبه يخضع لنفس القاعدة حيث قال:
{مَا نَنْسَخْ مِنْ آَيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا، أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (البقرة 2/106)
ونسخ القرآن للكتب السابقة بالمثل أي إيراده ذات الأحكام التي حوتها؛ أي تصديقه لهذه الأحكام والمحافظة عليها. أما النسخ بخير منها فهذا يعني تخفيف بعض الأحكام التي حوتها الكتب السابقة، لهذا السبب فإن القرآن الكريم ما هو إلا نسخ لما في الكتب السابقة بمثلها أو بخير منها. نتيجة لذلك لا توجد آية واحدة في القرآن لا تعد ناسخة للكتب السابقة.
ويُعد الأمر باستقبال بيت المقدس للصلاة مثال على الأحكام التي وضعت في الكتب السابقة للاختبار، ذلك أن القبلة الأولى هي الكعبة، لكن تم تحويل القبلة إلى بيت المقدس زمن داوود عليه السلام[13]، لكن القرآن جاء بإعادة القبلة من جديد إلى الكعبة، وقد كان ذلك التحويل اختبارا لأهل الكتاب كما تورده الآية التالية:
{وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلَّا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ، وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ، إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ} (البقرة 2/143)
يعلم اليهود والمسيحيون أيضًا أن التوجه نحو بيت المقدس في الصلاة كقبلة هو تشريع لفترة قصيرة لاختبار أهل الكتاب. نتعلم هذا من الآيات التالية:
{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ، وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ، وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ، وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ. وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ بِكُلِّ آيَةٍ مَا تَبِعُوا قِبْلَتَكَ، وَمَا أَنْتَ بِتَابِعٍ قِبْلَتَهُمْ، وَمَا بَعْضُهُمْ بِتَابِعٍ قِبْلَةَ بَعْضٍ، وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِين} (البقرة 2/144-145).
بنزول آخر الكتب (القرآن) وإتمام أعمال النسخ اتخذ الإسلام شكله النهائي. قال الله تعالى في آخر ما نزل من القرآن:
{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (المائدة 5/3)
ح_ الذين لا يتبعون السنة
تعدّدت الآيات في وصف من لا يتبع السّنة، أي الطريق الذي حدده الله للنّاس، وكشف صفاتهم، والأوضاع السيئة التي يقعون فيها. ويمكننا سرد هذه الآيات على النحو التالي:
1_ الذين لا يتبعون السنة هم الذين لا يثقون بالله والذين يكذبون في آياته وينافقون فيها. وهذا السلوك يتسبب في معاقبتهم. يقول الله تعالى:
{قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ} (آل عمران 3/137)
{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ. وَمَا يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ. كَذَلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ. لَا يُؤْمِنُونَ بِهِ وَقَدْ خَلَتْ سُنَّةُ الْأَوَّلِينَ. وَلَوْ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَابًا مِنَ السَّمَاءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ. لَقَالُوا إِنَّمَا سُكِّرَتْ أَبْصَارُنَا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ} (الحجر 15/10-15)
{لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ[14] مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ[15] فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا[16]. مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا. سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الأحزاب 33/60-62)
2_ الذين لا يتبعون السنة هم الذين لا يوفون بوعودهم ويتكبرون ويتابعون نواياهم السيئة.
{وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِن جَاءهُمْ نَذِيرٌ لَّيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ، فَلَمَّا جَاءهُمْ نَذِيرٌ مَّا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا . اسْتِكْبَارًا فِي الْأَرْضِ وَمَكْرَ السَّيِّئِ، وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ، فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا سُنَّتَ الْأَوَّلِينَ، فَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَبْدِيلًا وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّتِ اللَّهِ تَحْوِيلًا} (فاطر 35/42-43)
3_ من لا يتبعون السنة يعاقبون بالمثل، وقد عوقب مشركو مكة عدة مرات بالمثل وأبرزها فقدانهم مكة بعدما أخرجوا النبي والمؤمنين منها. يقول الله تعالى:
{وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا. سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا} (الإسراء 17/76-77)
4_ الذين لا يتبعون السنة سيخسرون في كل حرب يخوضونها. يقول تعالى:
{وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ ثُمَّ لَا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا. سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} (الفتح 48/22-23)
5_ من لا يتبعون السنة يؤمنون بعد نزول العذاب فيهم لكن إيمانهم لا ينفعهم:
{فَلَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا قَالُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَكَفَرْنَا بِمَا كُنَّا بِهِ مُشْرِكِينَ. فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا، سُنَّتَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ، وَخَسِرَ هُنَالِكَ الْكَافِرُونَ} (غافر 40/84-85)
6_ إذا تاب من لا يتبعون السنة قبل نزول العذاب فيهم فإنه يغفر لهم:
{قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ، وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ[17]} (الأنفال 8/38)
خ_ تحريف مصطلح السنة
رأينا في ضوء الآيات ذات الصلة أن سنة الله هي الطريق الصحيح للجميع، والذين لا يسلكون هذا الطريق سيواجهون مصيرا سيئا. وسنة الله هي سنة رسله (الإسراء 17/77 ، والأحزاب 33 / 38-39). وعلى الرغم من أن الموضوع واضح للغاية ، إلا أن مفهوم (سنة الله) الذي يعد من أهم مفاهيم القرآن قد تغير في التراث على النحو التالي:
“سنّة الله هي القوانين التي وضعها الله من أجل خلق الطبيعة والحفاظ عليها وتنظيم الحياة الاجتماعية”[18].
وقد سردنا الآيات التي ورد فيها مصطلح السنة، وعند المقارنة بين تلك الآيات والتعريف الآنف فلا يمكن أن تجد أدنى علاقة بينهما. وقد تم التلاعب بمصطلحات الحكمة والنبي والرسول ليخرج لنا تصور جديد عن السنة.
