السؤال: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته… بداية أشكركم على سعة صدركم وعلى تفسير القرآن بما يتناسب مع عصرنا الحالي، أرتحت نفسيا هنا على موقعكم الكريم وأردت أن أسألكم سؤالا يراودني منذ زمن ولكنى لم أجد من يجيبنى إجابة تشفي صدري … لقد ذكر الله تعالى أن الحور العين هي مكافأة الله لـ (أهل الجنة) ودائما ما يأتي ذكرها بعد آيات وصف الجنة، نسأل الله أن نكون وإياكم من أهل الجنة. وأهل الجنة سيكونون من الذكور والإناث، صحيح؟ إذاً كيف سيعطي الله الذكور شيئا ولا يعطي مقابله للنساء؟ كيف سيميز الله فئة عن الآخرى في الجنة وهم فى نفس المنزلة؟ هل الحور العين مقصود بها شئ آخر؟ أم للنساء أيضا حور عين ؟ شكرا لكم.
الجواب: وعليكم السلام ورحمة الله، وأهلا بك دائما في موقعنا، ونسأل الله تعالى أن نكون عند حسن ظنك بنا.
لقد حوى السؤال جزءا كبيرا من الإجابة لما جاء فيه: أن أهل الجنة سيكونون من الذكور والإناث فكيف يميز الله تعالى الذكور على الإناث وهم في نفس المنزلة؟!
وهل يظلم الله تعالى عباده ويفرق بينهم على أساس النوع والجنس أو اللون واللغة وهو خالقهم جميعًا؟!
ألم يقل سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُواۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾ (الحجرات 13)
أم أنه قال (إن أكرمكم عند الله ذكوركم أو رجالكم)؟!
يجيب علينا سبحانه وتعالى: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لَا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰۖ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍۖ فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِۗ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ﴾ (آل عمران 195)
فهل ضيع الله تعالى عمل الأنثى وأخرجها من الآيات؟!
نجد الرد في قوله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ﴾ (البقرة 143)
وقوله سُبْحَانَهُ: ﴿وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَٰئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا﴾ (النساء 124)
فهل بدَّل الله تعالى كلامه وظلم الأنثى بعد نزول الآية؟ يجيب علينا سبحانه: ﴿مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ (ق 29)
وجزاء كل من الذكر والأنثى ليس فقط في الآخرة بل في الدنيا كذلك يقول سُبْحَانَهُ: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَىٰ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةًۖ وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (النحل 97)
فهل خصص الله تعالى شيئا للذكر في الدنيا أو في الآخرة لم يخصصه للأنثى؟!
يقول تعالى عن المتقين: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ * فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ * مُتَّكِئِينَ عَلَىٰ سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍۖ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾ (الطور 17: 20)
وقَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ * فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * يَلْبَسُونَ مِنْ سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُتَقَابِلِينَ * كَذَٰلِكَ وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾ (الدّخان 51 :54)
ويقول كذلك للسابقين: ﴿وَحُورٌ عِينٌ * كَأَمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ* جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ (الواقعة 24)
أليست النساء داخلة ضمن المتقين والسابقين وأصحاب اليمين في الآيات التي تعدهم بالحور العين؟!
وإذا كانت لم تدخل ضمنهم، فهل خرجت كذلك من خطاب الإنس والجان: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * حُورٌ مَقْصُورَاتٌ فِي الْخِيَامِ﴾ (الرحمن 72).
أم أن تلك الألفاظ خاصة بالذكور أو الرجال؟!
أم أن الله سبحانه قد أخلف وعده للمؤمنين في قوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًاۖ وَعْدَ اللَّهِ حَقًّاۚ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلًا﴾ ؟! (النساء 122) تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا ،
بل الناس هم من ظلموا أنفسهم: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ النَّاسَ شَيْئًا وَلَٰكِنَّ النَّاسَ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾ (يونس 44) حين بدلوا قول ربهم واتبعوا روايات افتريت على نبيه لم ينزل الله بها من سلطان.
فالحور العين _كما بينت الآيات_ هي للذكور والإناث على حد سواء، والحور ليست نساء خلقهن الله تعالى لمتعة الرجل كما يزعمون، بل إنهن خدم في الجنة خلقهن الله تعالى للمؤمنين ذكورا وإناثا، وكلمة (زوجناهم) في قوله تعالى:﴿وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ﴾ (الطور 20) لا تعني الزواج بمعنى النكاح أو علاقة الرفث، بل تعني التزواج الذي هو الاقتران، فالزوج هو المقترن بالشيء ولا تقال فقط على النكاح أو الزواج.
فالحور خدم لأهل الجنة كالولدان المخلدين يطفن على كل أهل الجنة مثلهم، ولكن الفرق بينهما يكمن في أن الحور العين يطفن على أهل الجنة في القصور والخيام، أما الولدان المخلدون فيطوفون عليهم خارجها.