السؤال: لدي إشكال في أحكام العورات وأظن أني تعلمته بالتفكير أكثر من اللازم والآن لا أعرف كيف أحل ذلك.. أرجو منكم إرشادي. النظر إلى العورات كالشعر والرقبة من النساء دون شهوة محرم ووصف العورة لمن لا يجوز له النظر إليها، بعض الفقهاء لا يلحقون وصف النساء في القصص الخيالية بهذا، حيث يرون أنه يجوز وصف شعر امرأة ويديها وهكذا طالما ليس وصفا مثيرا للغرائز وبالتالي يرون جواز النظر إلى عورات الرسوم الكرتونية تحت الشرط السابق، ولكن أليست كلها عورات لغير المحارم سواء كانت لأشخاص حقيقين أم لا فلماذا التفريق؟ يحتج بعضهم بأن النظر محرم لأنه من دواعي الزنا فقد يتعلق أحدهم بما رآه ويجره إلى الفاحشة وهذا غير ممكن مع صور خيالية ، ولكن من هذا المنطلق فهل يجوز لأحدهم أن يرى صورة لامرأة ميتة دون شهوة مثلاً، فهي غير موجودة ولا سبيل لممارسة الزنا معها قطعاً، ولكن إن قلنا أنها عورة بغض النظر عن إمكانية ممارسة الزنا معها فيجب أن نقول بحرمة النظر إلى عورات الرسوم الكرتونية ووصف النساء في القصص. وقد يقال إنه لا دليل على الحرمة وإنما التحريم كان في النظر إلى النساء المعلومات، ولكن أليس تفصيلا في الحكم لا دليل عليه.
هذا كله أن كان النظر إلى العورات محرم تحريم الوسائل، أم إن كان حرام لذاته تحريم المقاصد، فهل يكون التحريم واقعا على كل عورة بعنيها، أم فقط على عورات النساء الحقيقيات ولا عبرة لإمكانية وقوع الزنا؟
أخاف أني أحرم الحلال دون علم أو أني أتحايل على الشرع لتحليل الحرام، قد يكون الأمر أبسط من ذلك ولكني لا أدري ما هو الصواب أرشدوني أثابكم الله.
الجواب: للإجابة على هذا السؤال يبنغي علينا أن نتدبر الآيات القرآنية ذات العلاقة ومنها قوله تعالى:
﴿قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْۚ ذَٰلِكَ أَزْكَىٰ لَهُمْۗ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ﴾ النّور (30)
والمتأمل في الآية يجد التعبير باللفظ الدقيق “أبصارهم” ولم يقل أنظارهم، ذلك أن النظر يختلف عن البصر، كما جاء في قوله تَعَالَىٰ:
﴿وَإِنْ تَدْعُوهُمْ إِلَى الْهُدَىٰ لَا يَسْمَعُواۖ وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ﴾ الأعراف (198)
وعلى ذلك فإن مجرد النظر الذي لا يتعدى إلى تبصر العورات لا يعد حرامًا ولا يأثم صاحبه (سواء أكان رجلًا أو امرأة) وهذا من رحمة الله تعالى بعباده حيث أن الاختلاط موجود بين الناس بالضرورة.
والـ (من) في قوله تعالى {يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ} تبعيضيَّة، وتفيد بأن المطلوب غضُّ بعض البصر وليس كلَّه؛ والبعضُ المقصود هو النَّظر بشهوة، بدلالة الاقتران في قوله تعالى مباشرة {ويحفظوا فروجهم}. وقد ربطت الآية بين الغضِّ من البصر وبين حفظ الفرج، فدل على أن المطلوب غضه من البصر ما كان مستهدفا للعورات.
وهناك من كلا الجانبين من هو ملتزم بالزي الشرعي واللباس الذي يوراي العورات ومن هو غير ذلك فأراد رب العالمين أن ييسر التعامل بين الناس ولم يحرم مجرد النظر الذي يحتاجه الناس للتواصل فيما بينهم لمعرفة المخاطب واحترامه ولكنه حرم النظر بشهوة.
وبما أن مجرد النظر ليس محرمًا وأن البصر هو المعتبر فإن وصف عورات النساء يندرج تحت التحريم فلربما توصف امرأة فيشتهيها رجل وهو لم يرها ذلك أنه قد أبصر بقلبه ما لم يره بعينه.
أما بالنسبة للرسوم الكرتونية أو المتحركة فهي تندرج تحت قوله تعالى: ﴿وَلَا تَقْرَبُوا الزِّنَاۖ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا﴾ الإسراء (32) فالنهي هنا ليس فقط عن الزنا وإلا كان النهي بقوله تعالى(ولا تزنوا) ولكن النهي جاء عن مجرد الاقتراب من تلك الفاحشة وذلك باتخاذ الوسائل المؤدية إليها كالمكالمات الهاتفية والرسائل الآثمة أو مشاهدة الصور أو الأفلام الجنسية حتى لو كانت كرتونية، فإن إثارة الغرائز قد تؤدي بالإنسان إلى البحث عن الزنا، فكل ما يقرب إلى الفاحشة فهو حرام يأثم فاعله (حتى وإن لم يرتقٍ للكبيرة لكنه) يستحق التوبة منه.