يقول الإمام الشافعي الذي يعتبر من رواد علم الأصول، بعد أن سرد الآيات التي تفيد بأن الحكمة نزلت على نبينا مع الكتاب وأنه علمها لأمته[19] ما يلي:
“سمعتُ مَنْ أرْضى من أهل العلم بالقُرَآن يقول: الحكمة سنة رسول الله. لأن القُرَآن ذُكر وأُتْبِعَتْه الحكمة، وذكرَ الله منَّه على خَلْقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يَجُزْ – والله أعلم – أن يقال الحكمة هاهنا إلا سنةُ رسول الله. وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله، وأن الله افترض طاعة رسوله، وحتَّم على الناس اتباع أمره، فلا يجوز أن يقال لقول: فرضٌ، إلا لكتاب الله، ثم سنة رسوله لِمَا وصفنا، من أنَّ الله جَعَلَ الإيمان برسوله مقرونا بالإيمان به. وسنة رسول الله مُبَيِّنَة عن الله معنى ما أراد، دليلا على خاصِّه وعامِّه، ثم قرن الحكمة بها بكتابه، فاتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسوله”[20]
بما أن رسول الله هو الذي ينقل إلينا كلام الله ، فإن الكلام الذي يتكلم به بصفته رسولا هو كلام الله، وأن الامتثال لهذه الكلمات هو بالطبع امتثال وطاعة لله. لكن الإمام الشافعي جعل الكلمات التي قالها محمد عليه السلام كرسول كأنها من كلامه، وبهذا جعله مرجعاً ثانياً بعد الله تعالى، وهكذا فتح الباب للشرك.
الآيات التي وجد فيها الإمام الشافعي دليلاً على ما ذهب إليه هي الأحزاب 36 والنساء 59. ومن المستحيل أن تكون هذه الآيات دليلاً على رأيه حيث سنقف عليها فيما بعد.
د_ تحريف مصطلح الحكمة
كما سيتضح من الآيات ذات الصلة ، فإن الحكمة هي علم إيجاد الحلول من كتاب الله. وبناء على ذلك ، فليس من المرجح أن تكون كلمات الإمام الشافعي التالية صحيحة:
“قرن (الله تعالى) الحكمة بها بكتابه، فاتبعها إياه، ولم يجعل هذا لأحد من خلقه غير رسوله”[21]
اعتبر الشافعي أن الحكمة شيء خارج القرآن علما أن الله تعالى ذكر بوضوح أنه أنزلها في كتابه، يقول الله تعالى مخاطبا نبيه الخاتم:
{وَمَآ أَنزَلَ عَلَيْكُم مِّنَ ٱلْكِتَٰبِ وَٱلْحِكْمَةِ يَعِظُكُم بِهِ} (البقرة 2/231)
لم يشر الله تعالى إلى الكتاب والحكمة هنا بضمير التثنية، بل استخدم الضمير المفرد. مما يدل على أن الحكمة هي من جنس الكتاب ومتلبسة به، لذا فقد علَّم محمدٌ أمَّته الحكمة بصفته رسولًا مع الكتاب[22]. بالإضافة إلى أن الله أنزل الكتاب والحكمة ليس فقط على محمد بل على جميع الأنبياء[23].
وقول الشافعي: “وسنة رسول الله مُبَيِّنَة عن الله معنى ما أراد، دليلا على خاصِّه وعامِّه” هو قول مخالف للقرآن كذلك، لأن محمدا عليه الصلاة والسلام ليس مفسرا للقرآن، بل المفسر هو الله تعالى بنفسه، وقد وضح الله تعالى هذه الحقيقة في 18 آية[24]، وقد بين بهذه الآيات أنه لم يعط أحدا غيره صلاحية تفسير كتابه:
{الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ. أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ اللّهَ إِنَّنِي لَكُم مِّنْهُ[25] نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ} (هود 11/1-2)
بحسب هذه الآيات، فإن من يحاول أن يشرح كتاب الله على طريقته سيضع نفسه مكان الله ويرتكب بذلك أعظم خطيئة وهي الشرك. وعليه فإن نسبة تفسير الكتاب إلى نبينا أمر غير مقبول.
وفقًا للآية التالية، هناك حاجة إلى معلومات قاطعة لاعتبار أي كلمة أنها من كلام الله تعالى:
{قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ} (الأعراف 7/33)
اعتبار كلام شخص ما على أنه كلام الله يعني وضعه في مقام الله. وهذا لا يصح إلا للآيات التي نقلها رسل الله كرسل. لأن طاعة رسول الله هي طاعة لله (النساء 4/80). لهذا السبب يجب على من يقول أنه رسول الله أن يثبت ذلك، وهذا هو سبب اتيان الرسل بالمعجزات. معجزةُ محمد الباقية حتى يوم القيامة هي القرآن، وهو ليس مثل معجزات الأنبياء السابقين التي لم يبق لها أثر. فهو معجزة يمكن رؤيتها ومعايشتها دائمًا. إحدى الآيات ذات الصلة هي قوله تعالى:
{وَإِن كُنتُمْ فِى رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَىٰ عَبْدِنَا فَأْتُوا۟ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِۦ وَٱدْعُوا۟ شُهَدَآءَكُم[26] مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمْ صَٰدِقِينَ. فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا۟ وَلَن تَفْعَلُوا۟[27] فَٱتَّقُوا۟ ٱلنَّارَ ٱلَّتِى وَقُودُهَا ٱلنَّاسُ وَٱلْحِجَارَةُ، أُعِدَّتْ لِلْكَٰفِرِينَ} (البقرة 2/23-24)
وقد نزلت آية مشابهة تخص شخص محمد (ص). لأنه كان يجب أن يتأكد قبل أي شخص آخر من أنَّ الذي جاءه من الكتاب هو من عند الله تعالى:
{فَإِن كُنتَ فِي شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُونَ الْكِتَابَ[28] مِن قَبْلِكَ، لَقَدْ جَاءكَ الْحَقُّ مِن رَّبِّكَ فَلاَ تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ} (يونس 10/94)
أكثر الناس عرضة لوسوسة الشيطان هم الرسل والأنبياء، لأن إضلال أحدهم فيه إضلال كثير من الخلق، يقول الله تعالى:
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ[29] ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ} (الحج 22/52)
{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نِبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الإِنسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا، وَلَوْ شَاء رَبُّكَ مَا فَعَلُوهُ، فَذَرْهُمْ وَمَا يَفْتَرُونَ} (الأنعام 6/112)
لهذا السبب ، يتم حماية النبي من تدخل الشياطين حينما يوحى إليه. الآيات التي تبين ذلك هي:
{عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِن رَّسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا. لِيَعْلَمَ أَن قَدْ أَبْلَغُوا رِسَالَاتِ رَبِّهِمْ وَأَحَاطَ بِمَا لَدَيْهِمْ وَأَحْصَى كُلَّ شَيْءٍ عَدَدًا} (الجن 72/26-28)
الحكمة هي العلم الذي يوفر الإمكانية للوصول إلى الأحكام من كتاب الله تعالى. لقد ورد في الآيات 26-51 من سورة الأعراف ذكر العديد من النعم التي أنعمها الله تعالى على بني آدم، وتوجيهات للأنبياء وأتباعهم عن كيفية مواجهة الأحداث وتصرفات المخالفين، ثم بعد ذلك ذكر سبحانه أنه فصل الكتاب الذي بعثه للناس بأسلوب علمي:
