السؤال: السلام عليكم .. لدي ابنة خلعت زوجها لأنه كان يؤذيها. زوجها منع عنها ملابسها وأجهزتها ومنع النفقة عن أولاده تماما ولم يتصل بهم في أول عام على الإطلاق، ودائما يراسلني بالسباب والشتائم، وأنا لا أرد عليه، كما أنه في البداية عندما حاولنا أن نريه أطفاله بالحسنى، جاء بعد إيصالهم للمنزل وسب ابنتي وعائلتها في الشارع وكانت وحدها في ذلك الوقت. بعد أن حكمت المحكمة بخلعها لم ينفق عليهم أيضا، وقد كلمته ولم نتفق وأخبرته أنه إذا لم ينفق عليهم إلا بحكم المحكمة من نفقة (وهو مبلغ ضئيل جدا لا يتجاوز ١٠ بالمئة من مصاريف الأطفال) فإنه أيضا لن يراهم إلا بحكم المحكمة. فهل ما يدعيه أننا قد ظلمناه في حقه برؤية أولاده دون نفقة عليهم صحيح؟ خصوصا أنني أعيش في دولة غير الدولة التي تسكن فيها ابنتي. والمعذرة على الإطالة
الجواب:
مما لا شك فيه أن هذا الرجل قد ظلم مطلقته حين لم يعطها حقها ووجه إليها السباب وكذلك ظلم أولاده حين لم ينفق عليهم وجعلهم يدفعون ثمن خلافاته مع زوجته رغم أنه سبحانه وتعالى قد أوصانا بالإحسان عند الطلاق فقال:
﴿فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍۗ وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِۖ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِۗ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَعْتَدُوهَاۚ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ﴾ (البقرة 229)
والإحسان هو أعلى درجات التعامل، وقد أمر الله تعالى الرجل بالإنفاق على أولاده حتى قبل أن يولدوا حين أوجب النفقة للمطلقة إذا كانت حاملاً (الطلاق 6).
أما بالنسبة للسؤال فإن هؤلاء الأولاد هم مسؤولية الأب من حيث النفقة والسكنى، فإن كانت الزوجة تستطيع أن تسلم الأولاد إلى أبيهم وتراهم هي بصفة مستمرة فلتفعل؛ لأنه يجب عليه توفير ما يلزمهم من المسكن والنفقة. قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ:
﴿وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾ (البقرة 233)
وإن أرادت أن تبقيهم معها فعليه الإنفاق عليهم وتوفير المسكن الملائم لهم. ولا ينبغي له أن يلحق الضرر بها ولا بهم.
أما بالنسبة لمسألة رؤية الأب لأولاده، فلا ينبغي على السائلة أن تحرم الأب من رؤيتهم وتلحق به الضرر كما فعل هو وذلك امتثالًا لقوله تعالى:
﴿لَا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلَا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ﴾ (البقرة 233)
فقد أمر الله تعالى كلا الزوجين بعدم إلحاق الضرر بالآخر. فلا ينبغي أن تجعل من ظلمه دافعًا لها لتظلمه. قَالَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ:
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْۖ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْۚ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (المائدة 105)
إن تعاملت الأم بالإحسان الذي أمر الله تعالى به فربما يكون ذلك سببًا في إصلاح هذا الرجل وعودته للحق: ﴿لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا﴾ (الطلاق 1)
فعليها ألا تقابل الإساءة بالإساءة لقوله تعالى: ﴿وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُۚ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ﴾ (فصّلت 34)
دفع السيئة بالحسنة ليس أمرا سهلاً لكن ثماره طيبة، وأول هذه الثمار إعطاء القدوة الحسنة للأولاد وربما يعود أبوهم إلى رشده فتنصلح الأمور، ولهذا قال الله تعالى بعدها: ﴿وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ﴾ (فصّلت 35)