السؤال: كثيرا ما يراودني سؤال، وهو لماذا لم يجعل الله للمرأة المطلقة أو التي تعول أولادها بعد الطلاق لعدم رغبة الأب في الإنفاق ميراثا يساوي ميراث الرجل؟ فهي كائن ضعيف و تحتاج أيضا إلى المال في هذه الحالة مثلها مثل الرجل ، و أيضا مَن في مهمته الإنفاق على المرأة بعد طلاقها و بعد وفاه الأب؟ من يكفلها ماديا؟ أعلم أن كثيرا من الشيوخ يقولون أن للمرأة نصف الرجل لأن الرجل هو الذي ينفق ولكن في بعض الأحيان تضطر المرأة للإنفاق فلماذا تأخذ نصفه في هذه الحالة؟ و في أوقات لا يكون الأخ متزوجا فليس عليه مسئولية و يأخذ أيضا الضعف! و هي في أوقات تكون مسئولة و تأخذ نصفه! و أخيرا لماذا لم يعط الله المرأة مثل الرجل في الميراث لينفق كل منهما على نفسه فلا تكون دائما في موضع ذل و طلب؟ تضطر الزوجة في كثير من الأوقات أن تتحمل الإهانة من زوجها لأنه مصدر المال و مصدر الرزق بعد الله. لماذا جعلنا كنساء دائمات الاحتياج للرجال ماديا سواء زوجة أو أختا و لم يضمن لنا الاكتفاء المادي مثله؟
الجواب: في البداية يجب توضيح نقطتين غاية في الأهمية ألا وهما:
- مسألة (لماذا لم يفعل الله كذا وكذا؟) قَالَ اللَّهُ جَلَّ في عُلاه: ﴿لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ﴾ (الأنبياء 23) فلا يحق لنا أن نوجه لله تعالى مثل هذا السؤال وغيره على سبيل الاعتراض أو الشك في حكمته بما أمر وشرع؛ لأنه تعالى هو العليم الخبير البصير بعباده ﴿إِنَّهُ كَانَ بِعِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا﴾ (الإسراء 96) وهو أعلم بما يصلح لهم من التشريعات لأنه خالقهم ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ﴾ (الملك ١٤)
وعلى الرغم من أننا لا يحق لنا أن نسأله تعالى ولكنه من رحمته بنا قد بيّن لنا علل الأحكام بشكل عام، لكي يطمئن الإنسان إلى حكمة وعدل خالقه الذي هو أعلم به وأعلم بما يصلحه ويفسده.
ولكن إن كان طرح السؤال من قبيل طلب العلم أو معرفة الحكمة فلا بأس به: ﴿وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (البقرة 282).
- المسألة الثانية أن دين الله تعالى وشرعه القائم على الرحمة والحكمة والعدل لا علاقة له بتلك التصرفات التي لا تمت للدين والشرع بصلة، فلا ينبغي علينا أن نحكم على عدل الله تعالى وشرعه من خلال تلك السلوكيات الشخصية التي لا تعبر إلا عن صاحبها. قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ﴾ (المدّثر 38) فالخلل في تنفيذ أوامر الله تعالى لا ينسب إلى الله تعالى بل ينسب إلى فاعله الذي سوف يحاسب عليه بالمثقال قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِۖ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنْشُورًا﴾ (الإسراء 13)
وإذا جئنا لموضوع السؤال فقد قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ وَبِمَا أَنْفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ (النساء 34) وعندما أوجب تعالى النفقة على الرجال لم يوجبها فقط للزوجات بل لكل من يعوله سواء الأبناء أو الوالدين أو حتى الأخوات اللاتي في حاجة إلى النفقة ولم تستطع أن تنفق على نفسها. وكون الشخص يقع في مسؤولية غيره بالنفقة لا يجعل منه ذليلا، فالوالدان _مثلا_ يقعان في مسؤولية الأبناء عند عجزهما لكن الله تعالى أمر بخفض الجناح لهما، ولا يصح بحال أن يكونا في موقع ذل وترجي.
والمتدبر لآيات نفقة المطلقة يدرك الإجابة عن تساؤلات السائلة وهي مرتبة كالتالي:
- المطلقة قبل انتهاء العدة، قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:
﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْۖ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍۚ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِۚ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُۚ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا﴾ (الطلاق 1)
فقد أوجب الله سبحانه ألا تُخرج المطلقة من بيتها طوال فترة العدة وبالتالي، فإن حقها في النفقة ما زال قائما لأنها زوجته، ويصف من يفعل غير ذلك بأنه قد تعدى حدود الله تعالى.
- بعد انتهاء فترة العدة وخروج الزوجة من بيت الزوجية فإن لها حق المتعة، قَالَ سُبْحَانَهُ:
﴿وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِۖ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ﴾ البقرة (241) فكما نرى قد جعل سبحانه لها نفقة متعة بصرف النظر عن كونها حاملًا أم لا.