{وَلَقَدْ جِئْنَاهُمْ بِكِتَابٍ فَصَّلْنَاهُ عَلَى عِلْمٍ هُدًى وَرَحْمَةً لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ} (الأعراف 7/52)
تعليم الله تعالى الحكمة لرسله[30] وتعليم الرسل إياها[31] اقتضى بالضرورة أن تكون الحكمة موجودة في كتب الله تعالى، ووجود كل التفاصيل المتعلقة بالحكمة في كتاب الله يقتضي أن يصل إليها كل من اجتهد للوصول إليها. يقول الله تعالى:
{يُؤْتِى ٱلْحِكْمَةَ مَن يَشَآءُ، وَمَن يُؤْتَ ٱلْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِىَ خَيْرًا كَثِيرًا، وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّآ أُو۟لُوا۟ ٱلْأَلْبَٰبِ} (البقرة 2/269)
يمكن الوصول إلى تفصيل الله تعالى لكتابه من خلال فريق عمل قد تعلم أفرادُه الحكمةَ من كتاب الله تعالى. يقول الله تعالى:
{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آَيَاتُهُ قُرْآَنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (فصلت 41/3)
الحديث بإسم الله تعالى من غير كتابه يُعدُّ من الشرك (الأعراف 7/33)، لذا فإن جميع الأنبياء قد صدر منهم التحذير التالي:
{وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ. بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُن مِّنْ الشَّاكِرِينَ} (الزمر 39/65-66)
وهذا يعني أنه إذا ينسب نبينا صلى الله عليه وسلم كلاما لله تعالى من غير القرآن سيكون مشركا (حاشاه)، لذا فإن العبارة التالية المنسوبة للإمام الشافعي لا يمكن قبولها:
“وسنة رسول الله مبينة عن الله معنى ما أراد دليلا على عامِّه وخاصه”
والحق أن توجيهات النبي وأفعاله تعكس الحكمة الموجودة في القرآن. لكن تعليم الحكمة وتطبيقها على أرض الواقع ليستا نفس الشيء، عندما يعلم الطباخ الماهر تلاميذه فنون الطبخ فإنه لا يخطئ في تعليمهم، لكن أمهر الطباخين قد يخطئ عندما يقوم بالطبخ وإعداد الطعام، ونبينا الكريم لا يمكن أن يخطئ عندما يعلم الحكمة لكنه قد يقع في الخطأ عند يحاول إيجاد حل من القرآن لمشكلة اعترضت له، والآية التالية تبين ذلك بوضوح شديد:
يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلاَلَةِ[32]، إِنِ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ، وَهُوَ يَرِثُهَآ إِن لَّمْ يَكُن لَّهَا وَلَدٌ، فَإِن كَانَتَا اثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا الثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ، وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رِّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ، يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ، وَاللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} (النساء 4/176)
الضلالة هي الافتراق عن طريق الحق بقصد أو بدون قصد[33]. ولإجابة على سؤال حول الكلالة، وهي من أصعب قضايا قانون الميراث الإسلامي، فإن الخطأ لن يكون سهلا على وجه خاص. لذا تكفل الله تعالى بالإجابة المباشرة على هذه الفتوى، والعلة أن لا يضل المفتون بالجواب، وعلى رأسهم النبي بوصفه المخاطب الأول. لقد تم تشكيل هيكل الفقه التقليدي بطريقة تتعارض مع الحكم الصريح لهذه الآية. وفقًا للتراث الفقهي فإن الإجابة التي سيقدمها محمد عليه الصلاة السلام على سؤال طرح عليه حول مسألة دينية هي سنت، لأن الألفاظ المتعلقة بالسُّنة هي لمحمد صلى الله عليه وسلم بينما المعنى أو المحتوى فمن الله تعالى، وهو الوحي الذي جعله الله تعالى في نفسه، لذا يطلقون عليه الوحي غير المتلو، لو كان هذا الادعاء صحيحا فهل يمكن أن يكون مثل هذا التعبير {يبين الله لكم أن تضلوا } موجودا في القرآن كتعليق على سؤال وُجِّه للنبي صلى الله عليه وسلم؟. أما موضوع السنة الذي تشكل على غير ما عرَّفها القرآن فقد تم أخذها إلى أبعد من ذلك ورُفعت فوق القرآن.
ينقل الأوزاعي عن يحيى بن كثير ما يلي:
“السنة قاضية على الكتاب وليس الكتاب قاضيا على السنة”[34]
وبالرغم من أن السؤال في الكلالة كان موجهًا إلى شخص واحد فقط ، وهو محمد صلى الله عليه وسلم، فمن المهم ألا يخاطب الله شخصًا واحدًا في قوله {يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ} لأن تفسير القرآن ، أي الوصول إلى الحكمة لا يمكن بالجهود الفردية. فقد كان على نبينا أن يشكل فريقًا للإجابة على هذا السؤال. دعنا نكرر الآية حول هذا الموضوع:
{كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} (فصلت 41/3)
هذا الفريق كان من غير الممكن أن يتكون إلا من المسلمين الذين علمهم محمد عليه الصلاة والسلام الحكمة[35].
ذ_أدلة المفهوم التقليدي للسنة
الآيات التي ساقها الإمام الشافعي كأدلة على الفهم التقليدي للسنة هي الآية 36 من سورة الأحزاب والآية 59 من سورة النساء. والآن لنحاول فهم هاتين الآيتين بحسب منهج الحكمة.
1_ الآية 36 من سورة الأحزاب:
{وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا}.
تأتي كلمة الرسول بمعنى الرسالة وحاملها[36]، وظيفةُ الرسل هي تبليغ كلام الله تعالى إلى الناس، لذا فإن أول ما يشير إليه مصلح (رسول الله) في القرآن هو آيات الله المسطورة فيه.
في التراث الإسلامي أصبحت كلمة (رسول) مرادفة لشخصية محمد عليه السلام، وبذلك تم إغفال علاقة المصطلح بالرسالة (القرآن). وقد تم افتراء سبب النزول التالي للآية السابقة ليكون دليلا على ما تشكل في أذهانهم من معنى الرسول:
“عن ابن عباس قوله {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أمْرًا….} إلى آخر الآية، وذلك أن رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم انطلق يخطب على فتاه زيد بن حارثة، فدخل على زينب بنت جحش الأسدية فخطبها، فقالت: لست بناكحته، فقال رسول الله صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّم: فانكحيه، فقالت: يا رسول الله أؤمر في نفسي، فبينما هما يتحدثان أنـزل الله هذه الآية على رسوله {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ …} إلى قوله {ضَلالا مُبِينًا} قالت: قد رضيته لي يا رسول الله مَنكحًا؟ قال: ” نعم ” قالت: إذن لا أعصي رسول الله، قد أنكحته نفسي”[37].
