السؤال:
كيف أصلح صورة الله تعالى في عقلي، لقد فتنت فأصبحت أرى الله غير عادل، وأنه يفضل الرجال على النساء، وأصبحت هذه مشكلة كبيره لدي. فكيف أصلح هذا الأمر في نفسي وكيف أنجو من هذه الفتنة؟. وما مدى صحة كتابي مسلم والبخاري؟ وما مدى صحة هذا الحديث : عن أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ” يُعْطَى الْمُؤْمِنُ فِي الْجَنَّةِ قُوَّةَ كَذَا وَكَذَا مِنْ الْجِمَاعِ قِيلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَ يُطِيقُ ذَلِكَ قَالَ يُعْطَى قُوَّةَ مِائَةٍ ” رواه الترمذي برقم 2459 وقال : صحيح غريب، وما معنى صحيح غريب؟ تذكرون دائما بأنَّ الله لا يفرق بين الذكر والأنثى في الجنة. لكن هناك العديد من الأحاديث التي تقول بأن الرجل يتزوج العديد من الحور العين. و تفسير الآية 55 من سورة يس لدى الكثير من كبار المفسرين أنها جماع الأبكار وفضهن حيث يبقى الرجل منهمكا بهذا الأمر. والقرآن ذكر نعيم الحور العين وهو ليس للنساء. وقد أحسست أن الجنة أفضل للذكور، وأن الله ميز بين الجنسين. فلماذا لم يذكر نعيما خاصا لنا كما ذكر للرجال؟. وعندما بحثت عن الأمر رأيت أن أغلب الشيوخ و المواقع الإسلامية تتحدث عن نعيم الحور العين وتتحدث عن نعيم الرجال في الجنة، فضاق صدري. وجعلني أظن أن الله يفضل ويحب الرجال علينا. و لا أستطيع – مهما حاولت – أن أُخرج هذه الفكرة من رأسي، وقلبي لا يهدأ، وصرت على يقين بأن الله غير عادل، وصرت أرى أن الإسلام سيء، وهذا سبّب لي الكثير من المشاكل. و جعلني أفكر بترك الإسلام، لأنني مهما حاولت سأبقى أقل درجة من الرجل في الدنيا و الآخرة. ومهما قمت به من عمل صالح سيكون نعيمه أفضل من نعيمي. و لم أعد أستطيع جعل الجنة محفزا لي للقيام بفعل الخير، لأنه في كثير من الآيات والأحاديث يفضل الرجال علينا. وجعلني أتمنى لو أنني ولدت رجلا. لأنني لو ولدت ذكرا لما حدثت كل مشاكلي وبل رغبت بعمل الخير لما لي من نعيم وتفضيل. ففي القرآن لم يذكر أي شيء جيد يميزنا عن الرجال. بل العكس ففيه الكثير من الآيات التي تفضل الرجال على النساء، وسئمت من أن أرى كبار الشيوخ يقولون إن الرجال أعلى درجة منا، ويضعون أحكاما مخصصة للنساء كأنهن لا يمتلكن أحلاما وطموحا ورغبات، حتى وإن توقفت عن سماع الناس وركزت على القرآن فإن هذه الأفكار تبقى عالقة في بالي، ولا أستطيع التوقف عن التفكير فيها بتاتا، وأتألم من الداخل و يزداد قهري، كأن هناك شيطان يوسوس في رأسي. فما الحل ؟
الجواب:
إن ما يدور في عقل السائلة الكريمة ويشغل بالها يعود السبب فيه لنقاء قلبها وبقاء فطرتها سليمة، ذلك أن صاحب الفطرة السليمة لا يقبل الأخطاء حتى لو صدرت من غالب الناس. أما بالنسبة لوساوس الشيطان فهو أمر طبيعي يحدث لكل البشر لا سيما الصالحين منهم، حتى الأنبياء لم يسلموا من ذلك، فالصالحون عموما هم المستهدفون بوساوسه فليس له عمل عند الفاسدين. وهو اختبار من الله تعالى للإنسان قَالَ سُبْحَانَهُ:
﴿وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلَا نَبِيٍّ إِلَّا إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ﴾ الحج (52)
فالآية ذكرت فعل الشيطان وذكرت كيفية التغلب عليه، وذلك بإحكام الله تعالى آياته، فعلينا العودة إليها عندما يعترينا الشك ويختلط علينا الحق، فلا يكفي أن نستعيذ بالله تعالى فقط من تلك الوساوس ولكن ينبغي على المسلم أن يعود إلى آيات الكتاب التي سيجد فيها الإجابة عن كل تلك التساؤلات التي تدور في عقله، وعلى كل مَن بحث عن الحق في كتاب الله أن يتيقن بأن الله تعالى سوف يوصله إلى مبتغاه إذا كان صادقا في مسعاه. يقول الله جَلَّ وعلا:
﴿وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَاۚ وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ﴾ العنكبوت (69)
وحكم الله العدل سوف نجده في كتابه وأمر رسوله بالحكم به دون غيره قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:
﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُۚ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا﴾ النساء (105)
أما الخائنون فهم الذين لا يرضون بحكم الله ويريدون أن يحكموا بحكم الجاهلية الذي يفضل الذكور على الإناث وهم الذين قال الله تعالى عنهم:
﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَىٰ ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ﴾ النحل (58)
ولأن هؤلاء الجاهليين كانوا يكرهون البنات فقد زعموا أن الملائكة إناثٌ وقالوا أنهم بنات الله تعالى.
