السؤال: قال الله في كتابه “والطيبون للطيبات” و لكن أمي امرأة صالحة ولكنها تزوجت أبي، وأبي لم يكن على درجة من الصلاح في نظرها، فقد كان متعدد العلاقات قبل الزواج. فسؤال أمي لكم؛ قال الله هذا في كتابه ولكن طالما رأينا طيبين متزوجين من الجبابرة! فهل هناك تفسير لهذا ؟ أليس من الظلم أن يكون إنسان طيب من نصيب شخص شرير؟ وهذا ليس اعتراض ولكن طالما أرق أمي هذا السؤال. و أيضا قال الله “الزاني لا ينكح إلا زانية” ونجد أن هناك زناه متزوجين من طاهرات أو العكس ، أريد أن يتسع صدركم في شرح هذه النقطه التي أرادت أمي أن تسأل عنها منذ ٢٠ عاما.
الجواب: السائلة الكريمة إن ما يحدث للبعض من أرق وقلق لا ينبع من كتاب الله تعالى وإنما من تفسير الآيات بشكل لا يتفق مع سياقها ولا مع الواقع الحقيقي لحياة الناس، وهذا ما حدث بالفعل مع الآية الكريمة موضع السؤال من ناحية ما ذكرتِ من تفسير مخالف للسياق والواقع، فقد قَالَ الله تعالى: ﴿الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِۖ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِۚ أُولَٰئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَۖ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ﴾ (النّور 26).
فالسياق الذي جاءت فيه الآية الكريمة لا علاقة له بالزواج من الطيبين أو الخبيثين وإنما جاءت الآية في سياق قذف المحصنات الغافلات المؤمنات قَالَ اللَّهُ جَلَّ في عُلاه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ * يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ﴾ النّور (23-25)
ولنلاحظ أن الآية بدأت بالخبيثات فبعد أن أخبرنا سبحانه أن هؤلاء الذين يرمون المحصنات سوف تشهد عليهم أعضاؤهم أراد أن يقرر لنا حقيقة مؤكدة ألا وهي أن تلك الكلمات الخبيثات التي تتهم المؤمنات لا تخرج إلا من الخبيثين من الناس، وأن الخبيثين من الناس هم فقط من تخرج منهم الكلمات الخبيثات، و كذلك الأمر نفسه مع الطبيات من الكلمات التي لا تخرج إلا من الطيبين من الناس وهؤلاء الطيبون لا يخرج منهم إلا الكلمات الطيبات.
فكلمتي الخبيثات والطيبات لا تشير إلى جمع الإناث ولكنها تشير إلى الكلمات الخبيثة التي تُرمي بها المؤمنات الغافلات، وكذلك فإن كلمتي الخبيثين والطيبين لا تشير إلى جمع الذكور وإنما تشير إلى جميع الناس ذكورا وإناثا.
والدليل على ذلك أن الله تعالى قد وصف الكلمة الحسنة بالطيبة: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ﴾ (إبراهيم 24)
والكلمة السيئة بالخبيثة: ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾ (إبراهيم 26).
فكل خبيث من الرجال والنساء والأقوال والأفعال مناسب للخبيث وموافق له، وكل طيب من الأقوال والأفعال مناسب للطيب وموافق له، والطيبون مبرؤون مما يرميهم به الخبيثون.
ونحن نقول في المثل العربي (كل إناء بما فيه ينضح) فإن رأى أحد امرأة تسير في الطريق مع شخص أجنبي عنها وظن بها سوءا وراح يطعن بها أمام الآخرين فهو إنسان خبيث لا يخرج منه إلا الخبيث، وأما إن ظن بها خيرا وحاول اختلاق الأعذار لها ودافع عنها ممن يرمونها بالسوء فهو إنسان طيب لا يخرج منه إلا الطيب سواء أكان رجلا أو امرأة.
ثم نأتي إلى الواقع الذي يؤكد هذا المعنى وينفي معنى أن الرجال الطيبين لا بد أن تكون زوجاتهن طيبات ألا وهو أن نبيين صالحين قد كانا متزوجين من امرأتين خانتاهما بالكفر. قَالَ سُبْحَانَهُ وتَعَالَىٰ: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَتَ نُوحٍ وَامْرَأَتَ لُوطٍۖ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ﴾ التحريم (10)
وكذلك النساء الطيبات اللاتي يكون أزواجهن غير ذلك، قَالَ اللَّهُ تَعَالَىٰ: ﴿وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قَالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ وَنَجِّنِي مِنْ فِرْعَوْنَ وَعَمَلِهِ وَنَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ﴾ (التحريم 11) فلو كان تفسيرهم صحيحًا لما تناقض مع كتاب الله تعالى.
والواقع الحياتي للناس يشهد بذلك فكم عدد النساء الطيبات المتزوجات من رجال سيئين والعكس صحيح؟ فنحن نرى رجالا طيبين وزوجاتهم سيئات، كما نرى نساء طيبات وأزواجهن سيئون، ولكن عادة الناس جرت أن يقولوا تلك العبارة (الطيبون للطيبات) عند مباركة الزواج كنوع من الدعاء أو الأمنيات المحمودة.
وإن حدث عكس ذلك وكان أحد الزوجين سيئا فهو إما نتيجة الاختيار السيء أو التسرع من قبل أولياء الأمور عند تزويج بناتهم أو إخفاء كلا الشريكين لعيوبه، ولكن كثيرا من الناس من يعلق اختيارته على شماعة القسمة والنصيب، ويعتبرون اختيارهم قدرا إلهيا كالميلاد والموت بالرغم من قدرة الزوجين على إنهاء الزواج الذي هو سبب شقائه أو يصبر عليه إن استطاع وله أجره من رب العالمين.
أما بالنسبة لمسألة زواج الزاني من امرأة عفيفة أو العكس فإن قوله تعالى: ﴿الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌۚ وَحُرِّمَ ذَٰلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾ (النّور 3) لم يأت على سبيل التقرير بخلاف الآية الأولى، ولكنه جاء على سبيل التوجيه الإلهي للمؤمنين بأن يتخيروا نكاح العفيفات وأن ينكحوا بناتهم من العفيفين وليس ممن يعلمون عنهم الزنا والعلاقات المحرمة، ومن يفعل ذلك فلا يلومن إلا نفسه.
مع ملاحظة أن كتاب الله بريء من تلك المعتقدات الفاسدة التي تبيح للرجال أن يفعلوا ما يريدون ويرتكبوا الفواحش وعندما يريدون الزواج يرغبون بالفتيات العفيفات، ومع الأسف ترضى كثير من الفتيات الزواج بهؤلاء تحت شعار كاذب مزيف وهو أن الرجل لا يعيبه شيء سوى جيبه ويقصدون بذلك المال، والحقيقة التي يؤكد عليها كتاب الله تعالى أن الزواج يجب أن يكون من أصحاب الخلق والدين رجالا ونساء حتى وإن كانوا فقراء قَالَ سُبْحَانَهُ: ﴿وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَىٰ مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْۚ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِۗ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾ (النّور 32)