هذه الرواية التي لم ترد في أي كتاب حديث نقلها أبو جعفر الطبري (نسبة إلى طبرستان على ساحل بحر قزوين في شمال إيران) وضمَّنها في تفسيره المشهور بعد 225 سنة من الهجرة. هذه الرواية أسندها الطبري إلى ابن عباس الذي كان يبلغ من العمر 5_8 سنوات عند زاج زينب، ولم يكن قد هاجر بعد إلى المدينة حيث حدثت قصة زواجها. هذه الرواية تتفق تماماً مع ما قاله الشافعي: ” لا يختلف حكمُ الله ثم حكمُ رسوله، بل هو لازم بكلِّ حال”[38]. ومن الواضح أن هذه الرواية التي تفيد بأن زينب قبلت طلب النبي محمد واضطرت إلى الزواج من زيد ، تتعارض مع الآية التالية حول طلاق زيد من زينب. الآية على النحو التالي:
{وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ، فَلَمَّا قَضَى زَيْدٌ مِنْهَا وَطَرًا زَوَّجْنَاكَهَا لِكَيْ لَا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إِذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ مَفْعُولًا} (الأحزاب 33/37)
إذا كانت كلمة محمد (ص) ملزمة ، فقال لزيد: “أمسك عليك زوجك واتق الله” – ألا يكون عليه أن لا يطلق زينب بعد هذا الأمر. لأن استناد الشافعي وجميع الطوائف في فهم السنة إلى الآية 36 من الأحزاب يتطلب هذا. لكن زيدا الذي لم يطع أمر محمد عليه السلام وطلّق زينب لم يوجه إليه اللوم في الآية، بل إن الذي وجه إليه اللوم هو محمد صلى الله عليه وسلم. وبما أن الله أعطى زيدا سلطة تطليق زوجته لم يكن لمحمد الحق في منعه. لهذا السبب لم يستمع زيد لأمره الذي لا يتوافق مع القرآن.
2_ الآية 59 من سورة النساء
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ، فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ، ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً} (النساء 4/59)
كلام محمد صلى الله عليه وسلم بصفته رسولا هو آيات الله تعالى (القرآن)، لذا كان السبيل الوحيد لإطاعة الله هو إطاعة رسوله. يقول الله تعالى:
{مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} (النساء 4/80)
{مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ، وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ} (المائدة 5/99)
بناء على هاتين الآيتين والآيات المتشابهة معهما فإن رد الاختلاف إلى الله ورسوله يعني الرد إلى القرآن الكريم واعتباره الحكم عند الاختلاف في أي مسألة.
لم يكن النبي محمد يخطئ في تبليغه الآيات بصفته رسول الله. لو فعل ذلك متعمدا لقطع الله وريده (الحاقة 69 / 44-47). كان محمد عليه الصلاة والسلام يبلِّغ الآيات بصفته رسولا، لكنه في الأوقات الأخرى كان يحمل صفة النبي، وفي الوقت الذي لا يمكنه الخطأ كرسول عندما يبلغ رسالة الله تعالى إلا أنه لا يستحيل عليه الخطأ خارج تلك المهمة، أي أنه لا يخطئ بصفته رسولا لكنه قد يقع في الخطأ بصفته نبيا. لهذا السبب لا توجد آية واحدة تأمر بالطاعة المطلقة للنبي. بعد أن عقد النبي معاهدة الحديبية مع قريش وعودته إلى المدينة جاءت مجموعة من النساء المؤمنات من مكة إلى المدينة تاركات بيوتهن وأهليهن، وقد بايعت هؤلاء النسوة النبي بصفته نبيا ورئيسا للجماعة المؤمنة. وأما بنود هذا العقد وشروطه فقد ذكرها الله تعالى في خطابه للنبي:
{يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَنْ لَا يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئًا وَلَا يَسْرِقْنَ وَلَا يَزْنِينَ وَلَا يَقْتُلْنَ أَوْلَادَهُنَّ وَلَا يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلَا يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ اللَّهَ، إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (الممتحنة 60/12)
المعروف هو كل عمل يُعرف جماله بالعقل أو الشرع. وهذا يعني أن هؤلاء النساء كجميع المسلمين يمكنهم معارضة نبينا في الأمور التي يرون أنها تتعارض مع المعروف.
وقد ضرب الله تعالى للناس في القرآن أمثلة حيَّة لتعينهم على فهم مراده من كتابه. يقول الله تعالى:
{وَلَقَدْ صَرَّفْنَا لِلنَّاسِ فِي هَـذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ فَأَبَى أَكْثَرُ النَّاسِ إِلاَّ كُفُورًا[39]} (الإسراء 17/89). يوجد في القرآن الكريم أربعة أمثلة على وجود الخلاف مع نبينا صلى الله عليه وسلم، لكن تم إخفاء هذه الأمثلة بطريقة ما، الآيتان 36 و 37 من سورة الأحزاب المتعلقتان بزيد بن حارثة وزيب رضي الله عنهما قد وقفنا عليهما آنفا، كما ورد ذكر كلمة “تنازع” في الآية 59 من سورة النساء، وتعني اختلاف المسلمين في أمر ما، وقد وردت هذه الكلمة في آيات أخرى. أما تلك المتعلقة بموضوعنا مباشرة فهي الأنفال 8/43 المتعلقة بغزوة بدر، وآل عمران 3/152 المتعلقة بغزوة أحد. وتتحدث آيات أخرى عن مسلمين لم يرغبوا بالخروج مع نبينا لملاقاة المشركين في بدر. بالإضافة إلى ذلك ارتكب المسلمون في معركة بدر ذنبين كبيرين. دعونا نحاول فهم هذه الآيات من خلال سياقها:
_ ما قبل معركة بدر
عندما هم النبي بالخروج إلى بدر جادله فريق من المسلمين مبدين رغبتهم بعدم الخروج إلى هناك. قسمٌ من الآيات تناول الموضوع كما يلي:
{كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِن بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقاً مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ. يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنظُرُونَ. وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتِيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ[40] تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللّهُ أَن يُحِقَّ الحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ[41] وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ. لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} (الأنفال 8/5-8)
كان كل من المسلمين ومشركي مكة يعرفون جيداً “الحقيقة” التي تكررت في سياقات مختلفة في آيات أربعة. وقد كان إخراج المكيين جيشًا كبيرا بقيادة أبي جهل يهدف إلى منع تحقق هذا الواقع. نتعلم هذه الحقيقة من الآيات التالية التي نزلت في مكة:
{ا لم. غُلِبَتِ الرُّوم. فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ. فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ، وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} (الروم 30/1-6)
وفقا للمصادر التاريخية، استولى الفرس على القدس عام 614 م[42]، وهي السنة الخامسة لنبوة محمد عليه السلام. عندما أصبح هرقل إمبراطورًا لبيزنطة اتفق مع الخزر ضد الفرس وهزم الساسانيين (الفرس)، وذلك بعد تسع سنوات في العام 622 م[43]. وقد وقعت معركة بدر عام 624 م. ومن الواضح أن هناك خطأ لمدة عامين هنا. حيث كان من المفترض أن تكون غزوة بدر متزامنة مع انتصار الروم على الفرس، لأنه اليوم الذي سيفرح فيه المؤمنون، ونتوقع من مؤرخينا أن يحققوا في هذا ويكشفوا الحقيقة.
