السؤال: هل للزوج أن يحاسب زوجته و يفضحها إذا لم تنزف يوم زفافها؟ هل من حقه اتهامها بأنها ليست عذراء؟ هل يبيح الدين للزوج أن يحاسب زوجته على ما مضى من حياتها أم أن له أن يحاسبها من بعد زواجها منه؟ لماذا خلقت الأنثى بالغشاء مع أن هذا ضد فكرة الستر؟ وهذا السؤال ليس اعتراضا فالله خلقنا جميعا رجالا و نساء معرضين للوقوع في الخطأ أو الزنا، فلماذا توجد علامة لشرف الأنثى قد تفضحها إذا أخطأت ولا توجد للرجل أي علامة على هذا بل يُستر في جميع الأحوال؟ أليس الستير اسم من أسماء الله يستر الرجال و النساء أيضا؟ لماذا تُحاسب المرأة على عذريَّتها و لا يحاسب الرجل على هذا حيث لا توجد علامة تعلم بها الزوجة هل زنى الزوج أم لا؟ وهذا ستر له، فلماذا نحن لا نحاط بهذا الستر ؟ هل رتب الله لهذا الغشاء أحكاما أو أقر بأن على الأنثى أن تنزف لتؤكد أنها شريفة؟ شكرا
الجواب: يجب أن نعلم أن الله تعالى قد خلق الإنسان على أكمل صورة، قَالَ تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ (التين 4)
ولم يخلق شيئًا على سبيل العبث ﴿أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا﴾؟ (المؤمنون 115)
وكذلك لم يخلق أي شيء في الكون عامة وفي جسم الإنسان خاصة لإلحاق الضرر به. قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (البقرة 143)
أو لتكون السبب في عذابه وفضيحته: ﴿مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا﴾ (النساء 147)
ولم يظلم أحدًا من خلقه لحساب أحد سواء أكان ذكرًا أم أنثى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (يونس 44)
ومسألة أن الله تعالى قد خلق المرأة بغشاء يُعلم منه عذريتها ويكون فقده دليلًا على ارتكابها الزنا لا يعد نقيصة بل آية كمال، فلو تدبرنا الأمر لوجدنا أنه حماية للمرأة وليس عقوبة لها؛ وذلك لأن الله سبحانه يعلم أن نظرة المجتمع لزنا المرأة أشد من نظرتهم لزنا الرجل، فهو سبحانه العليم بمن خلق: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾ (الملك 14)
والواقع يشهد بذلك، ففي الوقت الذي ساوى فيه تعالى بين الرجل والمرأة في عقوبة الزنا والحكم عليهما: ﴿الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍۖ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ﴾ (النّور 2) إلا أن
المجتمعات قد انحرفت في حكمها على المرأة لدرجة أنهم إذا شاهدوا المرأة تسير في الطريق مع رجل أجنبي عنها فربما يتبادر إلى الكثير منهم أنها فاجرة، على العكس من ذلك إن شاهدوا الرجل يسير مع أجنبية عنه فربما وصفوه بالجذاب وغير ذلك من أوصاف المديح.
وقد جعل الله تعالى للمرأة هذا الغشاء ليكون عونا لها لتصون نفسها وتحافظ على جسدها ولا يكون مستباحًا لكل عابث.
ولنضرب على ذلك مثالًا باللؤلؤ الذي لا يجده الناس في البحار عائمًا أو ملقى على الشاطئ كالأصداف والحجارة، ولكنه يبقى مكنونًا في صدفه للحفاظ عليه، حتى وإن اقتناه الإنسان فإنه يخبئه بعيدًا عن الأيدي فلا يكون عرضة لكل يد.
فلو خلق الله سبحانه المرأة بدون هذا الغشاء لخسرت أحد كوابح الانزلاق إلى المعصية وخاصة أمام أكاذيب المنحرفين من أصحاب النوايا السيئة تحت مسمى الحب.