ومن هنا ظهرت تلك الروايات التي تُحقر من شأن الأنثى وتفضل عليها الذكور وجعلتها ناقصة العقل والدين وأنهن أكثر أهل النار، وليتهم نسبوا هذا الزعم لأنفسهم بل افتروه على الله تعالى ورسوله.
افتروه على الله تعالى عندما فسروا آياته وكتابه بحسب أهوائهم ونفوسهم المريضة، وافتروها على رسوله بأن تقوَّلوا عليه أقوالا وأفعالًا لا تخرج من نبي ورسول كريم وصفه ربه بقوله:
﴿وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ﴾ القلم (4)
هذا النبي الذي توعده ربُّه بأن يهلكه لو قال عليه شيئًا لم ينزل في كتابه:
﴿تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ * لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ * ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ﴾ الحاقة (46)
لقد نجح نبينا بهذا الاختبار فلقي ربه وقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة وأقام الحجة ونصح للأمة. لكن لم تغب شمسه عن الدنيا حتى نسبوا إليه أقوالا لا تخرج إلا من إنسان لا يؤمن بالله ولا بكتابه. وهؤلاء قد ذكرهم الله تعالى في كتابه بقوله سبحانه:
﴿يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لَا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْكُفْرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْۛ وَمِنَ الَّذِينَ هَادُواۛ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ﴾ المائدة (41)
فانظر إلى قوله تعالى ﴿لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ﴾ وهم أولئك الذين جاءوا بعد الرسول ومهمتهم الأساسية هي أنهم ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ﴾ وليست قضية الإناث فقط هي التي تم تحريفها ولكن هناك الكثير من القضايا (وإن كانت الأنثى قد نالت النصيب الأكبر من تلك الافتراءات) فإن حزنت الأنثى لأنها قد أسيء إليها فلا تنس أن أصل الإساءة كانت لله ولرسوله ومثل ذلك ما قيل عزاء لنبينا لما اشتد عليه تكذيب قومه له:
﴿قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآَيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ﴾ الأنعام (33)
أما بالنسبة لموضوع السؤال وهو تفضيل الذكر على الأنثى، فهذه المسألة قد بدأت حتى قبل مجيء النبي الخاتم، ولو بحثنا سوف نجدها في كل الكتب السماوية من التوراة والإنجيل (بالطبع ما حرفه شياطين الإنس والجن) ثم استمرت بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، حتى إن بعض تلك الافتراءات قد وردت كأحاديث منسوبة إلى نبينا الكريم في مصنفات الحديث ومنها كتب البخاري ومسلم ، وهذه الكتب ليست صحيحة كلها، فهي نتيجة لجهود أفراد من البشر، ومعلوم أن جهد البشر لا يسلم من الخطأ مهما حسنت النية ، فتلك المرويات التي تحط من شأن الأنثى _وغيرها كثير_ لم تكن إلا من عمل شياطين الإنس والجن ليصرفوا الناس عن الحق المبين في كتاب رب العالمين، وعلى المسلم الحق ألا يصدق على الله سبحانه وعلى رسوله شيئًا قبل أن يجد مستنده من كتاب الله تعالى، فإن كان القول أو الرواية أو التفسير مخالفا لكتاب الله أو مقاصده أو الفطرة أو المعروف فهو بلا أدنى شك كذب وافتراء على الله ورسوله.
