السؤال : أغلب المسلمين يرددون عبارة فداك أبي وأمي يا رسول الله، ويقولون بأنه يجب أن نحب الرسول أكثر من الوالدين …. إلخ .. أنا أجد الأمر غريبا وخاطئا، فما رأيكم؟
الجواب: في البداية يجب أن نعرف ما معنى هذا الحب والفداء وما هي دواعيه وماذا ينبني عليه؟
حيث أن كثيراً من الناس من يردد تلك العبارة (فداك أبي وأمي يا رسول الله) وهو أبعد ما يكون عن سبيل الله ورسوله، ولذلك قد لا يقبلها السامع وينفر منها، وكان يجب عليه أن ينفر من قائلها.
وإن بحثنا عن مسألة حب رسول الله سوف نجده من الأمور التي تحدث عنها كتاب الله تعالى، بل إن المتدبر لكتاب الله تعالى سوف يجد أن كلمة الحب الحقيقي جاءت متعلقة فقط بالله تعالى ورسله قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِۖ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ﴾ البقرة (165) فالإنسان الموحد بالله المؤمن برسالة التوحيد يحب الله سبحانه ورسله أكثر من أي شيء حتى من نفسه وإن فعل فقد نال أعظم الحب قَالَ جَلَّ في عُلاه: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لَائِمٍۚ ذَٰلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُۚ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ المائدة (54)
ولكن هذا الحب ليس مجرد كلمة تقال باللسان، فمن دواعي هذا الحب وأسسه أن يتبع المؤمن ما بلغه الرسول عن ربه، وأن يبذل النفس والمال في سبيل نصرة الحق قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ التوبة (24)
فكما نرى أنه يجب على المؤمن الحق أن يقدم حبه لله سبحانه ولرسوله على الدنيا بأسرها.
ولا يعتقد الإنسان أن حب الله سبحانه ورسله يمنعه من حب نفسه وأهله وعمله، ذلك أن حب الله سبحانه هو النور الذي يمد عين المؤمن بالبصيرة وقلبه بالمودة والرحمة وجوارحه بالبر والصبر والعمل الصالح، فيسعد بذلك ويسعد به من حوله من أهله ورفاقه.
إن محبة الله تعالى تكون بالتسليم له وطاعته وحب رسوله يكون بالاقتداء به في العمل برسالة الله، فالنبي نفسه قد بذل حياته ونفسه وماله وجهده وقدم كل ما لديه من أجل أن يؤمن الناس بربهم، ولذا استحق أن يكون أولى عندنا من أنفسنا قال سُبْحَانَهُ: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ الأحزاب (6)
ولنا الأسوة الحسنة في هؤلاء الذين قدموا أنفسهم وامتثلوا لقول ربهم فقال فيهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَىٰ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَۚ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَۖ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِۚ وَمَنْ أَوْفَىٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِۚ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِۚ وَذَٰلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ التوبة (111)
وهؤلاء هم المحبون لله سبحانه ورسله حقًا، والمتأمل في الآية يجدهم غير مقتصرين على جيل أو أتباع نبي بعينه، بل يجدهم في كل زمان ومكان في أتباع جميع رسل الله يؤمنون بالله ولا يفرقون بين أحد من رسله.
ومن هنا فإن عبارة (فداك أبي وأمي يا رسول الله) غير مرفوضة في ذاتها ولكنها غير مقبولة ممن يقولها بلسانه معلنا الحرب الكلامية على من يؤذون الرسول ولكنه في الوقت ذاته أسوأ مثال لمن يزعمون اتباع هذا الرسول الكريم صاحب الخلق العظيم.