فعذرية الفتاة تُعلي من شأنها وترفع من قدرها، مع ملاحظة أن العذرية قبل أن تكون غشاء يتمزق ليلة الزواج أو في حادث، هي في الحقيقة العفة والطهارة، لأن المرأة العفيفة هي التي تصون نفسها ولا تسمح لأحد أن يمس جسدها إلا بكتاب الله تعالى الذي اشترط لها شروطًا تضمن حقوقها وتحفظ كرامتها وكرامة أهلها، لا أن تسلم نفسها للعابثين
حتى إذا نال أحدهم منها مراده تركها لمصيرها المحتوم من حسرة النفس والشعور بالظلم والقهر أو ربما القتل من أهلها الجانحين، هذا إن لم يتركها تحمل في أحشائها طفلًا سوف يواجه الحياة بالعار والخزي، ولذلك تلجأ بعض النساء المغرَّر بهن لإلقاء هذا الطفل في الطرقات أو حتى في سلة القمامة، والواقع يشهد بذلك ونحن نشاهده رأي العين مما يتسبب في نشر الفساد والأذى للمجتمع كله.
أما بالنسبة لسؤالك هل من حق الزوج أن يفضح زوجته لأنها لم تنزف يوم زفافها؟
في البداية يجب أن نعلم أن النزيف أو خروج الدم ليس دائمًا يكون شرطًا على البكارة كما أشار الطب وأثبته الواقع، أما مسألة فضح الفتاة فليس من الدين في شيء ومن فعل ذلك فعليه حد القذف. قَالَ الله تعالى:
﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًاۚ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾ (النّور 4)
و الله تعالى لم يعط الرخصة لأن يفضح الرجل حتى زوجته التي رآها تزني بعينيه، حيث شرع لها الأيمان الخمس لتدفع عن نفسها العذاب وليرفع عن أسرتها وأولادها الخزي والعار، قَالَ الله تعالى:
﴿وَيَدْرَأُ عَنْهَا الْعَذَابَ أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِۙ إِنَّهُ لَمِنَ الْكَاذِبِينَ﴾ (النّور 8)
فلا علاقة للدين الحنيف بمن أباحوا قتل الزوجة حالة التلبس بالزنا وفضحها على رؤوس الأشهاد. هذا إن كانت زوجته وتحمل اسمه، فما بال من أخطأت قبل أن يعرفها وقبل زواجه منها ولم تقم بخيانته.
ولكن إن وجد الرجل زوجته ليست بكرًا واعترفت له هي بخطئها، فإن للزوج في هذه الحالة خيارين لا ثالث لهما، فإما أن يتقبل الأمر على اعتبار أنها لم تخنه ولم تكن تحت عصمته حين زنت وقد تابت إلى ربها قبل زواجها منه، ويراعي أنها لو أرادت أن تغشه لفعلت ذلك وأنكرت أنها زنت، وإما أن يرفض ويطلقها بعد فترة دون أن يفضحها، وله عندئذ أن يسترد المهر الذي دفعه؛ لأنه لا ضرر ولا ضرار لكليهما.
وختامًا: فإن الله سبحانه شرع لنا من الدين ما يصون الأعراض ويحفظ الكرامات، وعلينا تدبر كتابه لنستبط منه العبر والحكمة من خلقه سبحانه ﴿وَإِنَّهُ لَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ (النّمل 77) وإن لم نصل إلى الحكمة وعجز تفكيرنا عن إدراكها فعلينا أن نثق بأننا نعبد ربا عظيما رحيما لا يظلم الناس شيئا، وقد كتب على نفسه الرحمة كما جاء بقوله تعالى:
﴿وَإِذَا جَاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِنَا فَقُلْ سَلَامٌ عَلَيْكُمْۖ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلَىٰ نَفْسِهِ الرَّحْمَةَۖ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءًا بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ (الأنعام 54) فلم يقل _سبحانه_ أنه يغفر للذكور دون الإناث، بل لكليهما، لأنه واسع المغفرة ووسعت رحمته كل شيء.
أما الذين يتلاعبون بأعراض النساء فسوف يعذبون عذابًا شديدًا في الدنيا والآخرة قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ:
﴿إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾ (النور 19).