- نفقة الحامل. قَالَ الله تعالى:
﴿أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ مِنْ وُجْدِكُمْ وَلَا تُضَارُّوهُنَّ لِتُضَيِّقُوا عَلَيْهِنَّۚ وَإِنْ كُنَّ أُولَاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ حَتَّىٰ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّۚ فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّۖ وَأْتَمِرُوا بَيْنَكُمْ بِمَعْرُوفٍۖ وَإِنْ تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَىٰ﴾ (الطلاق 6)
فالآية واضحة في وجوب الإنفاق على المطلقة الحامل حتى تضع حملها، بل إنه سبحانه قد جعل لها نفقة لمدة عامين طوال فترة الرضاع مع ملاحظة هامة ألا وهي: أن الآية هنا تتحدث عن نفقة المطلقة الحامل والمرضع وليست نفقة الطفل المولود، وذلك لأن الأم الحامل التي لم تضع مولودها بعدُ والأم المرضع على الرغم من أنها ترضع رضاعة طبيعية إلا أنها تحتاج إلى المال لتتغذي بشكل صحيح لحاجة الجنين إن كانت حاملا ولإدرار اللبن للرضيع إن كانت مرضعا، بل إن المطلق إن لم ينفق عليها أباح الله تعالى لها أن ترفض إرضاع ابنها.
- نفقة المولود نفسه. قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِۖ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَۚ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِۚ لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَاۚ لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِۚ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَٰلِكَۗ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَاۗ وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلَادَكُمْ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِۗ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ (البقرة 233)
فالآية كما نرى تتحدث عن نفقة الأولاد وكسوتهم بشكل مفصل وختمت الآية الكريمة بتذكير الآباء بتقوى الله تعالى وبتحذيرهم من التكاسل والتقاعس عن النفقة.
- أما بالنسبة للسؤال أنه إذا مات الزوج فمن يكفل الزوجة ماديًا؟ ولماذا لا يكون للزوجة نصيب مثل نصيبه لتنفق منه على أولادها؟
فإنه إذا مات الأب وورثت الزوجة فإنه بالضرورة أن يرث أولاده، فأين نصيب الأولاد لتنفق منه عليهم؟
وإن لم يكن لهم ميراث ولا مصدر للدخل فهم في حكم الفقراء الذين يستحقون الصدقة، كما يجب على المؤسسات القانونية أن تكفل الأرامل واليتامى الذين ليس لهم من ينفق عليهم، والدليل على ذلك أنه سبحانه وتعالى قد جعل لليتامى نصيبًا من الغنائم والفيء (الأنفال 41 والحشر 7) كما أن هناك الكثير من الآيات التي ألزمت المؤمنين بالإنفاق على اليتامى والقيام لهم سواء من كان لهم ميراث بالحفاظ على أموالهم أو لم يكن لهم مال عن طريق التكافل الاجتماعي.
ومن هنا فإن كلام السائلة ينبعث من أفعال العباد الذين يتجبرون عند الطلاق ولا ينفقون على مطلقاتهم وأولادهم ويلقون بالمسؤولية على كاهل المطلقة حيث تضطر للخروج للعمل أو التذلل للأب حتى ينفق على أولادها، وكذلك فإن المجمتع كله كأفراد وجماعات قد قصروا حين قبلوا بالظلم للمطلقة، وكذلك القانون الذي تقاعس في كثير من الأحيان عن وضع عقوبات رادعة تلزم هؤلاء الرجال بالنفقة على أولادهم.
وبالتالي فإن تلك التصرفات قد انعكست بشكل مباشر على الثقافة الدينية، ولكن الأجدر بنا ألا نسيء الظن برب العالمين وأحكم الحاكمين وألا نشك في عدله سبحانه الذي ساوى بين عباده حين جعل للذكر ضعف نصيب الأنثى، ذلك أنه ألزمه بالنفقة عليها ولم يوجب على المرأة النفقة على أحد، بل إن ما تحصل عليه من مال التركة أو غيره لا تكلف بإنفاقه حتى على أولادها.
وقد كتب الله تعالى الشقاء على آدم دون زوجه حين خرجا من الجنة فقَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿فَقُلْنَا يَا آدَمُ إِنَّ هَٰذَا عَدُوٌّ لَكَ وَلِزَوْجِكَ فَلَا يُخْرِجَنَّكُمَا مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقَىٰ﴾ طه (117)
فالله سبحانه لم يظلم الأنثى بل إنه تعالى قد أخرجها من ظلم الجاهلية وكرمها حين أنزل سورة باسمها وأثبت لها حقوقها كاملة وتوعد من يخالف أمره.