ونظرًا لأن جميع الآيات التي نزلت تم تبليغها أيضًا إلى المكيين، فإن الحقيقة التي يعرفها الجميع كانت واحدة.
بينما كانت قافلة تجارية كبيرة تابعة لقريش قادمة من الشام بقيادة أبي سفيان، انتشر الخبر بأن الرومان خرجوا لحرب الفرس. كانت قافلة قريش تتكون من 1000 بعير محملة. وبحسب الآيات 1-6 من سورة الروم ، كان الرومان سينتصرون في الحرب وسيكون المسلمون سعداء في ذلك اليوم. سعادة المسلمين لن تكون بالطبع احتفاء بانتصار الرومان، بل لحدث عظيم يخصهم تحديدا. إن معرفة المكيين بهذه الحقيقة مسبقا وضعهم في ورطة كبيرة. لقد كان من الممكن أن تذهب القافلة إلى أيدي المسلمين وحتى مكة نفسها. لذا أخرجوا جيشًا من 1000 شخص في وقت قصير. حقيقة أن عدد الجنود مساو لعدد الإبل في القافلة هو مؤشر على أنَّهم خرجوا لحماية القافلة.
لقد خرج المسلمون نحو بدر من أجل القافلة تماما كأهل مكة، تقع بدر على بعد 160 كم إلى الجنوب الغربي من المدينة، على بعد 30 كم من البحر الأحمر، وقد كانت عبارة عن قرية صغيرة تقع على الطريق بين مكَّة والمدينة تستريح بها القوافل الذاهبة إلى الشَّام والقادمة منها. وحتى لا تقع القافلة في كمين المسلمين سلك أبو سفيان بها طريقا على ساحل البحر الأحمر بعيدا عن بدر، ونادرا ما تسلكه القوافل. الآيات التالية تناولت الموضوع كما يلي:
{إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ، وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَا مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ} (الأنفال 8/42).
بعض المسلمين لم يرغبوا حتى بالخروج إلى القافلة، وكانوا قد جادلوا النبي في هذا الأمر. عندما وصلوا إلى بدر، كانوا متمركزين بين جيش مكة والقافلة. وكان من المؤكد أن الله سيمنُّ عليهم بأحدهما (القافلة أو الانتصار على الجيش) كما أكدته الآيات 1-6 من سورة الروم ، لكن المسلمين رغبوا بالاستيلاء على القافلة وليس مواجهة الجيش. دعونا نكرر الآيات ذات الصلة:
{يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ. وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ[44] أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ. لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ} (الأنفال 8/6-8)
بخصوص القضاء على المشركين المكيين نزلت الآيات التالية في مكة، أي قبل الهجرة:
{وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً. سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً} (17/76-77)
قبل معركة بدر نزلت على نبينا الآية التالية:
{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} (الأنفال 8/65)
وكان المسلمون قد كلفوا قبل بدر بقتال الكفار حتى لو كان على عشرة أضعاف من قوتهم، لكن لما رأى الله تعالى ضعف المسلمين خفف التكليف إلى ضعفين. نتعلم هذا من الآية التالية:
{الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا، فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ، وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ، وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} (الأنفال 8/66)
بحسب الآية فإن المسلمين كانوا مكلفين بقتال عدوهم حتى لو على ضعفين من قوتهم، لكن المكيين كانوا أكثر من ثلاثة أضعافهم. إذا علم المسلمون بذلك فإنهم سيقولون إن نبيهم يتصرف ضد القرآن وسيختلفون معه. ولمنع ذلك قلل الله عدد المشركين في أعينهم. نتعلم هذا من الآيات التالية:
{إِذْ يُرِيكَهُمُ اللّهُ فِي مَنَامِكَ قَلِيلاً وَلَوْ أَرَاكَهُمْ كَثِيرًا لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْرِ وَلَـكِنَّ اللّهَ سَلَّمَ، إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ. وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلاً وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ[45] لِيَقْضِيَ اللّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولاً وَإِلَى اللّهِ تُرْجَعُ الأمُورُ}. (الأنفال 8/43-44)
نتعلم من الآية التالية كيف رأى المسلمون جيش المشركين في بدر:
قَدْ كَانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتَا (في بدر) فِئَةٌ تُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَأُخْرَى كَافِرَةٌ يَرَوْنَهُم مِّثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَن يَشَاء إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لَّأُوْلِي الأَبْصَارِ} (آل عمران 3/13) .
تشرح الآية 59 من سورة النساء هذه الآيات المتعلقة بموضوعنا بشكل واضح:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء 4/59)
ضمير المخاطب الجمع في قوله تعالى {فإن تنازعتم} الوارد في الآية أعلاه توضحه الآية 43 من سورة الأنفال،: {لَّفَشِلْتُمْ وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الأَمْر} كما توضح مصير هذا التنازع فيما لو حصل.
بحسب هذه الآيات فإن الأمر في قوله تعالى {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} يحمل معنى سوى الأمر بإيجاد الحلول للقضايا المتنازع عليها من القرآن الكريم.
بعد وضوح معنى السنة في القرآن الكريم ، فإن الكلمة الوحيدة التي يجب أن تقال لأولئك الذين ما زالوا يدافعون عن السنة بمعناها التقليدي هي: “أنتم مسؤولون عن التقصير في قول الحق أمام الله تعالى وليس علينا سوى قول الحقيقة”.
