السؤال: انقلبت أحوال زوجتي فجأة بعد حياة زوجية طويلة استمرت أكثر من ١٥ عاماً كان فيها أشياء جميلة وحب متبادل، وأصبحت تبتعد عن فراشنا وترفضني وقد خرجت للعمل وقامت بتزوير توقيعي بدون علمي على موافقات العمل تلك، جلست جلسة معها محاولا الإصلاح لوجود أولاد بيننا وعرضت عليها الطلاق أيضا كحل أخير إن رغبت في ذلك، ولكنها قالت لي إنها لا ترغب في الطلاق وطلبت أن نظل نعيش في منزل واحد ولكن كل واحد منا في حاله، بعد أن وافقتها بشكل مؤقت من أجل بناتنا وعلى أمل أن يكون هناك إصلاح في المستقبل ازدادت تصرفاتها نشوزا وغرابة فقمت بمراقبتها واكتشفت للأسف خيانتها لي، فقمت وقتها بالابتعاد عن المنزل مخافة أن أقوم بإيذائها نتيجة أفعالاها الشنعاء التي صدمتني صدمة لم أصدق إني سوف أتعرض لها طيلة حياتي خاصة وإني لم أقصر معها في أي شيء، بل بالعكس كانت تحيا حياة كريمة نسافر ونتنزه ونشتري ملابس من ماركات شهيرة واشتريت لها سيارة أحلامها، لا شيء ينقصها حقيقة، وقد تركت منزلي وعشت في منزل أخي ولكني كنت أقوم بدفع كافة مصروفات بيتي من مأكل ومشرب وكهرباء وإيجار وكل شيء كما كان.
وفي نفس الوقت طلبتُ من إخوتها وكبار عائلتها الانفصال بهدوء على أن تعطي الحضانة لي لأنها بعد فعلتها لا تؤتمن على تربية بناتنا، ولكنها رفضت وهم أيضاً وبكل أسف لم يفعلوا شيئاً. وقامت بإخفاء كل مصوغاتها من المنزل التي كنت قد اشتريتها لها لتتحلى بها، وفي نفس الوقت بنية الادخار للمستقبل حيث أنني كنت لا أجيد الادخار، وفوجئت أيضاَ أنها قامت برفع دعوى طلاق للضرر بحجة أنني تركت المنزل ولا أقربها، أنصحوني بالله عليكم.
الجواب: الحياة الزوجية الناجحة لا ترتكز بالأساس على مقدار المال الذي ينفقه الزوج على زوجته أو خروجه معها للتنزه وشراء الملابس الثمينة والسيارات الفارهة، بل إن السكينة المودة والرحمة والاحترام المتبادل هي الأساس التي تبنى عليه الحياة الزوجية الناجحة. يقول اللَّهُ سُبْحَانَهُ:
﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةًۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾ الرّوم (21)
أما مسألة أنك اكتشفت خيانتها لك فهل رأيت هذا بعينيك؟ أم هناك أربعة شهود؟ إن كانت الإجابة بالنفي لكلا السؤالين السابقين فلا يمكنك الاستمرار بهذا الادعاء.
ومن الممكن أن يكون الزوج قد رأى زوجته في علاقة جنسية مع رجل آخر، فإن كان في وضع يمكِّنه من إثبات تلك العلاقة بواسطة الشهود فله رفع القضية إلى المحكمة. يقول الله تعالى:
﴿وَاللَّاتِي يَأْتِينَ الْفَاحِشَةَ مِنْ نِسَائِكُمْ فَاسْتَشْهِدُوا عَلَيْهِنَّ أَرْبَعَةً مِنْكُمْ فَإِنْ شَهِدُوا فَأَمْسِكُوهُنَّ فِي الْبُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ الْمَوْتُ أَوْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا﴾ (النساء ١٥)
وإن لم يكن في وضع يمكِّنه من إثبات ادعائه بالشهود فبإمكانه اللجوء إلى المحكمة أيضا وإنهاء الزوجية بواسطة اللعان. قَالَ الله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِۙ إِنَّهُ لَمِنَ الصَّادِقِينَ. وَالْخَامِسَةُ أَنَّ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ. وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ. وَالْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ اللَّهِ عَلَيْهَا إِنْ كَانَ مِنَ الصَّادِقِينَ ﴾ (النّور 6-9)
وفي الآيات التالية يبين الله تعالى كيف يدلي الزوج بشهادته وكيف يمكن للزوجة رد شهادته بشهادتها، وبذلك يتم التفريق بين الزوجين.
فكما نلاحظ فإن الله تعالى سمى الزوج راميًا فطالبه بالشهود أو الأيمان. وإن لم يأت بأحدهما يثبت عليه حد الرمي (القذف) وهو جلد ثمانين جلدة بحسب قوله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النور ٤)
وإذا أراد الزوج الافتراق عن زوجته دون تلطيخ سمعتها فله إجبارها على الافتداء. أي يمارس عليها من الضغوط ما يجعلها تطلب الافتراق عنه، وهنا يمكن للزوج أن يسترجع بعض ما أعطاه لها من المهر وغيره. الآية المتعلقة بهذا قوله تعالى:
{وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ} (النساء، 4/19)
وفي بعض الحالات قد يلجأ زوجٌ إلى إلصاق تهمة الزنا بزوجته جزافا ليضغط عليها فترد عليه ما أخذت منه ليتمكن من الزواج من امرأة أخرى، وهذا بهتان عظيم. يقول الله تعالى:
{وَإِنْ أَرَدتُّمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَّكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنطَارًا فَلاَ تَأْخُذُواْ مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإِثْماً مُّبِيناً. وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنكُم مِّيثَاقًا غَلِيظًا} (النساء، 4/20_21)
الحكام الذين يعرفون أحوال الزوجين عن كثب لا بد أن يضعوا نصب أعينهم جميع الحالات والاحتمالات أثناء الإصلاح.
أما مسألة رفع الزوجة قضية الضرر بحجة ترك زوجها البيت فلها الحق في ذلك إن رفض الرجوع من تلقاء نفسه، لأن اجتماع الزوجين في بيت الزوجية هو مقتضى الزواج ولا يتصور وجوده بتباعدهما دون سبب مشروع.
أما بالنسبة للأموال والذهب التي يعطيها الزوج لزوجته فليس له الحق في المطالبة به عند الطلاق سواء كان من ضمن المهر أو زيادة عليه. كما نصت عليه الآية 20 من سورة النساء
وقوله تعالى في الآية “وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا” يدخل فيه قليل المهر وكثيره كما يدخل فيه ما أعطاها من المهر وغيره كالهدية والهبة، فقد شرع الله تعالى حرية تمليك أحد الزوجين ما يشاء من الأموال لزوجه كما في قوله تعالى:
﴿فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ (المهر) إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا﴾ (النساء ٢٤)
ومن الجدير التنويه إلى أن اتهام امرأة لا سيما الزوجة بالزنا دون دليل هو من كبائر الذنوب التي نهانا الله تعالى عنها، وهو سبب للهلاك في الدنيا والآخرة. قَالَ اللَّهُ تعالى:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (النّور 23).