فنجد أن قضية الإناث وتحقيرهن قد بدأت منذ العصور القديمة حيث زُعم أنها خلقت من ضلع أعوج، وهذه الرواية التوراتية تسربت إلى عقيدة المسلمين عبر روايات نسبت زورا إلى نبينا الكريم، ولو عرضا كلامهم على كتاب الله تعالى سنجد قوله تعالى:
﴿يَٓا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً﴾ النساء (1)
فالأنثى خلقت من ذات النفس التي خلق منها الذكر[1]. لذا فإن الادعاء بأنها خلقت من ضلع أعوج لا يصح لأنه مخالف للآية.
وزعموا أن النساء أكثر أهل النار، ولكننا لو عدنا إلى كتاب الله فسنجد الآيات التي ذكر فيها الذكر والأنثى لم تفرق بينهما إلا بالعمل الصالح لا بالجنس. يقول تعالى:
﴿مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَاۖ وَمَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ غافر (40)
﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰۖ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِۗ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾ آل عمران (195)
﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةًۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ النحل (97)
ولنسأل أنفسنا كيف يجعل الله الأنثى ناقصة عقل ودين وفي الوقت نفسه يجعل حسابها مثل الذكر تمامًا وهو _كما يزعمون_ كامل العقل والدين!!
فالقارئ لكتاب الله لن يجد آية واحدة تُفرق في الحساب بين الذكر والأنثى نعيمًا أو عذابًا سواء في الدنيا أو الآخرة، فالقرآن ليس مسؤولًا عما أُلحق به من تفسيرات باطلة.
والمتدبر لكتاب الله تعالى سيجد أنه سبحانه قد أوجب على الذكر أن يقوم برعاية الأنثى والحفاظ عليها، حتى في توزيع الميراث عندما جعل للذكر ضعف نصيب الأنثى فلم يفرض ذلك من باب ظلم الأنثى _حاشاه تعالى عن الظلم_، بل فرضه لأنه أوجب الإنفاق للنساء على الرجال، فالمرأة تحصل على حقها في الميراث وفي الوقت نفسه يتولى الرجل الإنفاق عليها سواء أكان أبا أم زوجها أو ابنا أو حتى أخا. وعند تأسيس الحياة الزوجية فإن الزوج هو الذي يدفع المهر ويجهز المسكن ويتولى الانفاق على أسرته.
ولو تمعنا الآية التالية لفهمنا أن الشقاء في هذه الدنيا هو من نصيب الذكر. قَالَ تَعَالَىٰ:
﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ﴾ طه (117)
فلم يقل الله تعالى (فتشقيا) ذلك أن الله تعالى خلق في الرجل القوة البدنية اللازمة للكسب ومن ثم رعاية أهله والدفاع عنهم وليس لأن يتجبر عليهم أو يظلمهم.
وإذا جئنا للآيات التي تتحدث عن الحور العين فهي كمثلها من الآيات الكثيرة التي حُرفت عن معناها الحقيقي لتوافق منطق من يكرهون الأنثى ويقللون من شأنها وكأن الجنة قد خُلقت لمتعة الرجال الجنسية!!
الآية موضع السؤال هي قوله سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿إِنَّ أَصْحَابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فَاكِهُونَ﴾ يس (55)
ولنسأل أنفسنا هل أصحاب الجنة هم الذكور فقط ؟! وأصحاب النار هن الإناث فقط؟! أليس أصحاب الجنة هم من الذكور والإناث وبالتالي فإنهم جميعا في شغل فاكهون؟ لماذا يُقصر فهم الآية على الرجال دون قرينة تدل على ذلك؟ أليس هذا من التحريف؟.
كان يجب عليهم أن يقرؤوا الآية التي قبلها والآيات التي بعدها، فقد قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا:
﴿فَالْيَوْمَ لَا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئًا وَلَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ يس (54)
والسؤال هنا: أليس كلمة {نفس} تشمل الذكر والأنثى؟ وهل بدَّل الله تعالى كلامه بعد هذه الآية وظلم الإناث في الآية التي بعدها مباشرة؟! (معاذ الله)
أم أن كلمة ﴿نَفْسٌ﴾ لفظ خاص بنفوس الرجال دون النساء؟!
والآيات بعدها تقول:
﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ * لَهُمْ فِيهَا فَاكِهَةٌ وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ * سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ﴾ يس (58)
ألم يذكر الله تعالى الأزواج هنا؟! أم أن كلمة الأزواج كذلك تعني الرجال فقط؟!