_ نبينا والمسلمون في معركة بدر
في معركة بدر ارتكب نبينا خطأين جسمين كقائد عام في غزوة بدر، وقد غض الصحابة نظرهم عن كليهما، لذا نزلت في حقهم الآية التالية:
{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (الأنفال 8/76).
نتعلم كيف يمكن إثخان العدو وإفقاده القدرة على مواصلة الحرب من خلال الآيات التالية:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ، وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (15-16)
{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (الأنفال 8/ 57)
اتخاذ الأسرى قبل إثخان العدو هو مخالف للآية التي نزلت سابقا[46]، وهي قوله تعالى:
{فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّى إِذَا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ…} (محمد 74/4)
لو لم يكن هناك وعد مسبق من الله تعالى للمسلمين بالنصر لكانت قد حلت بهمة هزيمة منكرة في بدر بسبب ما ارتكبوه من أخطاء مخالفة لسنن الله في نصر المؤمنين. علمنا هذا من الآية التالية:
{لَّوْلاَ كِتَابٌ مِّنَ اللّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} (الأنفال 8/68)
والكتاب المذكور في الآية هو الوعد الوارد في بدايات سورة الروم حيث سيكون انتصار الروم على الفرس موعدا لفرح المؤمنين بإكرام الله بالنصر على المشركين.
وقد ورد تعبير {عَذَابٌ عَظِيمٌ} في 14 آية، سبعةٌ منها بحق الكافرين[47]، واثنتان بحق المنافقين[48]، وخمسة بحق مرتكبي المخالفات الكببرة من المؤمنين[49]. والآية التي نحن بصددها من الخمس الأواخر.
وفيما يخص اتخاذهم الأسرى قبل الإثخان في الأرض، جاء قوله تعالى معاتبا: {تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللّهُ يُرِيدُ الآخِرَةَ} (الأنفال 8/76)، والآخرة هي المشار إليها في الآية التالية، والتي تنبئ عن سنة من سنن الله تعالى:
{وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذًا لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً. سُنَّةَ مَن قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِن رُّسُلِنَا وَلاَ تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً}. (الإسراء 17/76-77)
حوت هذه الآية وعدا بأن مشركي مكة لن يلبثوا خلاف النبي في مكة إلا قليلا إن هم أخرجوه منها، وهو ما أراده الله تعالى كنتيجة لمعركة بدر، أي قطع دابر الكافرين وفتح مكة وإخراج المشركين منها. لكن المسلمين لما لم يلتزموا قواعد النصر التي وضعها الله تعالى فوتوا الفرصة لقطع دابر الكافرين ودخول مكة فاتحين. ولو التزم المسلمون بالقواعد التي حددها للنصر لفتحت مكة على إثر معركة بدر، ولما كان هناك حاجة لمعركة أحد ولا الأحزاب ولا غيرهما.
بالتوقيع على معاهدة الحديبية ، فُتحت الطريق لفتح مكة مرة أخرى. نتعلم هذا من الآيات التالية من سورة الفتح التي نزلت أثناء العودة من الحديبية:
{إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُّبِينًا. لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِن ذَنبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا} (الفتح 1-3)
الخطأ الأول الذي حالت دون فتح مكة كان عدم تعقب العدو في بدر وقطع دابره (الأنفال 8 / 15-16) ، والخطأ التالي هو اتخاذهم الأسرى قبل إثخان العدو (محمد 47/4). وقد نصت سورة النصر على الشرط الذي يترتب عليه مغفرة الذنبين المتقدمين، ألا وهو فتح مكة:
{إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ. وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا. فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا}. (النصر 110/1-3)
بما أن فهم السنة بحسب القرآن مخالف للتراث فقد تم إخفاء ما تضمنته هذه الآيات من تعريف السنة بطريقة ما.
_ معركة أحد
لقد حدث في غزوة أحد وضعا مماثلا لما حدث في بدر. عندما تراجع العدو في البداية مدبرا، نشب الخلاف بين المسلمين. لم يتبعوا العدو حتى يقطعوا دابره، وبدلا من ذلك انشغلوا بجمع الغنائم التي تركها المشركون. وتصرفوا مرة أخرى على عكس الآيات ذات الصلة. عند سماع العدو بانشغال المسلمين بالغنائم عادوا منظمين وحملوا على المسلمين المبعثرين، وخصوصا أنه ليس ثمة وعد بالنصر هذه المرة كما كان الحال في بدر. تراجع المسلمون وتسلقوا الجبل وتحول انتصارهم إلى هزيمة. الآيات التي تصف هذه الأحداث كما يلي:
{وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا[50] وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ. إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَى أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلَا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا مَا أَصَابَكُمْ وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (آل عمران 3/152-153)
لقد فر المسلمون من حول النبي تاركين إياه وحيدا في ميدان المعركة، ولم يسعه حينئذ إلا أن ينادي بهم بصفته رسول الله ويذكرهم بالآيات التالية:
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ. وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلَّا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} (15-16)
{فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ} (الأنفال 8/57)
لما سمع المسلمون هذه الآيات عادوا إلى الميدان وكانوا على موعد مع النصر.
تكشف كل هذه الآيات بوضوح شديد أن الشيء الوحيد الذي يجب طاعته هو كتاب الله.
الخاتمة
كما يظهر فإن السنة والحكمة من المصطلحات الأساسية في القرآن الكريم، ومن خلال تجاهل الآيات ذات الصلة تم حذف هذين المفهومين تمامًا من أجندة المسلمين وتم إنشاء مفهوم جديد يسمى سنة محمد عليه السلام في الوقت الذي لا يمكن أن تكون سنته غير سنة الله (الإسراء 17 / 76-77 ، الأحزاب 33 / 36-37).
كلام النبي محمد بصفته رسول الله هو آيات القرآن. كلماته من غير القرآن وممارساته هي الحكمة التي استخلصها من الآيات. تنص الآية 176 من سورة النساء على أنه يمكن لمحمد (ص) أن يخطئ أثناء محاولته الوصول إلى الحكمة. بالإضافة إلى ذلك ، لا يمكننا الوصول إلى أقواله وممارساته إلا من خلال سلسلة الرواة، ولا يوجد مستند صحيح حول مصداقية الأشخاص في تلك السلاسل، لأن توثيق الأشخاص بدينهم لا يعلمه إلا الله تعالى، كما لا يوجد أي مستند صحيح يشير إلى أنهم نقلوا هذه الأحاديث عن بعضهم البعض. الملاذ الوحيد لتمييز الصحيح من المكذوب مما ورد إلينا من أقواله وأفعاله صلى الله عليه وسلم هو عرضها على كتاب الله تعالى لنرى بعد ذلك إن كانت موافقة لنصه وروحه أو مخالفة، فتأخذ ما اتفق على اعتبار أنه حكمة مستنبطة منه، ونترك ما بدا مخالفا لنصوصه أو مقاصده.
