حبل الله
هل يصح أداء فريضة الحج في كل أيام السنة؟

هل يصح أداء فريضة الحج في كل أيام السنة؟

السؤال: سمعت من يزعم بأنه يصح أداء الحج في أي وقت من أوقات السنة، وأن إلزام الناس بالوقت المعلوم ليس من الدين في شيء وإنما هو ابتداع الفقهاء. فهل هذا صحيح؟، وما الدليل من القرآن على أنه يؤدى في شهر ذي الحجة؟

الجواب: لم يفرض الله تعالى شعيرة تعبديّة إلا بوقت مخصوصٍّ لها تؤدَّى فيه، كما هو الحال في الصَّلاة والصِّيام. والحجُّ ليس استثناء، فكما أنَّ مناسكه معلومة فإنَّ وقت أدائه معلوم كذلك، فلزوم أداء الحج في وقته المعلوم ليس ابتداعا من أحد بل هو عين ما جاءت به الآيات ذات الصلة، ويمكننا رصد ذلك في النِّقاط التَّالية:

1_ يقول الله تعالى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} (البقرة 197)

ولم يسمِّ الله تعالى أشهر الحج لأنها معلومة منذ آدم عليه السلام، ولو لم تكن كذلك لأنكر المعاصرون للتَّنزيل هذا الوصف ولقالوا بأنهم لا يعلمونها. يقول الله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ} (آل عمران 96)، وبكَّة هو الوادي الممتدِّ من جبل عرفات حتى الكعبة المشرَّفة الذي يشتمل على جميع مناسك الحجِّ، وهي الأماكن التي حجَّ إليها آدم عليه السَّلام والأنبياء من بعده، وقد هُدمت الكعبة في طوفان نوح، وبقيت كذلك حتى أعاد إبراهيم بناءها، وقد دعا إبراهيم ربه أن يريه مناسك الحجِّ كلّها، فتجدَّد الحجُّ المعهود منذ آدم.

2_ الشَّهر الذي تُؤدَّى فيه مناسك الحجِّ هو  ذو الحجَّة، الذي يعني الشَّهر الذي تُؤدَّى فيه فريضة الحجِّ، وهذا دليل على تعلُّق أداء مناسك الحجِّ به لا بغيره.

3_ قال الله تعالى: {فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ وَاذْكُرُوهُ كَمَا هَدَاكُمْ وَإِنْ كُنْتُمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الضَّالِّينَ. ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} (البقرة 188- 199)

ومثل هذا الخطاب لا يوجَّه في عبادة يمكن أداؤها في كلِّ وقت، بل في عبادة تُؤدَّى في وقت واحد، لذا جاء الخطاب فيها للجماعة. ويخاطب الله تعالى أهل مكَّة بأن يفيضوا من حيث أفاض النَّاس، لأنَّهم كانوا يعتبرون أنفسهم أهل البيت (الكعبة) فلا يفارقونها.

4_ يتحدَّث القرآن عن يوم الحجَّ الأكبر بقوله تعالى:

{وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ} (التوبة 3)

ويوم الحج الأكبر، لا بد أن يكون اليوم الذي تُودَّى فيه أعظم مناسك الحج، وهو يوم يعرفه جميع المخاطبين بالضَّرورة، ولو كان الحجُّ يؤدَّى في كلِّ أوقات السَّنة لبطل توصيف أحد أيامها بأنَّه يوم الحجِّ الأكبر، ولما بقي فائدة أن يُخصَّ ذلك اليوم بإعلان البراءة من المشركين.

5_ يقول الله تعالى: {وَاذْكُرُوا اللَّهَ فِي أَيَّامٍ مَعْدُودَاتٍ، فَمَنGkşvتَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ، وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ لِمَنِ اتَّقَى، وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ} (البقرة 203)

وقد نزل القرآن بلغة العرب وأعرافهم اللغوية، وقوله تعالى “أياما معدودات” فهمها العرب في وقت التَّنزيل أنَّها أيام التَّشريق، تلك الأيام التي اعتادوا الذِّكر في منىً من لندن إبراهيم عليه السَّلام. ولو كان الحجُّ يصحُّ في كلِّ وقت لما ذكر أنَّه أيامٌ معدودات، ولما ذكر أنَّه يمكن التَّعجيل في يومين، بل لجعله خاليا عن قيد التَّوقيت والعدد.

6_ لو كان الحجُّ يُؤدَّى في كلِّ وقت فهذا يعني جواز الأضحية في كلِّ وقت كذلك، بمعنى عدم لزومها في عيد الأضحى.

هذه الأدلة وغيرها تبين بوضوح أن الحج يؤدى في الوقت المعلوم، وهذا ما جاء به كتاب الله تعالى وسار عليه المسلمون إلى يومنا هذا بفضل من الله تعالى وتوفيق منه.

تصنيفات

Your Header Sidebar area is currently empty. Hurry up and add some widgets.