وهل من رحمة أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين أن يخص مؤمن بنعيم دون غيره على أساس الجنس؟!
فالحور العين ليست نساء بيضاوات خلقهن الله تعالى لمتعة الرجل كما يزعمون بل إنهن خدم في الجنة خلقهن الله تعالى لأهل الجنة جميعا الذكر والأنثى، وكلمة (زوجناهم) في قوله تعالى:
﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾ الطور (20)
لا تعني الزواج بمعنى النكاح، بل تعني التزواج الذي هو الاقتران فالزوج هو المقترن بالشيء ولا تقال فقط على النكاح أو الزواج. فالحور العين مقترنة بالمؤمنين رجالهم ونسائهم كما الولدان المخلدون.
والدليل على ذلك واضحٌ في كتاب الله تعالى الذي جعل الحور العين للمتقين (من الجنسين) في قوله تعالى:
﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍۖ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾ الطور (17: 20)
وجعلهم كذلك للسابقين وأصحاب اليمين في سورة الواقعة.
ولنسأل أنفسنا هل المتقين والسابقين وأصحاب اليمين في القرآن أوصاف خاصة بالرجال أو الذكور دون الإناث؟! بالطبع كلا.
إذا أردنا الجواب على تلك التساؤلات علينا أن نعود إلى كتاب الله لنعلم علم اليقين أن النعيم والعذاب متعلق بإيمان الشخص وعمله وليس بجنسه.
وأما من يتقولون على الله تعالى غير الحق أو حتى يعتقدون ويصدقون تلك الأقاويل فهم كمن قيل فيهم:
﴿يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ﴾ آل عمران (154)
وهؤلاء يتوعدهم ربهم:
﴿وَذَٰلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾ فصّلت (23)
وختامًا نوصي أنفسنا والسائلة الكريمة وكلَّ من تقع عينه على هذه الكلمات أن نتفكر فيما يُقال لنا أو نقرأه، فليس كلُّ ما يلمع ذهبًا، وليس كل كلام يُزيَّن بقول منسوب إلى نبينا يصبح دينا، فكم من الأقوال والأفعال نُسبت إليه زورا لتحريف الدين وحرف المؤمنين عن عقيدتهم، وعلى المرء ألا يغترَّ بكثرة الدعاة والشيوخ الذين يتواردون على نفس الرأي فغالبهم يقول ما حفظ دون تدبر أو وعي، وهذا عند افتراض حسن نيتهم. وفي هذا يقول الله تعالى:
﴿وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِۚ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ الأنعام (116)
فالمسلم الحق يترك الظنون ويتمسك باليقين. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ﴾ الأعراف (170)
القرآن الكريم هو الكتاب الوحيد على وجه الأرض الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، لأنه محفوظ من رب العالمين، فمهما وجدت من القائلين بغير ما جاء فيه من كثرة فتذكر قوله تعالى:
﴿قُلْ لَا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِۚ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾ المائدة (100)
وعلى المسلم أن يصبر نفسه مع من اتبع كتاب الله وما أنزل من الحق امتثالًا لقوله تعالى:
﴿وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَاۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا﴾ الكهف (28)
وليتذكرْ كلُّ متمسك بالكتاب أن ما يحدث معه من صراع مع أصحاب الهوى قد حدث للنبي نفسه لصرفه عن كتاب الله وافتراء غيره. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿وَإِنْ كَادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ لِتَفْتَرِيَ عَلَيْنَا غَيْرَهُۖ وَإِذًا لَاتَّخَذُوكَ خَلِيلًا﴾ الإسراء (73)
فهذا الرسول الذي افتروا عليه تلك الأقاويل سوف يشكوا قومه لرب العالمين لأنهم قرأوا كتابه وحفظوه لفظًا، ولكنهم هجروا تدبره والعمل به. قَالَ اللَّهُ جَلَّ وعَلَا:
﴿وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا﴾ الفرقان (30)
جعلنا الله من المهتدين بكتابه العاملين بما فيه إنه مجيب الدعاء.
وقف السليمانية/مركز بحوث الدين والفطرة
الموقع: حبل الله www.hablullah.com
شيماء أبو زيد العدلي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] انظر مقالة عبد العزيز بايندر (آدم وحواء) على هذا الرابط https://www.hablullah.com/?p=3015