يمكننا أن نرى بوضوح أن الهيكل التقليدي قد فعل كل شيء لإبقاء أحكام الآيات بعيدة عن الأنظار من أجل الإبقاء على ما قرروه. كما هو الحال في الآيات المتعلقة بزيد وزينب أو ما يخص معركتي بدر وأحد. بناء عليه فالشيء الوحيد الذي يتعين علينا القيام به هو اختبار دقة المعلومات التي تصلنا من خلال تطبيق أسلوب الحكمة المتمثل بعرض كل ما يصلنا من معلومات وروايات على القرآن، لأنه الحقيقة المطلقة التي يقاس عليها وينضبط على ميزانه كل قول أو عمل. إذا فعلنا ذلك ، فسنضع القرآن في قلب حياتنا، وسنكون سعداء في الدنيا والآخرة. والذين لا يفعلون هذا فإنهم يخالفون سنة الله ولن يتخلصوا من متاعبهم.
وقف السليمانية/ مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
الترجمة إلى العربية: جمال نجم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر لسان العرب، ابن منظور، مادة سنن
[2] النساء 4/ 26، الأحزاب 33/38
[3] آل عمران 3/137، الأنفال 8/38، الحجر 15/10_15، الإسراء 17/76_77، الكهف 18/55، الأحزاب 33/60-62، فاطر 35/43، غافر 40/84-85، الفتح 48 /22-23
[4] المتتبع للآيات التي فيها الأمر بطاعة الرسول تأتي مطلقة عن القيد، بينما التي يذكر فيها الأمر بطاعة النبي تأتي مقيدة بالمعروف، وذلك لأنه بصفته رسولا يبلغ عن الله آياته فلا يزيد فيها ولا ينقص، فتكون طاعته في الحقيقة طاعة لله تعالى، أما بصفته نبيا فقد يأمر باجتهاده، ولأنه بشر يجري عليه ما يجري على جملتهم فقد يخطئ بالأمر، لذا كانت طاعته مقيدة بالمعروف، وهذا يسلط على ضرورة التفريق بين المصطلحين.
[5] الإصر هو التكليف بالإيمان بالنبي القادم، وقد ارتفع الإصر بالإيمان بخاتم النبيين محمد، لأنه لا نبي بعده.
[6] انظر (البقرة 2/89)
[7] للمزيد حول هذا الموضوع ننصح بقراءة مقالة عبد العزيز بايندر (مصطلح الأُمِّيِّ في القرآن الكريم) على الرابط التالي https://www.hablullah.com/?p=3390
[8] أطالبه بمعنى أُجازيه
[9] الظهار هو أن يقول الرجل لزوجته “أنت علي كظهر أمي” فيعتزلها بدون طلاق. ويمكن للرجل أن يعتزل زوجته لمدة أقصاها أربعة أشهر. في نهاية الأربعة أشهر إما أن يعود إلى زوجته أو يطلقها، ولا يبقى هناك خيار آخر، لأن الاستمرار بالانعزال عنها دون طلاقها فيه ضرر كبير. انظر سورة (البقرة 2 / 226-227) وعندما يعود الرجل لزوجته عليه أن يكفِّر ، وقد ورد تفصيل كفارة الظهار في سورة (المجادلة 2-4)
[10] انظر سورة الحاقة 69/44-47
[11] انظر سورة البقرة 2/148
[12] انظر لسان العرب مادة نهج
[13] سفر صموئيل الثاني 24/16-25
[14] في قلوب المنافقين مرضان: الكفر والكذب، أما الكافرون ففي قلوبهم مرض الكفر (البقرة 2/10) إن نشر الأخبار السيئة في المدينة كان عملا مشتركا بين بعض المنافقين والكفار. أولئك الذين يسيئون التصرف بهذه الطريقة يستحقون العقاب
[15] العقوبة الدنيوية لا تطبق على أي شخص كافر أو منافق لمجرد كفره أو نفاقه. أما الذين سيعاقبون هم فقط أولئك الذين ارتكبوا جرائم.
[16] كانوا يقومون بهذه الأنشطة لطرد النبي من المدينة المنورة. إذا لم يكفوا عن محاولاتهم تلك، فسيتم إخراجهم من هناك، ولن يتم الترحيب بهم أينما ذهبوا ، وسوف يُقتلون.
[17] انظر الأحزاب 33/60-62، الفتح 48/22-23
[18] إلياس شلبي، سنة الله، DIA، بالتأكيد هناك تعريفات أخرى لكنها لا تخرج عن هذا، وقد امتنعت عن ذكرها مخافة الإطالة، حيث يمكن الرجوع إليها جميعا من خلال النظر في تفسير الآيات ذات الصلة من كتب التفسير المختلفة.
[19] هذه الآيات هي كالتالي: آل عمران 3/164 ، الجمعة 62/2 ، البقرة 2/231 ، النساء 4/113 ، الأحزاب 33/34
[20] الشافعي محمد بن إدريس، الرسالة، تحقيق أحمد شاكر، مصر، 1/79
[21] الشافعي محمد بن إدريس، الرسالة، تحقيق أحمد شاكر، مصر، 1/79
[22] انظر البقرة 2/129 ، 152 ، آل عمران 3/164 ، الجمعة 62/2.
[23] آل عمران 3/81 ، الأنعام 6/89.
[24] الأنعام 6/55 ، 97 ، 98 ، 114 ، 119 ، 126 ، الأعراف 7/32 ، 174 ، التوبة 9/11 ، يونس 10/5 ، 37 ، هود 11 / 1-2 ، يوسف 12/111 ، الرعد 13/2، الإسراء 17/12، الروم 30/28 ، فصلت 41/3 .
[25] الضمير في (منه ) يعود إلى القرآن، لأن صفة الإنذار والتبشير خاصة به (فصلت 41/4). وقد قام نبينا بهذه المهمة بالقرآن. وعلينا كمسلمين أن نتصرف مثله.
[26] “شهداء” جمع شهيد، وهي هنا بمعنى أهل العلم (أحمد بن فارس. مقاييس اللغة ، مادة شهد). هذه الآية تقول للمشركين: إذا كنتم صادقين في دعواكم فادعوا من تعتبرونهم أعلم الناس وليكتبوا سورة مماثلة لتلك الموجودة في القرآن. إذا لم يستطيعوا فعل ذلك، فستفهمون أن هذا الكتاب هو كتاب الله تعالى، وعليكم الإيمان به، ومن يفعل فقد وقى نفسه من العذاب.
[27] هود 11/13، الإسراء 17/88
[28] كلمة الكتاب جنس، والمقصود جميع الكتب التي أنزلها الله تعالى.
[29] يرشد الله تعالى إلى التخلص من وساوس الشيطان بقوله: {وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذا مَسَّهُمْ طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ تَذَكَّرُوا فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ. وَإِخْوانُهُمْ يَمُدُّونَهُمْ فِي الغَيِّ ثُمَّ لا يُقْصِرُونَ} (الأعراف 200-202)
[30] آل عمران 3/48 ، النساء 4/113 ، المائدة 5/110 ، ص 38/20.
[31] البقرة 2/129، 151، آل عمران 3/164، الجمعة 62/2.
[32] الكلالة هو من مات وليس والد (أب أو أم) وولد (ابن أو بنت). إذا مات ولم يكن له أم ولا ولد فالآية 12 من سورة النساء تبين نصيب الأخوة لأم، وفي هذه الآية أيضا بيان لنصيب الأخوة لأب إذا لم يكن للمتوفى أب أو ولد. إذا لم تكن الأم على قيد الحياة فميراث الأخوة لأم يعطى بناء على الآية 12 من سورة النساء، وإن لم يكن الأب موجودا فالأخوة لأب يعطون نصيبهم بحسب الآية 176 من سورة النساء.
[33] انظر المفردات، مادة ضل
[34] سنن الدارمي، برقم 605، بيروت 1407
[35] انظر سورة البقرة 2/129 ، 152 ، وآل عمران 3/164 ، والجمعة 62/2
[36] مفردات الراغب، مادة رسل
[37] أبو جرير الطبري، جامع البيان، تفسير الآية 36 من سورة الأحزاب
[38] الإمام الشافعي، الرسالة، 1/104-105
[39] بالرغم من قيام الحجة على البشر ببيان الأحكام وضرب المثل عليها إلا أن أكثرهم يصم أذنيه عن سماع الحق ويختار الباطل. يقول الله تعالى {وَإِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَحْدَهُ اشْمَأَزَّتْ قُلُوبُ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآَخِرَةِ وَإِذَا ذُكِرَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ} (الزمر 39/45)
[40] المقصود قافلة مكة التي كان يقودها أبو سفيان أثناء عودتها من الشام. انظر الأنفال 8/42
[41] كلمات جمع كلمة، وأقل الجمع في العربية ثلاثة، وهذا يعني أن ما يريد الله إحقاقه بكلماته ثلاثة أمور على الأقل، الأول هو فرح المؤمنين في اليوم الذي ينتصر فيه الروم على الفرس. والثاني ما تقتضيه الآيات (الإسراء 17/76-77) من إخراج المشركين من مكة، والثالث أن يفعل المسلمون ذلك بموجب الآية 191 من سورة البقرة.
[42] ميدان لاروس ، الساسانيون ، ج. 11 ، ص. 24 1981
[43] ميدان لاروس القدس MD. ج 7 ، ص. 612
[44] المقصود بالطائفتين، قافلة قريش وجيشها
[45] آل عمران 3/13
[46] لو لم تكن هذه الآية نزلت قبل بدر لما كان نبينا مدانا، لأن القرآن يقرر بشكل واضح أنه لا يدان المرء قبل وصول العلم اليقيني إليه (البقرة 2/120، 145، آل عمران 3/61، الرعد 13/37)
[47] البقرة 2/7 ، 114 ، آل عمران 3/105 ، 176 ، المائدة 5/33 ، النحل 16/106 ، الجاثية 45/10
[48] المائدة 5/41 ، التوبة 9/101
[49] الأنفال 8/68 ، النحل 16/94 ، النور 24/11 ، 14 ، 23
[50] قوله تعالى {منكم من يريد الدنيا} تعبير عن الغنيمة، والمقصود هنا المنافقون (التوبة 9/47-48)
يقول د. محمد الفقيه:
للأسف معظم المتخصصين بعلم الحديث عندما تحاورهم وتواجههم بأحاديث صحيحة السند وهي متعارضة مع كتاب الله ومتناقضة معه يلجأون إلى عدة أساليب لاسكاتك ولقمعك منها :
١_ أن ما تقوله قاله المستشرقون من قبلك وما أنت إلا مكرر لما قالوا.
٢_ من أنت حتى تنتقد كتب الصحاح وبعضهم قال من ينتقد كتب الصحاح لا يساوي غرزة في نعل احدهما.
٣_ أن التعارض الذي تزعمه رد عليه العلماء .
٤_ يتهمونك بأنك منكر للسنة النبوية من أجل إثارة الرأي العام عليك .
٥_ يتهمونك بأنك قرآني أو شيعي بقصد اخراجك من الملة حسب قناعتهم.
٦_ يقولون لك أن الدين لا يؤخذ بالعقل .
٧_ يقولون إن الذي يشكك بالسنة يشكك بالقرآن، علما بأنك ما تناقشه به بعض الأحاديث المعارضة لكتاب الله.
٨_ ياتونك بتاويلات للحديث وتكلف في تفسيره لإقناعك بصحته.
هذه بعض الأساليب القمعية التي يمارسها بعض المتخصصين بعلم الحديث أثناء الحوار معهم من أجل إسكات صوتك ، وكان الأولى بهم بدل من السير بهذا الإتجاه أن يكون لهم موقف ريادي في مواجهة هذه الروايات وعرضها على كتاب ورد وتضعيف كل رواية تتعارض مع كتاب الله ، ولكنهم للأسف يلجأون إلى التكلف والتأويل في تفسير هذه الروايات ولي اعناقها ليستقيم معناها ولن يستقيم ، للأسف هؤلاء الذين سلكوا هذا المسلك هم لا يدافعون عن سنة الرسول صلى الله عليه وسلم وإنما يدافعون عن تخصصاتهم وشهاداتهم ومراكزهم الوظيفية ولو تجرأ أحدهم على الخروج عن هذا الخط لهدد في وظيفته ومركزه الوظيفي ولهدد في ترقيته ولنبذ بين أقرانه ، لذلك لا بريد أحد منهم أن يواجه الحقيقة ويدفع ثمن موقفه وثمن الشهادة لله التي سيسأل عنها أمام الله يوم القيامة.